بعد 35 يوماً فقط من انعقاد القمة الإفريقية-الهندية بنيودلهى انعقدت فى جوهانسبيرج بجنوب إفريقيا فى اليومين الماضيين القمة الإفريقية-الصينية فى إطار التنافس المحموم بين القوى الكبرى والصاعدة على ثروات إفريقيا والاستثمار المربح فى أرضها الخصبة ومياهها الوفيرة وثرواتها المعدنية الهائلة وبترولها وغازها اللذين تتزايد اكتشافاتهما باضطراد. وللحصول على نصيب من الكعكة تخطب القوى المتنافسة ود الحكومات الإفريقية بكل وسيلة ممكنة من تقديم المساعدات المباشرة والقروض الميسرة إلى الاستثمارات وزيادة الاستيراد من دولها مروراً بالمنح التى لا تُرد والرشاوى لكبار المسئولين. وليت الحكومات الإفريقية تنجح فى استغلال هذا التنافس للحصول على أكبر قدر من المساعدات والاستثمارات للنهوض باقتصادات بلادها ورفع مستوى معيشة شعوبها. الإحصائيات تفيد بأن إفريقيا تحصل سنوياً من الاتحاد الأوروبى على 20 مليار يورو لمشروعات التنمية أُضيف إليها مؤخراً 1.9 مليار للحد من الهجرة غير المشروعة،ومن فرنسا وحدها على أربعة مليارات دولار سنوياً ومن اليابان على أكثر من ستة مليارات وتعهدت الصين فى قمة جوهانسبرج بتقديم 60 مليات دولار قروضا على مدى 3 سنوات لتحديث الزراعة والصحة والأمن وقدمت الولاياتالمتحدة على مبالغ طائلة من بينها ثلاثة مليارات لدعم الأمن الغذائى والإنتاج الزراعى سنوياً وسبعة مليارات لتوفير الكهرباء لنحو 20 مليون إفريقى والسماح بدخول سبعة آلاف نوع من السلع الإفريقية الأسواق الأمريكية بدون جمارك وتعهدات خلال القمة الأمريكية-الإفريقية عام 2014 بجمع 37 مليار دولار للتنمية فضلاً عن مئات الملايين التى تقدمها سنوياً لمكافحة الإيدز. وقدمت الهند قروضاً ميسرة بلغت 7,4 مليار دولار ومنحاً قدرها 1,2 مليار وتعهدت بتقديم عشرة مليارات قروضاً ميسرة على مدى خمس سنوات بينما قدمت تركيا وكوريا الجنوبية وروسيا مساعدات بأحجام أقل وإن كانت موسكو قد أسقطت نحو 11 مليار دولار ديوناً عن دول إفريقية. تبدو تلك المساعدات للوهلة الأولى وفيرة إلاَّ أنها لا تكفى احتياجات 54 دولة إفريقية تُقدر بنحو 93 ملياردولار سنوياً لمشروعات البنى التحتية فقط كما أنه لا يتم توزيعها حسب عدد السكان أو مدى الحاجة إليها ويذهب بعضها رواتب باهظة للخبراء وبرامج التدريب بالدول المانحة وينهب المسئولون الأفارقة الفاسدون جزءاً غير قليل منها. لذلك يأتى التغيير بطيئاً والتحسن قليلاً فى أحوال معيشة الشعوب التى يعانى الملايين من أبنائها من سوء التغذية ويموت الآلاف منهم جوعاً بينما تملك قارتهم 60% من مساحة الأراضى القابلة للزراعة فى العالم لكنها غير مستغلة لقلة الإمكانيات.لذلك يحذر البنك الدولى من أن 43 مليون إفريقى معرضون للفقر المدقع خلال 15 عاماً خاصةً فى اثيوبياونيجيريا وتنزانيا وأنجولا وأوغندا بسبب الجفاف وارتفاع أسعار الغذاء إذا لم يتم تقديم مساعدات تصل إلى 16 مليار دولار لإعانتهم على مواجهة تغيرات المناخ التى ستكون إفريقيا أكثر المتضررين منها رغم أنها لا تساهم فى حجم الإنبعاثات الحرارية العالمية سوى بنسبة 3% فقط. هناك دول قليلة يبدو أنها نجحت فى استغلال التنافس الدولى لمصلحتها بشكل جيد بينما الأغلبية لم تفعل لأسباب داخلية مثل عدم الاستقرار وكثرة الانقلابات العسكرية والصراعات الداخلية والافتقار إلى الرؤية الواضحة للتنمية المطلوبة وقلة الثروات الطبيعية قياساً على غيرها وتفشى الفساد الذى لا يشجع على الاستثمار الأجنبى أو حتى المحلي،وأسباب أخرى خارجية تتعلق بمصالح وسياسات الجهات المانحة. ومن الدول التى نجحت فى اقتناص الفرصة إثيوبيا وأنجولا اللتان حققتا معدل نمو اقتصادى تجاوز نسبة 10% بمساعدة الصين التى ساهم دخولها أفريقيا بقوة منذ بداية القرن الحالى ببضائعها واستثماراتها وشركاتها ال2500 العاملة فى أكثر من 4000 مشروع فى تسارع النمو الاقتصادى بالقارة.ففى إثيوبيا تقوم بإنشاء السدود على الأنهار وشق الطرق وإنشاء السكك الحديدية حيث انتهت من شبكة مترو أنفاق أديس أبابا ومولته بمبلغ 475 مليون دولار وأنشأت شبكة محمول رفعت عدد المستفيدين من الخدمة من 900 ألف إلى 20 مليوناً وتتولى إنشاء خط سكك حديدية بين ميناء جيبوتى والعاصمة الإثيوبية بتكلفة ثلاثة مليارات دولار. وأصبحت أنجولا أكبر متلقِ إفريقى لاستثماراتها حيث تقوم الشركات الصينية بإنشاء خطوط السكة الحديد وتشييد نحو 70% من المبانى الحكومية فى العاصمة لواندا وإعادة بناء البنية التحتية التى دمرتها الحرب الأهلية مقابل الحصول على البترول. وتعاقدت الصين مع نيجيريا على ربط مدنها بشبكة سكك حديدية بتكلفة تصل إلى 15,5 مليار دولار وإنشاء ثلاث مصافِ لتكرير البترول ومجمع وقود بتكلفة 23 ملياراً.والأربعاء الماضى وقَّعت جنوب إفريقيا معها 26 اتفاقية بمبلغ 6,5 مليار دولار معظمها لمشروعات البنية التحتية. غير أنه رغم ارتفاع حجم التبادل التجارى بين الدول الإفريقية والقوى المتنافسة بقدر كبير فى السنوات الأخيرة إلا أن حجم استثماراتها فى إفريقيا مازال ضعيفاً ولا يتناسب مع حجم تجارتها. فاستثمارات الصين فى مصر مثلاً قُدِّرت بنحو 480 مليون دولار فقط رغم أن حجم التبادل التجارى بينهما 11,6 مليار وذلك قبل الاتفاق على مشاريع المنطقة الاستثمارية بشمال غرب خليج السويس ومحطة كهرباء جبل عتاقة (بتمويل صيني) وخط سكك حديد العاشر من رمضان. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى