المؤسسة العقابية بالمرج هى المؤسسة الوحيدة المغلقة على مستوى الجمهورية للأحداث من سن 15 إلى سن 18، وعلى مدار السنوات الماضية لم تتمتع تلك المؤسسة بسمعة جيدة بخاصة مع صدور تقارير حقوقية تؤكد إصابتها بمشكلات عدة، ربما أكثرهم دقة كان التقرير الخاص بأخر بزيارة للمجلس القومى لحقوق الإنسان لها فى 2013 حيث أبدى ملاحظات حول وضع المؤسسة وبنيتها التحتية وعدد النزلاء فيها.. وقد ذكر التقرير نصاً مشكلة "عدم تصنيف المحتجزين داخل المؤسسة حسب السن ونوع الجريمة وفقاً لما نص عليه قانون الطفل "يراعى فى تنفيذ الاحتجاز تصنيف الأطفال بحسب السن والجنس ونوع الجريمة ". مما يؤدى إلى زيادة نسبة تعرف الأطفال على أنواع مختلفة من الجريمة"وكذلك "طول فترة الحبس الاحتياطى لعدد كبير من الأطفال المحتجزين الذين ينتظرون المحاكمة بسبب تباطؤ نظام التقاضي، مما يسهم فى زيادة الآثار السلبية ( الاجتماعية والنفسية و المادية عليهم،) خاصة أن المحبوسين احتياطيا لا يستطيعون المشاركة فى ورش التدريب داخل المؤسسة. أما الصورة الان داخل المؤسسة فتختلف كثيراً بخاصة بعد تطبيق القرار الجمهورى بنقل النزلاء فوق سن 18 سنة إلى السجون العمومية لاستكمال عقوبتهم فيها مما حسن أوضاع الإقامة كثيرا داخل المؤسسة خلف أسوار المؤسسة تحقيقات الأهرام توجهت إلى منطقة المرج لزيارة المؤسسة العقابية وذلك بعد الحصول على موافقة وزارتى التضامن الاجتماعى والداخلية. تقع "العقابية" كما اصطلح على تسميتها أبناء تلك المنطقة القريبة من الطريق الدائرى والمعروفة بمنطقة مؤسسة الزكاة وتمتد المؤسسة على نحو 14 فدانا محاطة بأسوار عالية وأبراج المراقبة وخلف أسوارها بدأت الجولة التى صاحبنا خلالها ممثلان عن الوزارتين بدخول الورش التى تشمل 8 أنشطة مختلفة لكل منها ورشه مستقلة مسئول عنها مدربان تابعان لوزارة التضامن ومن المفترض ألا تضم أكثر من 15 طفلا للتدريب، أما "الكورس" فمدته 6 أشهر بعدها يكون الطفل قد أجاد "صنعة" محددة مثل الخياطة، والحداده، والسباكة، وصنع الأحذية، والنجارة، وغيرها من الأنشطة وداخل ورشة الخياطة والتى تعرف فى المؤسسة بورشة "الترزي" التقيت بالمدرب زكريا خليل الذى كان يمر وسط تلك القاعة التى ضمت عددا من ماكينات الخياطة يجلس على كل منها طفلان يحيكان قطعة قماش بنية اللون وفى نهاية القاعة وقف طفل آخر يقوم بكى الملابس. وشرح لنا زكريا أن الطفل/النزيل يتعلم فى هذه الورشة صناعة الملابس بخاصة القميص والبنطلون ومفارش السرير، فتوفر هذه الورشة "الافارول" أو الذى المميز لنزلاء المؤسسة وكذلك احتياجاتها من مفروشات، ويتعلم الطفل فى هذه الورشة الصيانة المبدئية لمكينة الخياطة. وتبدأ الورشة فى الساعة التاسعة والنصف صباحاً حتى الثانية ظهرا طوال الأسبوع وبعض الأطفال يحضر الورشة ثلاثة أيام ويتوجه إلى فصول محو الأمية فى أيام أخرى. ولا يختلف الأمر كثيرا داخل ورشة السباكة وإن كانت وقت حضورنا لا تضم سوى طفلين والمدرب صلاح عبد المغنى حيث جلس يشرح لهما نموذجا لمواسير الصرف تم تصميمه على حائط الورشة ليتعلم عليه الأطفال بشكل عملي، وقال صلاح:" يتعلم الطفل هنا أنواع العدة" والخامات ويقوم بأعمال الصيانة المختلفة