هل نحن بحاجة إلى قانون ينظم عملية الفتوى ويمنع غير المتخصصين من التحدث إلى وسائل الاعلام وإثارة الفتنة والبلبلة والفرقة والاختلاف بين أبناء الوطن الواحد بل بين أفراد الأسرة الواحدة؟ بعد تجرؤ الأدعياء واتخاذهم رءوسا ومراجع، يدخل على الناس اللبس والتشويش فى دينهم، فتختلط لديهم المفاهيم والأمور الشرعية، وتنفتح عليهم أبواب الفتن، خاصة مع شيوع الأمية الدينية بين بعض غير قليل من الأمة. ولماذا لا يبادر مجلس النواب بسرعة إصدار تشريع ينظم عملية الفتوى؟ وهل يتعارض القانون مع حرية الرأى والتعبير؟. علماء الدين جاءت آراؤهم متباينة، ما بين مؤيد ومتحفظ على صدور مثل هذا القانون، حيث أكد المؤيدون أن مثل هذا القانون يقضى على فوضى الفتاوى ويمنع غير المتخصصين من التصدى للفتوى، أما المتحفظون فأوضحوا صعوبة تنفيذ وتطبيق هذا القانون لاعتبارات معينة، وأيضا سيجعل منه سيفا مسلطا فى يد فئة معينة. فى البداية، يقول الدكتور مجدى عاشور المستشار الأكاديمى لمفتى الجمهورية، إن الفتاوى التى تصدر من غير القائمين بالفتوى تثير البلبلة والفرقة فى المجتمع، وهذا مشاهد من فئات كثيرة برزت فى بلاد المسلمين، تعيث فى الأرض فسادا، وتسعى فى الناس إجراما وإرجافا، متشحة - زورا وبهتانا - بزى الشرع والجهاد، خلافا لما شرعه الله غاية للجهاد، بأنه لنشر الأمان وحماية الأوطان ودفع العدوان، كما تسعى تلك الجماعات المتطرفة إلى توظيف الطائفية المقيتة لتحقيق أطماع سياسية دنيوية، لا علاقة لها بنصرة الدين والأمة، وإنما تستهدف العدوان على الغير والاستحواذ على حقوقه بالاستقواء والغدر، وهم يسعون فى تحقيق مآربهم الخسيسة يقللون من دور المؤسسات العلمية؛ فيتعدون على صلاحيتها، ويتعمدون الإساءة إليها والتشكيك فى اطلاعها ومسئولياتها وإضعاف هيبتها والنيل من سمعتها. وأضاف:من أجل ذلك كله يستدعى النظرُ والعقل والعلم والحكمة والواقع قصرَ الفتوى على أهلها، المشهود لهم بالكفاءة والجدارة؛ تحقيقًا للأمر الوارد فى قوله تعالى: ..وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83]، وتحرى ذلك وتطبيقه هو من عزائم الأمور؛ حيث الاجتماع على آراء العلماء الراسخين، بعيدًا عن التطرف والشذوذ فى الأقوال، والاغتراب فى الفتاوى، ومن ثمَّ نحمى المجتمع وثوابته وهويته. ميثاق شرف للفتوى وحول لماذا لا يبادر مجلس النواب بسرعة إصدار تشريع ينظم عملية الفتوى؟ يقول مستشار المفتى:أتضامن معكم فى هذه المبادرة التى يمكن أن يتكاتف من أجلها أعضاء مجلس النواب والتى تقضى بضرورة عمل لائحة ميثاقِ شرفٍ للفتوى تتضمن الأُطُرَ القانونيةَ والإجرائيةَ للتصدِّى لفوضَى الفتاوى، وإصدار ما يلزم من تشريعات تنظم عملية الفتوى، بالتعاون مع الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، وهو ما نادت به عدة مؤتمرات دولية آخرها مؤتمر دار الإفتاء المصرية العالمى الأول المنعقد بالقاهرة فى أغسطس من العام الماضي. ومثل هذا القانون إذا روعيت فيه الضمانات والضوابط التى نص عليها العلماء فيمن يحق له التصدر للفتوى لا يحد من حرية الرأى والتعبير بقدر بل إنه يُعَظِّم الاستفادة من هذا المجال الحيوى وعدم استخدامه فى الهدم والتجريح. ويمكن القول إنه إذا تحققت المنهجية المعتبرة ومعايير الاختيار فيمن يتصدرون للإفتاء اتسق الأمر وابتعد عن التقاطع أو التعارض مع حرية الرأى والتعبير؛ إذ سيتضح الفرق بين الفتوى والرأي، والشرع لا يصادر الرأى الذى لا يعارض النظام العام للمجتمعات، فى الوقت الذى يدعو إلى عدم الخوض فى الإفتاء إلا من ذويها. إصداره ضرورة وفى سياق متصل، يؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن فوضى الفتاوى من غير المتخصصين التى تشهدها الساحة حاليا، وما تحدثه من بلبلة وخلخلة فى المجتمع وما يترتب عليها من آثار سيئة تضر بالدين والناس معا، تقتضى ضرورة إصدار قانون يمنع غير المتخصصين فى الفتوى من التصدى لها فى اى مكان او من خلال وسلية اعلامية وإلا يعرض نفسه للمساءلة القانونية، وذلك على غرار منع غير المتخصصين وغير المرخص لهم من اعتلاء المنابر والقاء الدروس فى المساجد والأماكن العامة. وأشار إلى أن الله تعالى وجه عباده إلى اخذ العلم من أهل التخصص، حيث قال سبحانه وتعالى فى قرآنه الكريم «فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»، ولا شك فى أن وجود قانون يجرم ويعاقب كل من يتجرأ على الفتوى بغير علم، سوف يحد من فتاوى وآراء غير المتخصصين، مما يترتب عليه قصر الفتوى على أهل التخصص سواء فى لجنة الفتوى بالأزهر أو دار الإفتاء المصرية، أو من هو مؤهل للفتوى، وفى هذا خير عظيم لجميع المسلمين، من أخذ الفتوى والعلم من معين صحيح. من جهته، طالب الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، بسرعة إصدار قانون يجرم من يتصدى للإفتاء من غير المتخصصين، مقترحا إنزال عقوبات تعزيرية تتراوح بين الحبس والغرامة بحق المجترئين على الفتوى بغير علم، والتشهير بهم فى وسائل الإعلام والدعوة من باب ..«فاعتبروا يا أولى الأبصار» وأيضا عقوبة الحجر العلمى، قال الفقهاءويحجر على المفتى الذى يأتى بالغرائب والعجائب وما أكثرهم فى زماننا هذا. وأشار الى ان من المقرر شرعاحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله عز وجل، وبالنظر الى فقه الواقع والمصالح، فإن تقنين تدابير احترازية وقائية، وأخرى زجرية عقابية فى تنظيم العمل الإفتائى من الأهمية بمكان، خاصة وهناك عوار وعطب أصاب الأعمال الإفتائية لتطفل غير المتخصصين على الأعمال الإفتائية الشرعية، فجماعات وفرق وفصائل لا صلة لها بالأعمال الفقهية، أشياخها ورموزها يدلون بآرائهم ذات العصبية والطائفية، البعيدة كل البعد عن آلية الإفتاء الشرعى المستند الى الدليل الشرعى، فمواقع التواصل الاجتماعى والوسائل الالكترونية وكثرة الفضائيات الدينية والفراغ الدينى- للأسف الشديد- كل هذا ادى بالمتطفلين على موائد العلوم الشرعية الى الصدراة على حساب ذاتية الأحكام الفقهية على سمعة الشريعة الاسلامية، بل وتسلقوا فوق المتخصصين والباحثين فى ذلك الامر، قال تعالى وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ، وهذا تحذير إلهى ولكن المجترئين على الافتاء لا يبالون به، وذلك لأن منافعهم الشخصية فوق الدين نفسه، موضحا ان تولى الفقهاء مقاليد الأعمال الافتائية، أمر منصوص عليه فى الكتاب والسنة، قال النبى صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين. رأى مخالف بينما يرى الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، أن مصر ليست فى حاجة إلى إصدار قوانين لتنظيم الفتوى, فإن الذين يصلحون للفتوى بها ممن لم يتم اختيارهم فى منصب الفتوى أو غيرها, ربما كان لهم قدم أكثر رسوخا فى العلم من غيرهم, وهؤلاء يثق الناس كل الناس فى علمهم وورعهم, ويطمئنون لما يصدر عنهم من فتاوى, واستصدار قانون فى هذا الصدد, يجعل منه سيفا مسلطا فى يد فئة عرفت بالعنصرية, والبغض الشديد لكل من سوى مجموعتها, ووقائع الأحوال تذكرنا بعلماء تم التعجيل بفصلهم من أعمالهم, وكانت فتاواهم هى التكأة التى تمسك بها من أقاموا الدنيا وأقعدوها فى حقهم, ولم تهدأ ثائرتهم وثورتهم إلا بعد أن تم الفصل من العمل. ويتساءل: من الذى يحدد المتخصص من غير المتخصص؟, هل المتصور أن تعقد لجنة أو جهة معينة اختبارات, لتفرز هذا من ذاك, ثم تصرح للبعض بالفتوى, وتقصى البعض الآخر, أم أن النتيجة المعروفة سلفا أن الذى تصدروا جميع المشاهد من قبل بإيعاز ممن اعتبروا أنفسهم أمناء على الشرع, هم الذين سيتصدرون جميعها من بعد, وأنهم بين عشية وضحاها صاروا صالحين لكل شيء, وأنهم صناديد كل الميادين, كما هو حادث الآن. وأشار إلى أن التصدى للفتوى لا يكون إلا ممن تأهل لها من العالمين بأحكام الشرع الحنيف, ودرسوا الفقه وأصوله وقواعده, وعلموا كيفية استنباط الأحكام من أدلة الشرع, وعرفوا آداب الفتوى, وتأهلوا للاجتهاد, فتوافرت فيهم شروطه, أيا كان المعهد الذى درسوا به ذلك, فى الشرق أو الغرب, ومن ثم فإن الفتوى ليست رأيا, حتى يكون لها تعلق بحرية الرأي, فالفتوى لا حرية فيها أصلا, باعتبار أن المفتى يتقيد بأدلة الشرع وقواعده, ولا يسمح له بحال أن يلقى الكلام على عواهنه, ومن يفتى بغير علم أو من غير تأهل للفتوى, يجب على ولى الأمر معاقبته, ولذا فإن المتغيا ليس إصدار القوانين المنظمة للفتوى, بل مراقبة ما يصدر ممن يتصدى للفتوى, فإن كان فيما أفتى به فى وسائل الإعلام مخالفة فى أمر ليس للاجتهاد فيه مجال, وجب الإنكار عليه, وتقديمه للقضاء, ليس لأنه ازدرى بالدين, بل لأنه مارس عملا من غير أن يكون مؤهلا للقيام به. صعوبة التطبيق وفى سياق متصل يرى الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، انه من الصعب صدور قانون يجرم الفتوى من غير المتخصصين، وذلك لصعوبة تطبيق وتنفيذ ذلك القانون، حيث ستكثر القضايا فى هذا الأمر، مما يترتب عليه اثقال كاهل القضاء، موضحا انه اذا أردنا ان نقضى على ظاهرة فوضى الفتاوى من غير المتخصصين علميا للإفتاء، فعلى وسائل الإعلام عدم نشر الفتاوى والآراء الشاذة التى تصدر من غير المتخصصين، مع استضافة وقصر الإفتاء على المتخصصين فى العلوم الشرعية خاصة فى الفقه الإسلامي.