للمرة الثانية أجدنى مضطراً لمناقشة ما تكتبه د. سلوى العنترى حول التأمين الصحى، وإن كنت هذه المرة أجد أن مساحة الاختلاف فى الرأى أقل مما سبق، وربما يقود هذا الحوار البناء إلى الوصول إلى الصيغة الواقعية للتغلب ولو جزئياً على مأساة الطب والصحة فى مصر، وتحقيق أمل حصول المواطن المصرى على أحد أهم حقوقه الإنسانية وهو الحق فى الصحة. كتبت د. سلوى بالأهرام يوم 17/1 تحت عنوان «قانون التأمين الصحى يبيع لنا «الوهم» جاء فيه بالنص ز الحكومة تحاول أن تبيع لنا وهماً كبيراً إسمه التأمين الصحى الاجتماعى الشاملس ولكن هذا الوهم تبدد فور قراءتها بنود أحدث نسخة لمشروع القانون التى تحمل تاريخ 20/12/2015. وحيث إننى أحد أعضاء اللجنة التى تعمل منذ أكثر من أربع سنوات وبرعاية ومتابعة سبعة من وزراء الصحة المتعاقبين، فإننى أود أن أوضح لها وللسادة المسئولين أن آخر مسودة للقانون قامت اللجنة بطرحها للمناقشة كانت بتاريخ 29/1/2015 وهى المسودة التى عرضها وزير الصحة السابق د. عادل عدوى على رئيس الوزراء السابق. أما المسودة التى على أساسها كتبت ما كتبت الدكتورة العزيزة، فلا علاقة للجنة بها ولم يأخذ أحد رأيها فيما جرى فيها من إضافات وتعديلات، وبالتالى تبرأ ذمتها منها، وقد تدارك الوزير المحترم د. أحمد عماد هذا الأمر مؤخراً واستدعى اللجنة كاملة لإعادة النظر فيما حدث فى المسودة الأخيرة للجنة من تغييرات وترك لهم حرية إعادة النظر فيما جرى من تعديلات وإضافات أثارت العديد من الانتقادات. إن عدد مواد القانون الذى عرضه الوزير الحالى على رئيس الوزراء 56 مادة فى حين أن قانون اللجنة كان فى 37 مادة، وكانت اللجنة فى طور إعداد اللائحة التنفيذية للقانون التى تفسر العديد من بنوده المهمة، ولكن للأسف لم تُدع لاستكمال عملها أو مناقشة أى اقتراحات جديدة، لأنه منذ آخر ثلاثة تغييرات وزارية صارت اللجنة برئاسة وزير الصحة شخصياً وهو الذى يدعو لإجتماعاتها. إن بعضاً من مواد القانون الذى وضعته اللجنة قد يرى فيها البعض نقصاً أو عدم وضوح، وهو ما كان سيتم إيضاحه بالتفصيل والاتفاق عليه فى بنود اللائحة التنفيذية المفسرة للقانون والمكملة له، وهى مواد مازالت محل خلاف بين أطراف عديدة وكانوا يعدون لمناقشتها مع الجهات المعنية للوصول إلى اتفاق مقبول من الجميع قبل تقديم القانون للبرلمان. إننى أؤكد أن تحقيق تغطية صحية لجميع المواطنين ولجميع الأمراض بنظام تأمين صحى اجتماعى شامل هو حلم يجب أن نسعى جميعاً لتحقيقه حتى ولو استغرق ذلك سنوات عديده، ولكن علينا أن نبدأ بتمهيد الطريق إليه أو مانسميه «المرحلة الإنتقالية». لقد كتبت د.سلوى فى نهاية مقالها «الشئ الوحيد المؤكد الذى نخرج به من القانون هو أن نسبة معتبرة من المنشآت الصحية الحكومية لن تمكنها أوضاعها الحالية فى ظل نقص الأجهزة والمستلزمات والصيانة من الوفاء بمعايير الجودة المطلوبة وهو ما يؤدى إلى استبعادها من منظومة التأمين الصحى والتوسع فى التعاقد مع المستشفيات الاستثمارية والخاصةس وأنا أتفق معها فى هذا إذا ما استمر الحال على ما هو عليه. من هنا كان فى بنود القانون الذى وضعته اللجنة إنشاء ما أسميناه «هيئة الرعاية الصحية» تضم كل المستشفيات الحكومية وشبه الحكومية بما فيها مستشفيات وزارة الصحة المتبعثرة تحت مسميات مختلفة ومستشفيات التأمين الصحى والمستشفيات الجامعية