هل يعقل أن حجم الفساد فى عام 2015 بلغ 600 مليار جنيه وفقا لتصريحات المستشار هشام جنينة رئيس جهاز المحاسبات ؟ وهو ما يزيد عن حجم ميزانية الدولة بأسرها ، وإذا كان الأمر كذلك فى سنة واحده فما هوحجم الفساد خلال ثلاثين عاما هى حقبة مبارك ؟ ليس هذا دفاعا ولكننا نحاول النظر إلى هذه التصريحات من خلال إعمال المنطق والتحليل العلمى. ولذا فالسؤال الذى يطرح نفسه ما هى أشكال وأساليب الفساد التى يمكن أن تحقق 600 مليار جنيه ؟ الن تكون مفاجأة إذا قلنا ان الفساد كان أحد العوامل التى فجرت ثورة يناير 2011 ؟ ولن نفاجأ إذا راجعنا ملف الفساد واكتشفنا أن هناك عدة تقارير محلية ودولية أشارت إلى انتشار الفساد فى المحروسة حيث ذكرت منظمة الشفافية العالمية أن ترتيب مصر فى مؤشرات الفساد قد تراجع من الدولة رقم 70 عام 2006 من بين 180 دوله إلى أن أصبح 115 عالميا ، وليس مفاجأة أيضا أن مجلس الشعب المفروض أن أحد وظائفه الرئيسية مراقبة الأداء الحكومى ومواجهة الخلل والفساد يكون هو نفسه أداة حماية الفساد ويكفى هنا الإشارة إلى واقعتين الأولى ما تعرض له رئيس جهاز المحاسبات الأسبق من هجوم عليه بمجلس الشعب يصل إلى درجة الإهانة عند عرضه تقرير الجهاز المملوء والمتخم بالفساد والمخالفات، أما الواقعة الثانية والتى حدثت فى برلمان 2010 المزور فمؤداها إسقاط الأغلبية لثلاثة استجوابات تتهم الحكومة بالفساد وإهدارها ثمانية مليارات جنيه فى مشروع سماد أبو طرطور والغزل والكهرباء . ظاهرة الفساد فى مصر ليست جديدة وهناك مقاومة عتيدة لكل محاولات مقاومة الفساد، لقد عاشت مصر أزهى عصور الفساد خاصة خلال السنوات العشر الأخيرة لحكم الرئيس السابق مبارك والتى شهدت بشكل مثير الفساد حول دائرة القمة وفساد القاع وتسهيلا للفساد وتوسيعا لدائرته كان التزاوج بين السلطة ورأس المال والمبنى على قاعدة كبيرة من المصالح المتبادلة من خلال السيطرة على إصدار القوانين بمجلس الشعب وإنشاء الأجهزة التى فى ظاهرها حماية الشعب وفى باطنها حماية الفساد ومن بين ذلك جهز حماية المستهلك ومنع الممارسات الاحتكارية والذى غلت يده تماما بصدور قانون الإحتكار ومهزلة تعديله فوقف عاجزا عن مواجهة فساد الاحتكارات وتم تجميد نشاط عدة أجهزة رقابية ووضعت ملفات الفساد التى كشفتها فى الثلاجة. تلك كانت إحدى جوانب صورة الفساد بغير حدود وإذا استدعيناها نرى من خلالها فساد كبار القوم آنذاك الذين على قمة الهرم الاجتماعى والسياسى وابناؤهم ويتخصص فسادهم فى الخصصه والاغقتراض من البنوك بلا ضمانات وتهريب الأموال إلى الخارج وتجارة العملات وديون مصر الخارجية وطرق توزيع المعونة الأمريكية والتلاعب فى البورصة وتوزيع الأراضى وإفساد النظام التعليمى والصحى، أما فساد القاع فتمثل فى تفشى الوساطة والمحسوبية والدروس الخصوصية والمراكز التعليمية والصحية غير المرخصة وفى كافة الخدمات التى تقدمها الحكومة كتراخيص البناء والتعلية والأنشطة المختلفة واختراع الصناديق الخاصة. وإذا كانت تلك إحدى الجوانب الكئيبة للفساد وإذا كان قرار الرئيس بتشكيل لجنة عاجلة لبحث تصريح رئيس جهاز المحاسبات فإن هذه الخطوة هى البداية الصحيحة لمواجهة الفساد ويجب أن نبنى عليها بتفعيل عمل كل الأجهزة الرقابية والحرص على إستقلاليتها وإنشاء هيئة وطنية لمواجهة الفساد ورد الأموال من الداخل واستعادتها من الخارج وكسر احتكارات رجال العمال فى استيراد السلع الأساسية كالسكر وفى الإنتاج كالأسمنت. لمزيد من مقالات عصام رفعت