شهدت العلاقات المصرية الصينية عبر 60 عاما العديد من الزيارات الرئاسية المتبادلة ولقاءات القمة بين زعماء البلدين، وهو ما يؤكد اهتمام القاهرةوبكين بتعميق التعاون بينهما، وحرصهما على التشاور الدائم حول القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، وبزيارة الرئيس شى جين بينج الحالية يكون جميع رؤساء جمهورية الصين الشعبية بداية من الرئيس الثالث لى شيان نيان قد زاروا مصر، بينما زار ثلاثة رؤساء مصريين الصين، وكانت آخر هذه الزيارات زيارة الرئيس السيسى لبكين فى سبتمبر الماضى. زيارة الرئيس شى جين بينج إلى مصر تحمل أهمية كبيرة، فهى الزيارة الأولى لرئيس صينى إلى القاهرة منذ 12 عاما، حيث كانت آخر زيارة للرئيس السابق هو جينتاو فى يناير 2004، كما أنها تتواكب مع مرور 60 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين، التى بدأت فى 31 من مايو 1956، وسيكون إعلان عام الثقافة الصينى فى مصر إحدى الفعاليات المهمة خلال الزيارة، وتتزامن الزيارة مع بدء شغل مصر لمقعدها غير الدائم فى مجلس الأمن الدولى، وهو ما سيدعم التنسيق بين القاهرةوبكين فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية وجهود الحفاظ على السلام فى العالم. وقد أرسلت الصين رسالة مهمة خلال التحضيرات لزيارة الرئيس شى جين بينج تؤكد تقدير بكين لمصر والرئيس عبدالفتاح السيسى، وثقل القاهرة بالنسبة للدبلوماسية الصينية، حسب تأكيد نائب وزير الخارجية الصينية تشانج مينج، وتمثلت هذه الرسالة فى دعوة الرئيس السيسى لحضور القمة ال11 لمجموعة العشرين، التى ستستضيفها مدينة هانجو الصينية فى سبتمبر المقبل، وحسب قواعد القمم يحق للدولة المضيفة دعوة دولتين فقط كضيف شرف لحضور القمة، واختارت الصين أن تكون مصر إحدى هاتين الدولتين، وسلم تشانج مينج الرسالة خلال زيارته للقاهرة إلى وزير الخارجية سامح شكرى. زيارتا السيسى أحدث الزيارات الرئاسية بين مصر والصين كانت الزيارتان اللتان قام بهما الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الصين فى ديسمبر 2014، وسبتمبر 2015، وقد تحققت نتائج كبيرة لدفع العلاقات الثنائية بين البلدين، فخلال الزيارة الأولى تم التوقيع على اتفاقية رفع مستوى العلاقات بين القاهرةوبكين إلى علاقات استراتيجية، كما جرى التوقيع على عدد كبير من مذكرات التفاهم لإقامة مشروعات جديدة فى مصر وزيادة الاستثمارات الصينية بها. وبعد أقل من 10 أشهر قام الرئيس السيسى بزيارته الثانية لبكين تلبية لدعوة الرئيس الصينى شى جين بينج، التى وجهها للرئيس المصرى خلال لقائهما فى موسكو أثناء احتفالات روسيا بانتصارها فى الحرب العالمية الثانية، وكانت الدعوة لحضور احتفالات الصين بالذكرى ال70 لانتصارها فى الحرب العالمية الثانية والحرب ضد الفاشية، وخلال هذه الزيارة حضر الرئيس السيسى ضمن 30 رئيسا وزعيما من دول العالم العرض العسكرى الضخم الذى نظمته القوات المسلحة الصينية فى الميدان السماوى "تيانآنمن" للمرة الأولى بهذه المناسبة، وهو العرض الذى شاركت فيه فرقة حرس شرف مصرية بدعوة من الجيش الصينى، لتكون مصر الدولة العربية والإفريقية الوحيدة التى تمت دعوتها وشاركت بقوات رمزية فى طابور العرض العسكرى. وخلال الزيارة تم التوقيع على الاتفاقية الإطارية لرفع القدرات الإنتاجية بين مصر والصين، والتى ستشرف على تطبيقها لجنة وزارية مشتركة، وسيتم من خلالها تنفيذ عدد من المشروعات الاستثمارية المهمة فى مصر خلال الفترة المقبلة. مبارك وهو جينتاو وزار الرئيس السابق محمد مرسى بكين فى الفترة من 28 إلى 30 أغسطس 2012، والتقى خلال الزيارة الرئيس الصينى السابق هو جينتاو، الذى كان آخر رئيس صينى زار مصر، حيث قام فى الفترة من 29 يناير إلى الأول من فبراير عام 2004 بزيارة دولة، زار خلالها مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة واقترح فكرة إقامة منتدى التعاون العربى- الصينى، والتى لقيت ترحيبا وتم توقيع وثيقة إعلان المنتدى فى 14 سبتمبر من العام نفسه بمقر الجامعة. وسبقت زيارة هو جينتاو للقاهرة زيارة للرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك إلى الصين فى يناير 2002، وكان مبارك أول رئيس مصرى يزور الصين منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بين القاهرةوبكين، حيث بدأت زيارته الأولى للصين كرئيس جمهورية فى الأول من ابريل 1983، واستمرت لمدة 4 أيام، وخلال هذه الزيارة تم الإعلان عن مساهمة الصين الكاملة فى إنشاء وتجهيز مركز مؤتمرات دولية كبير، بتكلفة 50 مليون جنيه، تقديرا منها لدور مصر ولعلاقة الصداقة التى تربط الصين بمصر حكومة وشعبا. وكان مبارك سبق له زيارة الصين مرتين وهو نائب للرئيس الراحل محمد أنور السادات، الأولى فى ابريل 1976 واستقبله خلالها الزعيم الصينى الراحل ماوتسى تونج، وكانت الزيارة الثانية فى 5 من يناير 1980، كما زارها عدة مرات خلال رئاسته لمصر منها زيارتان فى أكتوبر 1992، وأبريل 1994، والتى جرى خلالها التوقيع على اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة واتفاقية المساعدات القضائية بين حكومتى مصر والصين. أول زيارة لرئيس صينى كان الرئيس الأسبق لى شيان نيان، الرئيس الثالث فى تاريخ جمهورية الصين الشعبية، أول رئيس صينى يزور مصر، حيث وصل إلى مطار جناكليس بالإسكندرية مع قرينته فى 14 من مارس 1986، وكان فى استقباله الدكتور بطرس غالى، وزير الدولة للشئون الخارجية فى ذلك الوقت، وقضى الرئيس الصينى فى الإسكندرية ثلاثة أيام فى زيارة خاصة لمعالم المدينة السياحية، قبل أن يبدأ يوم 17 زيارته الرسمية لمصر بدعوة من الرئيس الأسبق مبارك بعد وصوله إلى القاهرة، والتى استمرت 4 أيام، ألقى خلالها خطابا فى مجلس الشعب المصرى، كما شارك فى وضع حجر الأساس لمركز المؤتمرات الدولى بمدينة نصر، والذى قدمته الصين هدية لمصر، والتقى عددا من المسئولين المصريين فى ذلك الوقت، ومنهم الدكتور على لطفى، رئيس الوزراء، والدكتور رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب، وصبحى عبدالحكيم، رئيس مجلس الشورى. وبعد زيارة الدولة غادر الرئيس الصينى لى شيان نيان وقرينته القاهرة إلى الأقصر، حيث قضيا 3 أيام أخرى فى زيارة خاصة للمعالم السياحية لمدينتى الأقصر وأسوان، وبذلك استغرقت زيارة الرئيس الصينى لمصر 10 أيام كاملة. افتتاح مركز المؤتمرات وفيما شارك الرئيس الصينى لى شيان نيان فى وضع حجر أساس مركز القاهرة الدولى للمؤتمرات بمدينة نصر، فقد حضر افتتاحه الرئيس الصينى التالى له يانج شانج كون، حينما زار مصر فى ديسمبر