لم يكن قد مضى اكثر من شهر ونصف الشهر على المكالمة الهاتفية التى بادر بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مع الرئيس فلاديمير بوتين فى 20 ابريل الماضى واعتبرها المراقبون فى حينه، مفاجأة خففت من وقع كلمات الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية السابق التى حمل فيها على سياسات بوتين وانتقد كلمته الترحيبية التى بعث بها الى مؤتمر قمة شرم الشيخ ، حتى تبعتها المملكة بخطوة اخرى تمثلت فى ايفاد الشخصية الثالثة فى هرم الحكم السعودى الى روسيا،. وهو ما اعتبره الكثيرون من المراقبين المحليين والدوليين مفاجأة اخرى لا يقل وقْعُها عن الاولى، على ضوء ما تموج به الساحة السياسية العالمية من خلافات وتباين فى وجهات النظر حول العديد من القضايا وفى مقدمتها الاحداث فى سوريا واليمن.. على ان المساحة الزمنية التى فارقت بين المفاجأتين كانت بدورها شهدت العديد من الاتصالات الجانبية وما وراء الكواليس، فى محاولة لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر على ضوء قناعة قيادتى البلدين بضرورة تجاوز خلافات الامس، فى ظل رغبة متبادلة من اجل توحيد الجهود من اجل التوصل الى تسويات سلمية لما يحتدم من قضايا فى منطقة الشرق الاوسط وفى مقدمتها الازمات الراهنة فى سوريا واليمن وملف البرنامج النووى الايراني، واستمرار محاولات ايران الرامية الى فرض هيمنتها فى المنطقة، وربما يقينا من انه لا يمكن حل مثل هذه القضايا بدون روسيا، وهو ما اكده الرئيس بوتين والواقع العملى فى اكثر من مناسبة تسانده فى ذلك العلاقات الطيبة التى تربط روسيا بكل الاطراف سواء مع الجانب الايرانى او اطراف الازمة السورية، او الحوثيين فى اليمن وهم الذين زار ممثلوهم موسكو مرتين خلال الفترة القريبة الماضية . نحو مرحلة جديدة مصادرنا تؤكد ان زيارة المبعوث السعودى الرفيع المستوى لموسكو تجسيد لرغبة متبادلة للتحول نحو مرحلة جديدة قد تكون مناسبة لإزالة ما شاب علاقات البلدين من شوائب، وللتخفيف من حدة «الفجوة» التى سادت هذه العلاقات خلال السنوات القليلة الماضية، الى جانب اعتبارها مقدمة للاعداد للزيارة المرتقبة للملك سلمان بن عبد العزيز لموسكو تلبية للدعوة التى تلقاها من الرئيس بوتين فى ابريل الماضي. وحين بدت يقينا زيارة ولى ولى العهد الامير محمد بن سلمان الى موسكو، عرض الجانب الروسى ان تكون هذه الزيارة فى اطار مشاركة الامير محمد بن سلمان بوصفه وزير دفاع المملكة العربية السعودية فى منتدى "الجيش 2015" الذى يمكن على هامش اعماله لقاء الرئيس بوتين وبحث مستجدات الموقف والعلاقات الثنائية، الى جانب استعراض ما يملكه الجانب الروسى من معدات حربية واسلحة حديثة قد يقدم الجانب السعودى على التفكير فى الحصول عليها، لما لها من خصائص ومميزات تتفوق بها عن نظيرتها الغربية. وقال الجانب الروسى ان الامير محمد بن سلمان يمكن ان يكون ايضا ضيف المنتدى الاقتصادى الدولى السنوى فى سان بطرسبورج الذى يجرى فى وقت مواكب لمنتدى «الجيش 2015» وهو ما فضله الجانب السعودى، وإن لم يغفل المشاركة فى المنتدى العسكرى بوفد عسكرى نقلت عنه وكالة انباء «تاس» قوله إن الرياض أبدت اهتماما بشراء المنظومة الصاروخية العملياتية - التكتيكية روسية الصنع «إسكندر». لكنها سرعان ما عادت لتقول "ان مصدرا مسئولا فى المؤسسات الروسية المعنية بالتعاون العسكرى التقنى اعرب فى حديث له مع "إنترفاكس عن شكوكه فى احتمال عقد صفقات كبيرة مع السعودية فى القريب العاجل"، واضافت ان المصدر اعتبر "أن الرياض تعتمد على الأسلحة والمعدات الأمريكية لتجهيز قواتها المسلحة"، كما اشار الى ان مفاوضات جرت قبل ذلك التاريخ حول عقد حزمة كبيرة من عقود الأسلحة، لكنها لم تسفر عن نتيجة عملية على صعيد التنفيذ الذى من المستبعد ان يتم فى القريب العاجل، ولا سيما على ضوء المواقف التى يتخذها الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة تجاه الاوضاع فى أوكرانيا".. على ان المؤشرات كانت تقول ايضا "أن زيارة الأمير السعودى الذى يعد الرجل الثالث فى نظام الحكم بالسعودية، تأتى ل "إذابة الجليد" فى العلاقات بين البلدين بعد اختلاف وجهات النظر بخصوص سوريا على حد قول صحيفة "كوميرسانت" الروسية". كما اكتسبت الزيارة اهمية خاصة كذلك بسبب ما يشغله الأمير محمد بن سلمان من مواقع حساسة فى أعلى هرم السلطة منها رئاسة لجنة الاقتصاد والتنمية، ووزارة الدفاع الأمر الذى يضفى على زيارته