والتابعة لوزارات مختلفة، فى منظومة فنية واحدة تكفل تكامل تقديم الخدمة وعدالة توزيعها، وتتيح الفرصة لتدريب الأطباء وعناصر تقديم الخدمة الآخرين بالاستفادة القصوى مما هو متاح، على أن تكون هذه الهيئة كما هو وارد فى نص القانون أداة الدولة فى ضبط مستوى أسعار تقديم الخدمة الطبية، وكبح جماح تلك المنشآت التى تهدف إلى تحقيق أرباح طائلة على حساب المرضى. بالتأكيد فإن د. سلوى ولا غيرها يرضى بتقديم خدمة طبية بعيدة عن الجودة ولو فى حدها الأدنى، بالتالى فإن الهيئة الثالثة التى يتضمنها القانون الذى وضعته اللجنة وهى «هيئة الجودة» فمهمتها الأساسية فى الفترة الانتقالية هى مساعدة المستشفيات والمراكز الطبية التابعة لهيئة الرعاية الصحية ذ وفى المقدمة منها تلك التى تتبع وزارة الصحة ذ فى الوصول إلى المستوى المقبول لخدمة المرضى. من وجهة نظرى الخاصة ودرايتى بالأوضاع الصحية بمصر الآن، فإن مناقشة قانون جديد للتأمين الصحى بالبرلمان لايمكن أن يتم إلا والأمور واضحة فى أننا سنبدأ أولاً مرحلة انتقالية قد تستغرق بعض الوقت حتى تنفيذ القانون على أرض الواقع، تبدأ بخطوات عملية لرفع كفاءة المستشفيات والمراكز الطبية التى ستقدم الخدمة، وفى المقدمة منها وجود شبكة معلوماتية تضم ملفات المرضى وصرف الأدوية وسهولة متابعة الحالات، وإنشاء منظومة جديدة للتعليم والتدريب الطبى لإعداد الكوادر الطبية والمساعدة. وأنا هنا أتعجب مما جاء بالصحف من أن مجلس الوزراء قد وافق على إنشاء ما سُمى «الهيئة القومية لتدريب الأطباء» فى حين أنه منذ سنوات قليلة، كان قطاع الدراسات الطبية بالمجلس الأعلى للجامعات بالتعاون مع وزارة الصحة والأكاديمية الطبية العسكرية ونقابة الأطباء قد أعدت مشروعاً قومياً لتطوير التأهيل المهنى للأطباء، وصدر قرار وزارى مشترك اعتمده رئيس الوزراء فى ذلك الوقت بتشكيل لجنة تأسيسية لإنشاء المجلس الطبى المصرى، وتهيئته لصلاحيات عديدة وفى مقدمتها البرامج التدريبية والامتحانات القومية ومنح الشهادات التخصصية فى فروع الطب المختلفة . القضية يا سادة هى ليست فى عهد من صدر قانون التأمين الصحى، ولا هى قضية شعارات وعناوين صحفية تبيع لنا الوهم.. القضية أكبر من ذلك وأعقد بكثير، وأن علينا أن نستمع لرأى الخبراء أينما كانوا ونوفر الإمكانات المادية طبقاً لما نص عليه الدستور، ونبدأ العمل فى جميع الاتجاهات فى وقت واحد. بالتأكيد فإنه إلى حين الاطمئنان إلى أننا قادرون فعلاً على جعل حلم التأمين الصحى الإجتماعى الشامل واقعاً مصرياً نفخر به، يجب أن نفكر فى كيفية أن نوفر للشعب المريض المُرهق تغطية صحية مناسبة بدعم وإصلاح النظم المؤقتة الحالية مثل العلاج المجانى وضخ أموال لتدعيم نظام التأمين الصحى الحالى والعلاج على نفقة الدولة للفقراء ومحدودى الدخل والحد من الهدر فى الإنفاق الصحى واستهلاك الدواء والتعامل بحزم وحسم مع فوضى العلاج الخاص والحر ودعم نقابة الأطباء لأداء دورها فى هذا الشأن. إننى أود أن أطمئن الجميع أن ما من أحد فى لجنة إعداد القانون ولا فى الحكومة على ما أعتقد، يمكن أن يوافق على خصخصة المنشآت الصحية التى يملكها الشعب، أو أن تكون صحة المصريين مجالاً للتجارة فيها وفرصة لتحقيق المكاسب وكنز الأموال، ومن يفعل ذلك أو حتى يفكر فيه فلا مكان له بيننا، بل وفى العمل العام كله. لمزيد من مقالات طارق الغزالى حرب