داخل المؤسسة . أما محمد جلال نائب وكيل المؤسسة فقد أكد قرب افتتاح ورش بالتعاون مع الشركة المصرية للاتصالات وهى ورش صيانة المحمول، وبوردة الكمبيوتر، وكهرباء الالكترونيات حيث يتم الآن الإعداد لتدريب المدربين وقال:"سوف يحصل الطفل بعد الدورة على شهادة معتمدة يستطيع العمل بها عند خروجه من المؤسسة وهو ما نسعى لتحقيقه أيضا مع باقى الورش حيث خاطبنا هيئة الكفاية الإنتاجية التابعة لوزارة الصناعة لاعتماد شهادات لأبناء المؤسسة المتدربين فى الورش الأخرى" وأضاف :" طالبنا أيضا وزارة الشباب والرياضة بتطوير الملاعب ووزارة الثقافة لتطوير المكتبة" وبالقرب من ملعب كرة القدم القحل أقيمت الصوبة الزراعية التى أقامها مكتب الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، ويشرف على تدريب الأطفال بها وليد محمد الذى يعلمهم زراعة النباتات الداخلية والخارجية، واغلبها نباتات زينة وبعض الخٌضر للاستخدام اليومي، ووفقاً للمدرب حصل الأطفال على عدد من المحاضرات النظرية أولا قبل بدأ التدريب العملى وتم اختيارهم من عدة عنابر وقال:" يحصل المتدرب فى هذه الورشة على شهادة معتمدة مع إمكانية توفير فرص عمل من قبل برنامج الأممالمتحدة للمتميزين" عنابر الطلائع توجهنا إلى منطقة العنابر، واختار مرافقونا فى الجولة عنبر طلائع «ج» للزيارة والذى كان فى أبهى صورة من حيث النظافة والتنسيق ولم نخفى دهشتنا فأوضح المشرفون على العنبر أن هذا هو الوضع الطبيعى داخله فالنظافة والتنسيق جزء من استثمار الوقت لدى الأطفال! وينقسم العنبر إلى قاعتين تضم إحداهما 24 سريرا والأخرى 25 سريرا مبنيا وموضوع عليه مرتبه و بجوار كل سرير دولاب مبنى أيضا داخل الحائط، ملحق بهذا العنبر دورة مياه وغرفة للمشرف والأخصائى المقيم الذى يبيت ليلا مع الأطفال حيث يكون الإشراف على الأطفال 24 ساعة من خلال نوبتجيات ثلاث. أما عنبر طلائع -ج - فقد ضم كذلك مكتبة صنعها الأطفال بالمجهود الذاتى كما أوضح فارس احمد مشرف العنبر، ويبدأ يوم الطفل/النزيل بالاستيقاظ فى الثامنة والإفطار فى الثامنة و النصف ثم الطابور الرياضى فى التاسعة، وفى العاشرة يبدأ النشاط ، وتكون العودة إلى العنابر فى الواحدة ظهرا للغداء حيث ترفع مراتب الأسرة وتتحول "المسطبة الحجرية" إلى طاولة طعام، ثم تكون الراحة حتى الثانية والنصف ظهرا ثم نشاط رياضى حتى الرابعة والنصف، بعدها تكون فترة للمذاكرة وجلسات مع اخصائى الفترة المسائية وقد يقضى بعض الأطفال أوقاته فى صناعة المشغولات اليدوية وبحسب فارس يتم اختيار قائد للعنبر من ضمن الأطفال الأقدم ويحرص المشرفون أن يكون افضلهم نفسياً وذو شخصية محبوبة غير معقدة ويمكن الثقة فيه ولكن هذا لاينفى وجود بعض المشكلات بين الاطفال فى العنابر، ويرى أن الطفل المسجون فى قضية جنائية يكون اسهل فى التعامل معه من الطفل الذى استجد بعد 2011 وهو الطفل المسجون سياسيا والذى يكون أكثر جدلا وذكاء وثقافة. الإخصائى الاجتماعى وداخل المؤسسة يقع على الإخصائى الاجتماعى الدور الأكبر فى تطوير الطفل واستيعاب مشكلاته الشخصية والأسرية وتوجيهه نحو الأفضل، ومنذ 28 عاما هى مدة عمله داخل المؤسسة يسعى احمد على دياب كبير إخصائيين