بجرة قلم قدم وزير الصناعة مصر بأرضها وما فوقها وما تحتها وعقاراتها على طبق من الذهب وليمة لرجال الأعمال والأجانب وذلك بإصداره قانونا يمنع ايا من كان من الطعن على أى صفقات أو عقود تبرمها الحكومة ومؤسساتها فى بيع ما تملكه الدولة وأن هذا الحق يقتصر على طرفى التعاقد وهما الحكومة والجهة التى تعاقدت معها منتهزا فرصة استرخاء الدولة وانها وأجهزتها تعيش حالة مؤقتة فى الظل وذلك لتمرير القانون لينضم إلى مجموعة القوانين وتعديلاتها الفاضحة مثل قانون الإحتكار الذى بدلا من مواجهته للاحتكارات وضع خطوات وإجراءات تعزز الاحتكار ولا تحد منه والأمثلة هنا كثيرة مما جرى بسوء نية فى زمن اقتصاد السوء أو الرأسمالية العائلية أو رأسمالية المحاسيب. قانون الوزير مثير للغاية فالمادة الأولى منه تنص على أن الطعن ببطلان العقود التى يكون أحد أطرافها الدولة أو أحد أجهزتها من وزارات ومصالح وأجهزة لها موازنات خاصة ووحدات الإدارة المحلية والمؤسسات العامة والشركات التى تمتلكها الدولة أو تساهم فيها يكون فقط لأطراف التعاقد دون غيرهم وتنص المادة الثانية على أن تقضى المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول تلك الدعاوى أو الطعون، ويمثل هذا القانون إعادة إنتاج الفساد وتحصينه فيما سبق من عقود وفيما هو آت , وليس أمام المتضرر إلا اللجوء للقضاء والقدر. وقد نسى الوزير ان مصر ليست ملكا لرجال الأعمال والأجانب وأن موارد مصر ومصانعها العامة وارضها وعقاراتها هى ملك للشعب وأن كل النهب و المصائب والمصاعب التى حلت بمصر وشعبها كانت بسبب تحيز السلطة لرجال الأعمال والتحالف البغيض بينهما، وقد كان من الأولى وهو وزير صناعة مصر ان يقدم للبلد السياسة الصناعية التى تنهض بالاقتصاد وما هى الصناعات التى ينبغى التركيز عليها؟ وما هى الخريطة الصناعية لمصر؟ وكيف سيعالج مشاكل المصانع التى اغلقت ابوابها؟ وما هى سياسة حوافز الإستثمار؟ وكيف يوقف فيضان السلع المستوردة التى أضرت بالصناعة ونافستها فى مقتل وأضرت بموقف النقد الأجنبى. الوزير وقانونه يعلنان الاستمرار فيما كان والعودة لما مضى من محاولات لبعض رجال الأعمال استمرار الانقضاض على موارد مصر وما تملكه تارة بمثلث ماسبيرو وطرد سكانه الفقراء وتارة بالاستيلاء على عقارات وسط البلد وطرد سكانها من العواجيز وتارة باختراع الصكوك الشعبية وتارة بالتفريط فى الغاز الطبيعى والبترول وتسهيل الاستيلاء على الأراضى بحجة استصلاحها ولكن تم تحويلها إلى منتجعات وملاعب جولف، ووزير الصناعة فى هذا السياق وبهذا القانون يتصور أنه يسدل الستار على اى حديث عن الفساد الذى كان بل ويحمى الفساد الذى ينتظر على الأبواب ويحصنه قبل ان يعود إلى نشاطه حتى لايفكر فى الاعتراض أحد من ابناء هذا الشعب المسكين صاحب الحق وحده فى موارده والمتضرر من إهدارها. هذه حلقة جديدة فى مسلسل الفساد والافساد ونهب مصر تمهد الطريق وتحصنه لعودة رموز الفساد المحتمى بالسلطة من قبل والمتحصن بها الآن والمتربصين الذين نهبوا موارد البلاد على مدى عصور بدأت مع انفتاح اقتصادى استهلاكى قاده مجموعة من المغامرين فكان بداية للفساد على نطاق واسع . وعاشت مصر أزهى عصور الفساد خاصة السنوات العشر الأخيرة التى شهدت بشكل مثير فساد القمة وفساد القاع واتسعت دائرة