الأولى لروسيا أهمية استثنائية. المفاجأة ومن اللافت ان وسائل الاعلام الروسية الموجهة فى غالبيتها، لم تخطئ التقدير حين استبقت الزيارة بتوقعات قالت فيها إن زيارة الوفد السعودى برئاسة الأمير محمد بن سلمان ستكون إحدى المفاجآت الكبيرة فى المنتدى بسبب العلاقات التى تجمع الرياض بواشنطن، التى تدعو حلفاءها الرئيسيين إلى الالتزام بسياسة العقوبات الموجهة ضد روسيا"، الى جانب ما قيل حول "ان حضور مثل الوفد السعودى إلى المنتدى الاقتصادى قد يكون مقدمة لزيارة الملك السعودى نفسه إلى روسيا". وكانت العلاقات الروسية السعودية جنحت نحو الفتور الذى اقترب من الجمود، إن لم يكن ما هو اكثر من الجمود، عقب ما سمى ب"ثورات الربيع العربي" ووقوف المملكة العربية السعودية فى مواجهة النظام الرسمى السوري. ولطالما حاول دون جدوى سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية من خلال آليات الشراكة الاستراتيجية التى تربط روسيا مع مجلس التعاون الخليجى التوصل الى نقاط التقاء مشتركة للتعاون من اجل حل الازمة السورية، لكن الجانب السعودى ومعه عدد من بلدان الخليج كانوا اكثر اصرارا على ضرورة رحيل الرئيس السورى بشار الاسد، فضلا عن اعراب الجميع عما ينتابهم من قلق تجاه تحركات الغائب الحاضر فى نزاعات المنطقة، وهى ايران التى ترتبط بها روسيا بعلاقات خاصة. . واذا كان المعلن من نتائج الزيارة يقول بما تحقق على صعيد العلاقات الثنائية ولا سيما فى مجال الاستثمارات والتعاون الاقتصادي، فان ما لم يجر الاعلان عنه سياسيا ، ظهر لاحقا فى تصريحات الرئيس بوتين التى ادلى بها خلال لقائه التقليدى مع مدراء وكالات الانباء العالمية على هامش اعمال المنتدى الاقتصادى فى سان بطرسبورج. وكانت الاوساط السياسية والاعلامية قد توقفت كثيرا عند ما تحقق على الاصعدة الثنائية والاقتصادية والذى تمثل فى حصيلة الزيارة، ومجملها ست وثائق جرى توقيعها وسط اهتمام اعلامى واسع النطاق. وتعلقت اولى هذه الوثائق بالتعاون فى مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية. اما الثانية فكانت مذكرة النوايا المشتركة فى مجال الفضاء، بينما كانت الثالثة مذكرة تفاهم فى مجال الاسكان، والرابعة «مذكرة نوايا حول نظام تفعيل اللجنة المشتركة للتعاون العسكرى التقني»، الى جانب «برنامج التعاون فى مجال الفضاء»، وبرنامج عمل آخر للتعاون المشترك حول الفرص الاستثمارية للمملكة العربية السعودية .. ولعل المتابع لعناوين هذه الوثائق يمكن ان يلاحظ ان الامر لم يتعد بعد اطار النوايا على نحو يقترب فى الكثير من جوانبه مع ما حدث ويحدث على صعيد العلاقات الروسية المصرية ، وهو ما اكدته تصريحات المسئولين حول اتفاق الجانبين بشأن تشكيل لجان العمل من اجل اعداد وصياغة التفاصيل.. اما عما لم يجر الكشف عنه فى التقارير والتصريحات حول مواقف البلدين من الازمات الراهنة فى منطقة الشرق الاوسط، فيمكن القول إن الرئيس بوتين آثر الاعلان عنه على نحو يتسم بالكثير من الصراحة واحيانا الحدة، فى معرض لقائه مع مدراء وكالات الانباء العالمية، وكذلك فى حواره العفوى مع عدد من المشتركين فى المنتدى الاقتصادى بعد القائه كلمته فى الجلسة العامة فى ثانى ايام انعقاد المنتدى. وكان بوتين قد اعلن صراحة ولم يكن الامير محمد بن سلمان قد غادر روسيا بعد، عن عدم نيته الانزلاق الى اية محاولات لاستمالته الى تاييد رحيل الرئيس السورى بشار الاسد كما تحاول الكثير من الاطراف الاقليمية والدولية الايحاء به فى مختلف المناسبات. وقال بوتين ايضا على نحو لا يحتمل التأويل إن بلاده لن تقف مع اية محاولات تستهدف الاطاحة بالرئيس الاسد. واعرب الرئيس الروسى عن استعداد بلاده للحوار مع الرئيس السورى من اجل اجراء الاصلاحات السياسية هناك، وحذر من اية محاولات تستهدف تحقيق الانقلاب فى سوريا معربا عن مخاوفه من احتمالات ان تودى مثل هذه المحاولات بسوريا الى ما ذهبت اليه الاحوال فى ليبيا والعراق، وقال «نحن لا نريد ان يبلغ تطور الاوضاع فى سوريا مثل هذا الحد، وذلك ما يفسر موقفنا من تأييد الرئيس الاسد وحكومته. ونحن نعتبر ذلك موقفا صحيحا، ومن الصعب توقع غير ذلك مننا». ومضى ليقول ان رحيل الاسد امر يخص الشعب السورى وحده مؤكدا استعداد بلاده للتعاون مع المعارضة من اجل تمهيد الطريق نحو الإصلاح السياسي. وأعاد بوتين إلى الأذهان أن الأممالمتحدة تحدثت مؤخرا عن احتمالات التعاون مع الرئيس الأسد فى مكافحة «داعش» والجماعات الإرهابية.