اجتماعيين بالمؤسسة العقابية بالمرج لأداء هذا الدور متحرراً من نظرية العقاب ويقول:"نحن لا نعاقب الأطفال على الماضى فعقابهم هو ما صدر نحوهم من أحكام القضاء، أما الإخصائى فعمله منذ لحظة دخول الطفل للمؤسسة هو إعادة تأهيله ليكون فرداً صالحاً فى المجتمع" ويبدأ استقبال الطفل/النزيل داخل المؤسسة فى عنبر الاستقبال حيث تٌسجل الأوراق الخاصة به، و يتعرف على حقوقه وواجباته داخل المؤسسة، أما الحقوق فهى حقه الإنسانى فى الاحترام والزيارات الدورية والاتصال بالأهل تلفونياً فى بعض الحالات الاستثنائية وكذلك الحصول على التعليم، اما الواجبات فتتمثل فى النظافة الشخصية والمشاركة فى الأنشطة داخل المؤسسة. بعدها يتم تسكينه فى إحدى العنابر حيث يحدد مكان النوم ويتسلم المفروشات والدولاب الخاص به والزى المميز للنزلاء ويرعى فى اختيار العنبر أن يكون مناسبا للطفل من حيث سن النزلاء والحجم فلا يوضع شاب عملاق مع طفل ضئيل حتى لا يشعر "بالقوة القاهرة" ، وخلال أسبوع تعقد لجنة التصنيف لتقرر النشاط المناسب للطفل وفقا لميوله واستعداداته، أما الطفل الذى يأتى للمؤسسة بقرار حبس احتياطى فيودع بعنبر الاحتياط وتضم أسوار المؤسسة حاليا نحو 335 طفلا يشرف عليهم 40 من الإخصائيين الاجتماعيين وهو نفس عدد الأخصائيون الذين اشرفوا على الأطفال/ النزلاء داخل المؤسسة عندما وصل عددهم إلى نحو 1400 طفل مند 4 أشهر،..وبحسب دياب يستطيع الطفل/ النزيل أن يكمل تعليمه فى المراحل المختلفة ويتم عمل خطة للتعليم وتوفير وقت للمذاكرة بالإضافة لوجود فصول محو الأمية والتى يطالب دياب بالتوسع فيها حيث يوجد الآن سبعة فصول تضم 105 أطفال نزلاء. أما بلال نبيل السيد أخصائى اجتماعى داخل المؤسس العقابية منذ 8 سنوات ومكلف بالعمل داخل عنبر الاستقبال، فقد أشار إلى وجود نشاط أخر اقرب إلى التوعية الاجتماعية والنفسية والسلوكية للطفل/ النزيل والذى يقدمها الأخصائيون النفسيون والاجتماعيون بالمؤسسة ..وعن إمكانية استقبال طفل يعانى من مشكلة نفسية داخل المؤسسة فعدد من نزلاء المؤسسة متهمون فى قضايا قتل وسرقة وافتعال حرائق واتلاف وكذلك تحرش وهتك عرض واغتصاب ! فأجاب أن تلك الحالات بمختلف مسمياتها يتم وضع خطط علاج لها خاصة إذا كان الطفل قد تم الاعتداء عليه أو العكس فيكون لكل حالة ايجابية أو سلبيه خطة العلاج محدده وقد يحتاج بعضهم تدخلا طبيا معينا وبعدها نبدأ فى تعديل السلوك.وأضاف أنهم يحرصون على تنمية الجانب الدينى وتقديمه للأطفال فى المؤسسة وطالب بعودة برنامج الأزهر الخاص بالتوعية الدينية والذى كان يأتى فيه 8 شيوخ إلى المؤسسة للحديث مع الأطفال ولكن منذ الثورة لم يحضر احد وتقدم محاضرة أسبوعية للأبناء المسيحيين من جانب الكنيسة. العقاب وعن استخدام العنف فى العقاب أجاب أن الأولاد على درجه عالية من الوعى والذكاء ومبدأ العنف مرفوض بالأساس وهوما تؤكده عليه القوانين والنواحى الإنسانية وأساليب التربية الحديثة بالإضافة إلى أن الطفل يعانى بالفعل الما نفسيا شديدا بسبب الحرمان من الحركة الطبيعية فى الحياة أما أساليب العقاب فهى الحرمان من المميزات، ويحرص الاطفال على حسن السير والسلوك لأنه أمر أساسى ليحصل الطفل على العفو الذى يتم فى المواسم والأعياد وكذلك الإفراج الشرطى ويرى أن هذا أكثر ردعاً وقد نكلفه بعمل غير محبب أو يتم تجاهله وبسؤالهم عن وجهة نظرهم لماذا لا تتمتع المؤسسة العقابية بسمع جيدة ولماذا يظن نسبة من أفراد المجتمع أن الطفل يعانى داخل أسوارها؟..