طهران محمد مطر كل الطرق والأروقة باتت تؤدي الي طهران وليس روما كما يقول المثل الايطالي, والملف النووي الإيراني الذي حاول الغرب لأكثر من عقد من الزمان أن يضعه في واجهة الملفات الدولية الساخنة بات هو الآخر موصولا اليوم بالطرق الشائكة المتصلة جميعا بالدور الإيراني في المنطقة. قررت إيران والدول الست المعنية بملفها النووي نقل المفاوضات الي بغداد عشية انتهاء اللقاء الخامس في اسطنبول بين الجانبين,, وكان لابد أن يتم حيث ان جميع الفرقاء اتفقوا علي بدء فصل جديد من المفاوضات فسارعت بغداد في التقاط الخيط الرفيع وبدأت اتصالات في اتجاهين, الأول مع إيران خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الي طهران, و بحث وزير الخارجية هوشيار زيباري الموضوع مع مسئولين في المفوضية الأوروبية. والواقع أن التوافق الأمريكي الإيراني علي أن تكون بغداد مقرا للمفاوضات خلال أيام لا يعني أنها ستكون سهلة أو أن التسوية ستحصل بفضل العراقيين فواشنطن تريد التأكيد أن حربها لم تكن عبثية وانها حولت العراق الي دولة ذات شأن في السياسة الدولية والإقليمية, فيما تريد إيران اعترافا دوليا بدورها في هذا البلد العربي الذي يشكل نموذجا لتلاقي مصالحها مع الغرب أو لتقاسم النفوذ في المنطقة. وعندما تقول طهران لمجموعة5+1 اليوم اسطنبول وغدا بغداد, متوعدة الدول الكبري بنقل المحادثات الي العاصمة التي ترغبها وتريدها اذا ما اقتضي الأمر, كما جاء في تصريحات أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي انما تريد بعث رسالة فحواها أن محادثاتنا معكم لم تعد تنحصر بالنووي مطلقا, اذا لم تكن قد دخلت مرحلة تحديد حجم ودور إيران في معادلة الأمن والسلم الإقليمي والدولي. وأغلب الظن أن طهران حققت من مؤتمر اسطنبول أمرين مهمين, الأول أن الدول الكبري وعدتها بمنع إسرائيل من تسديد ضربة وقائية استباقية اذا هي أوقفت عملية تخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية واكتفت باستخدامه لغايات مدنية سلمية, والأمر الثاني أن تتعهد إيران بتجميد كل مسعي لامتلاك سلاح نووي مقابل الغاء كل القرارات الدولية والعقوبات التي تستهدفها.وهذا الطرح قد يتناغم مع ما- صرح به الجنرال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني حينما قال: إن الدول الست الكبري امتثلت لإرادة الشعب الإيراني في استيفاء حقوقه النووية المشروعة!! وجاء في ختام كلامه, أن اجتماع اسطنبول تمخض عن نتيجتين باهرتين, الأولي أن الغرب امتثل لحقيقة أن إيران لا تريد سلاحا نوويا ومثل هذا الموقف ينسجم مع رؤية المرشد علي خامنئي بأن إيران لا تسعي مطلقا الي امتلاك سلاح نووي, أما النتيجة الباهرة الثانية فيمكن تسجيلها ضمن انجازات مقاومة الشعب الايراني كونها تعترف بحقه في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية. وفي كل الأحوال يبدو ان المسئولين الإيرانيين استحوذ علي اهتمامهم ضرورة إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة علي بلادهم كثمن لأي تقدم في المفاوضات, وهذا ما أوحي به رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان علاء الدين بروجردي, الذي أكد أن إلغاء العقوبات الاقتصادية, سواء المصرفية أو النفطية سيكون في مقدمة الأولويات التي سيطرحها الوفد الإيراني في اجتماعات بغداد, وأضاف قائلا: إن طهران ستكتفي من عملية التخصيب بما يؤمن الحاجات الدولية للبلاد. وستواصل طهران الجهر بأن الحصول علي الطاقة النووية حقها وأنها تتوسله من أجل الأغراض السلمية, بينما يستمر الغرب في الطعن علي ذلك واتهامها بالسعي الي حيازة سلاح وقنبلة نووية, في الوقت الذي انقسمت فيه الدول التي تجاور طهران وفق مصالحها وأهدافها فتقترب أو تبتعد من إيران بحسب علاقاتها الاقتصادية والتجارية أو بحسب مواقفها الإقليمية والدولية, وأصبح الهم النووي الإيراني الذي كان يقلق الغرب قبل سنوات يتراجع لصالح قضايا ومسائل أخري تفرض نفسها, حتي ان الموقف الإسرائيلي نفسه بات أكثر ليونة وتساهلا يوحي بقبول إيران الجارة النووية مقابل منع سقوط انظمة كنا نعتبرها حتي الأمس القريب عدوة له وفي حالة حرب معه. واقع الأمر أن المحادثات الدولية الإيرانيةالغربية في بغداد ستكون فرصة نادرة لتأمل المشهد الدولي والتوازنات الإقليمية, بعد أحداث الربيع العربي الذي أوجد اختلالات كبري في خارطة المنطقة التي كانت قائمة والتي ربما يكون حائك السجاد الإيراني ذلك المفاوض البارع هو المستفيد الأول منها, لكن الشئ اليقين أن المتحاورين في بغداد خلال الأيام المقبلة سيتحملون دفع الكثير من القوي العربية والإسلامية الي دخول سباق التسليح والنادي النووي.