عام 1989 بدعوة من الرئيس الأسبق مبارك، حيث أجريا مباحثات ثنائية وافتتحا قاعة المؤتمرات، كما التقى بالمسئولين المصريين وقتها، ومنهم الراحلون الدكتور عاطف صدقى رئيس مجلس الوزراء، والدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب، والدكتور مصطفى كمال حلمى رئيس مجلس الشورى، كما زار مصر الرئيس الصينى الأسبق جيانج تسه مين. رؤساء الوزارة يمثل رئيس مجلس الدولة (رئيس الوزراء) فى الصين أحد أهم المناصب القيادية، وفى بعض الأوقات كان يعتبر رئيس الدولة، حينما تم إلغاء منصب الرئيس عام 1975 قبل العودة للعمل به عام 1983، وكان دونج بيو قد تولى منصب الرئيس بالإنابة فى الفترة من 24 فبراير 1972 إلى 17 يناير 1975. وزار مصر اثنان من أهم رؤساء مجلس الدولة فى تاريخ جمهورية الصين الشعبية، حيث كانت الزيارة الأولى التى قام بها رئيس مجلس الدولة شواين لاى فى ديسمبر عام 1963، والتقى خلالها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وكان ذلك اللقاء الثانى بينمها، حيث كان لقاؤهما الأول فى ابريل 1955 على هامش مؤتمر باندونج الأفروآسيوى، وهو اللقاء الذى جرى خلاله بحث إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين ونشأت بفضله علاقة صداقة بين عبدالناصر وشواين لاى، وفى العام التالى اعترفت مصر بجمهورية الصين الشعبية، وهو ما كسر الحصار الغربى والأمريكى، الذى كان مفروضا حولها، وفتح أمامها أبواب التعامل مع دول الشرق الأوسط وإفريقيا. رئيس مجلس الدولة الصينى شواين لاى قضى أكثر من 10 أيام بمصر خلال تلك الزيارة، أجرى خلالها الكثير من اللقاءات وحضر أنشطة كثيرة مع الرئيس عبدالناصر منها احتفال العيد التاسع للعلم وشارك فى تسليم الجوائز وألقى خطابا، كما زار منزل عبدالناصر والتقى أسرته، وزار منطقة أهرامات الجيزة والمتحف المصرى، وغيرهما من المعالم التاريخية والأثرية فى القاهرة، وزار أيضا مدينتى بورسعيد والإسكندرية. ولم تكن زيارة شواين لاى المعروف ب"مهندس الدبلوماسية الصينية" الأولى عام 1963 هى الأخيرة لمصر، حيث تعددت زياراته بعد ذلك ومنها زيارته فى يونيو عام 1965، حيث قضى أكثر من 10 أيام بمصر انتظارا لانعقاد المؤتمر الآفروآسيوى الثانى بعد باندونج، والذى كان مقررا أن يتم عقده فى الجزائر، وهو المؤتمر الذى تعثر الترتيب له ولم ينعقد فى النهاية. بعد 19 عاما بعد 19 عاما من زيارة رئيس مجلس الدولة الصينى شواين لاى الأخيرة لمصر قام رئيس مجلس الوزراء تشاو تسى يانج، الذى قاد الصين بين عامى 1978 و1992، بزيارة إلى مصر من 20 إلى 24 ديسمبر 1982، أجرى خلالها محادثات مع الرئيس الأسبق مبارك، وقد رافقه خلال الزيارة وفد مكون من 53 عضوا بينهم 19 صحفيا، وزار مدينة الإسماعيلية بالإضافة إلى زيارته للقاهرة، وكانت مصر أول دولة فى جولة رئيس مجلس الدولة الصينى لزيارة 10 دول عربية وإفريقية. ويعد تشاو تسى يانج أحد مفكرى الصين وقائد نهضتها الاقتصادية، حيث تحول بها إلى تبنى اقتصاد السوق، وأنشأ المناطق الاقتصادية الخاصة كوحدات مصغرة لإحداث طفرة فى فى التنمية ورفع مستوى الدخل، وتنبأ عام 1978 بأن تستطيع الصين خلال نصف قرن، أى عام 2028، استكمال عملية التحديث والسيطرة السياسية والاقتصادية، وهو ما تسير الصين نحوه بنجاح كبير.