ضاحكاً أجاب احمد دياب :" الحقيقة أن بعض المعارف عندما يعلمون بعملى فى المؤسسة يوجون لى هذا اللوم ويتساءلون لماذا تتعاملون مع الأولاد بهذا الشكل؟ ولكن الحقيقة أننا نتعامل معهم بكل إنسانية فكم سبق ووضحت أننا لا نعاقبهم على الماضى بل نسعى لتعديل سلوكهم.. أما بلال فقال :" ربما هى ثقافة المجتمع التى تظن أن ارتباط المؤسسة بلفظ العقابية يرتبط بالقسوة على الطفل وعقابه بشكل دائم وهو آمر غير حقيقى بالمرة وعن الإمكانيات المتاحة للأخصائيين بالمؤسسة ومدى ملائمتها قالا :" تقدم العاملون بالمؤسسة بتصور كامل للتطوير وتم تقديمه إلى لجنة التطوير التابعة لوزارة التضامن ومن أهم المطالب إعادة تجديد البنية التحتية بخاصة فى منطقة العنابر حيث نعانى مشكلة الصرف الصحي، كذلك توفير الإمكانيات لتطوير النشاط الفنى والرياضى والتثقيفى للأبناء" اما تطوير العيادة الطبية فهو واحد من أهم مطالب العاملين بالمؤسسة حيث تتطلب الحالة الصحية للأطفال فى بعض الأحيان إجراء أشعات أو فحوصات غير موجودة بعيادة المؤسسة فلا يوجد بالمؤسسة طبيب مقيم!.وتضم العيادة تخصصاً مختلف كل يوم ويقول دياب:" تظهر المشكلة الصحية لدى الأبناء أكثر فى الشتاء مثل أعراض الأمراض الجلدية ولذلك نهتم بالوقاية وذلك من خلال توفير صابون طبى ولوف خشن وملابس للتغيير بصفة مستمرة" فى انتظار العفو فى نهاية جولة تحقيقات الأهرام داخل العقابية التقت اثنين من الأطفال النزلاء داخل مكتب رئيس مباحث المؤسسة فتحدثت مع (ض- ع) 17 سنة و9 أشهر، الطالب فى الثانوية العامة بالقسم الأدبى والذى يقضى مدة عقوبة تصل إلى 10 سنوات لقتله ابنة عمة.و"ض" هو ابن لأبوين من الموظفين البسطاء الذين يقطنون فى حى المطرية فى منزل للعائلة حيث نشأ وتربى مع ابنة عمه وفى وقت مبكر من عام 2013 تنامى إلى أسماع (ض) من بعض أبناء منطقته ماكره أن يسمعه عن ابنة عمه المقربة منه والتى تقيم فى المنزل نفسه مع أسرتها.وذات مساء انتظر عودتها ليوجهها بشكه فى سلوكها وهو ما رفضته الفتاة فتشاجرا وبثبات يقول: اتخانقنا ومحستش بنفسى غير لما غزيتها بسكينه كانت قدامي". يدرس "ض" فى القسم الأدبى و يتمنى دخول كلية الحقوق أو التجارة كما يتمنى الحصول على عفو مبكر لحسن سلوكه بالمؤسسة. أما "م -ع " الذى لا تظهر على ملامحه سنوات عمره ال17 فهو الشقيق الأصغر لأربع فتيات والابن الوحيد لموظف باحدى الشركات أما أمه فربة منزل..حكم عليه بقضاء ثلاث سنوات عقوبة على جريمة سرقة بالإكراه والتى ينكرها تماما قائلا أثناء عودتى إلى المنزل مع ثلاثة من أصدقائى فى منطقة الجيزة ركبنا توك توك واختلفنا مع السواق بسبب الأجرة و انتهى الأمر وذهبت إلى منزلى ولكن بعد أيام تم استدعائى من النيابة واتهامى بالسرقة بالإكراه وتم حبسى لمدة شهر بالقسم وأنا هنا منذ 8 شهور.يكمل «م» دراسته بالثانوية العامة داخل المؤسسة ويتمنى أيضا أن يحصل على العفو.