الفساد و كان لابد أن يحدث التزاوج بين السلطة ورأس المال من خلال المصالح المتبادلة والسيطرة على إصدار القوانين فى مجلس الشعب وإنشاء المنظمات التى فى ظاهرها حماية المجتمع ولكن فى باطنها كل آليات حماية الفساد ومن بين ذلك جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية والذى غلت يده تماما بصدور قانون الاحتكار وتعديلاته فوقف عاجزا عن مواجهة فساد الاحتكارات بل أكثر من هذا تم تجميد نشاط أكثر من جهاز رقابى ووضعت ملفات الفساد التى كشفت عنها فى الأدراج ومن بينها جهاز الرقابة الإدارية الذى راحت جهوده وأحبط عمله وعامله و أيضا تقارير جهاز المحاسبات والذى نال الذم تحت قبة مجلس الشعب. ظاهرة الفساد فى الحكومة وفقا لكتاب عبد الخالق فاروق «اقتصاديات الفساد فى مصر» قد بلغت 16مجالا لفساد كبار رجالات الدولة وأبنائهم منها: المقاولات وعمولات السلاح ونقله والمحمول والخصخصة والإقتراض بلا ضمانات من البنوك وتهريب الأموال للخارج . وتتسع مجالات الفساد لتشمل افشال التعليم الرسمى لصالح الدروس الخصوصية والمراكز التعليمية وعدم فاعلية نظام الأمن الرسمى لصالح تفشى الوساطه والمحسوبية والإكراميات والهدايا والمجاملات من الورش والمحلات والعيادات ناهيك على فرض الإتاوات على أصحاب السيارات والمخالفين وأيضا داخل أقلام المحضرين بالمحاكم وفى المستشفيات الحكومية وفى مختلف الخدمات التى تقدمها الإدارات الحكومية المختلفة (627خدمة) خاصة فى المحليات كتراخيص البناء والتعلية وتراخيص الأنشطة المختلفة و إختراع الصناديق الخاصة غير خاضعة لرقابة جهاز المحاسبات وإذا كانت الدولة قد ضاقت ذرعا بما قام به مواطنون شرفاء من إقامة دعاوى كشفت مدى الغبن الذى وقع على مصر ومصالحها من إهدار للمال العام وفساد جراء تلك العقود الجائرة وأنها تخشى لجوء أصحاب المصالح إلى التحكيم الدولى فإن الحل ليس بقانون يمنع الطعن ولكن كان من المتصور أن يعمل الوزير على إعمال قواعد النزاهة والشفافية بدلا من قيامه بإنشاء جدار عازل لتحصين كل العقود التى تقوم بها الدولة بما فيها المحليات والصناديق الخاصة رغم اتهامهما بالفساد , وكان عليه تقييم كافة التعاقدات التى تمت قبل ذلك وبحث نقاط الضعف فيها لتلافيها مستقبلا ووضع قواعد واضحة ومحددة وصارمة للتعاقدات وقيام جهاز المحاسبات بمراجعة العقود وفقا لهذه القواعد , أليس من حق الشعب أن يعرف بشكل قاطع ماذا يراد بممتلكاته وكيف ولمن يتم التصرف فيها وكيف سيتم إستخدام الحصيلة. وماذا سيفعل الوزير الهمام إذا رفض العاملون بجهات التعاقد العقود المبرمه وإحتجوا وتظاهروا وأوقفوا العمل ؟ غير ان الخطر القادم ليس فقط ما يحمله هذا القانون من مخاطر عديده ولكن ما قد تلجأ إليه الدولة نظرا لعجزها المالى الشديد من دعوة القطاع الخاص إلى المشاركة فى إنشاء المشروعات المشتركة معها كالكهرباء وبعض الخدمات دون ان تكون هناك قواعد للكفاءة والتسعيروشروطا للتشغيل ويبدو أن وزارة الصناعة خارج نطاق الدستور والذى ينص على أن موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب ويكفل حق التقاضى لجميع المواطنين ويؤكد حظر تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء يبدو ان قانون الوزير ينطبق عليه المثل الإنجليزى : نبيذ معتق فى زجاجة جديدة.