المرايا أشكال وألوان، هناك مرايا تعكس الصورة، ومرايا تكبر الصورة، وأخرى تصغر الصورة، ومنها ما يشوه الصورة، ونحن نختار ما يناسبنا، لأننا نلون الأشياء بمشاعرنا، فالأبيض نحب أن نراه أصفر، والازرق نعشق رؤيته أسود، ولا مشكلة، فهذه طبيعة البشر. لو أدمنا النظر في المرآة، فلن نرى إلا أنفسنا، ولو كانت المرآة مشوهة، فلن نعرف حقيقة أنفسنا، فالصورة لا علاقة لها بالواقع، الأصل جميل والصورة بشعة، والعكس بالعكس، لن تعرف الحقيقة من مرآة، فالمرايا تريك بعضا وليس كل الحقيقة، وغالبا ما تشوه الحقيقة. حتى المرايا الدقيقة لا تكشف كل شيء، لأنها ترينا الشكل وليس الجوهر، تعكس الظاهر وليس الباطن، قد نرى أنفسنا من الخارج، ولا نراها من الداخل، ونحن لا نرى إلا ما نريد رؤيته، ولا نسمع إلا ما نحب سماعه، بل إننا لا نريد أن نواجه أنفسنا، ولا أن نعرف حقيقتها، فالحقيقة مزعجة، وأحيانا محرجة. الحياة حافلة بالمرايا، عيون الآخرين مرايا، وتصرفاتهم مرايا، حتى كلماتهم مرايا، هناك ما يكشف، وهناك ما يخفي، وأشياء كثيرة لا تبدو على حقيقتها، ونحن نحدد ما نراه، وما لا نراه، والقضية لا علاقة لها بالنظر، وإنما بالتأمل، لكن تظل أشياء فوق مستوى الفهم. لو نظرت إلى ما هو أبعد من الصورة..لرأيت نفسك، ولو تطلعت بعمق سوف ترى حقيقتك، ولو تعمقت أكثر فسوف ترى منافسك، الذي هو أنت، ولو بحثت عمن يمكنه تغيير حياتك، فسوف تجده نفس الشخص، أنت أيضا، المرايا تقول كل شيء، وقد لا تقول شيئا، ما تراه فيها يتوقف على ما تريده منها. في دنيا المرايا، لا يمكن أن ترى الحقيقة، إلا إذا نظرت إلى ما هو أبعد من الصورة، وهذا هو التحدي، وأيضا المعادلة الصعبة. لمزيد من مقالات عبد العزيز محمود