ما من خلق حسن يتركه المجتمع إلا ويحل مكانه خلق سيئ، فما إن غاب عنا خلق التسامح حتى حلت بنا مظاهر الاحترابات والنزاعات الدينية والطائفية التى تعانى منها الأمة الإسلامية. فى ظلّ استشراء التعصّب وتفشى التطرّف وانتشار الغلو إزاء الآخر، سواء كان هذا الآخر بعيداً أو قريباً، عدواً أو صديقاً، طالما هو مختلف عنّا، حتى وإن كان مشاركاً لنا فى العيش والعمل والسكن والحياة والمصير. وطالب علماء الدين بإحياء منظومة الأخلاق فى المجتمع عامة، ومن بينها خلق التسامح، مستنكرين تجاهل الإنسان لهذه الفضيلة. وإذا كان التعصب يشكل مظهرا من مظاهر الحياة الاجتماعية لدى كثير من شعوب العالم فإن التسامح يعتبر فضيلة إنسانية تغيب عنها مظاهر العنف. ويقول الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، إن التسامح قيمة عظيمة من القيم التى جاء بها الإسلام والتى حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطبقها فى حياته وقد كان صلى الله عليه وسلم، سمحا اذا باع وإذا اشتري.. ومما يدل على سماحته صلى الله عليه وسلم انه حين نصره الله عز وجل فى فتح مكةالمكرمة قال لهم ما تظنون انى فاعل بكم قالوا وهم فى قمه الذلة والمسكنة خيرا اخ كريم وابن اخ كريم واصدر صلى الله عليه وسلم العفو العام وقال «اذهبوا فأنتم الطلقاء» واصدر صلوات الله عليه العفو العام عن الذين فعلوا به و بأصحابه الأفاعيل ليؤكد لهم انه جاء بالتسامح، فالتسامح قيمة ينبغى ان تكون بيننا نحن المسلمين فلا يجوز لمسلم ان يؤذى مسلما فقد قال صلوات الله عليه «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده» وقال «لا يصح لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذى يبدأ بالسلام»، وقال صلى الله عليه وسلم «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» فليت الناس جميعا يتعلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطبقون تعاليمه حتى يظلل مجتمع الإسلام الأمن والطمأنينة والاستقرار لا تسيطر عليه أساطير الجهلاء ولا خرافات الأغبياء. من جانبه يقول الدكتور عبد الفتاح محمود إدريس، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة الأزهر، ان التسامح يعنى صفح الإنسان عمن أخطأ فى حقه وتجاوز حده معه، أو اختلف معه اختلافا أفضى إلى سلوك غير مرض، وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم، المثل الأعظم فى التسامح والصفح عمن أساءوا إليه، فإن مواقف زعيم المنافقين من الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وزوجه عائشة معروفة، ومع هذا فإنه لما مرض عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى عليه لما مات، ونزل قبره، وألبسه قميصه، حتى إن عمر أنكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وقال له: «أتصلى عليه وهو الذى فعل وفعل؟ فيقول النبى صلى الله عليه وسلم: يا عمر، إنى خُيّرت فاخترت، قد قيل لي: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ)، ولو أعلم أنى لو زدت على السبعين غفر له لزدت»، ولكنه خلق التسامح منه صلى الله عليه وسلم، كما عفا صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة بعد الفتح، وقد كانوا تآمروا على قتله، ورصدوا جائزة لمن يفعل ذلك، فقال لهم بعد أن أمكنه الله منهم: «ما تظنون أنى فاعل بكم، قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وبهذا التسامح محا من نفوس مشركى الأمس، كل إحن وعداوة كانت بينه وبينهم، وبمثل هذا كان سلف الأمة.