إن لم يكن ما حدث على الساحة الاقتصادية هو التعريف الدقيق لما يسمى فى ثقافتنا السداح المداح فماذا يمكن أن نطلق عليه؟ نحن أمام نموذجين صارخين أولهما ما اقترفته قيادة البنك المركزى السابقة بشأن قيمة الجنيه المصرى وما أدت إليه من شلل اقتصادى فى أركان الاقتصاد المصرى لم تجن مصر من ورائه آية إيجابيات وفى مقدور أى باحث اقتصادى مبتديء أن يوجه عدة انتقادات حاسمة وقاتلة لما كان قد قرره البنك المركزى منفردا، أما وقد تم تصحيح الإدارة فى البنك المركزى بشكل حازم وعاجل على نحو وضع وداعا للرأى الواحد الذى أضاع فرصا على البلد ولم يساعدها على النهوض، فقد نترك ذلك جانبا خاصة بعدما تمت عملية التصحيح لإدارته بشكل متكامل وبخبرات اقتصادية مشهود لها بالكفاءة واتخذت على الفور قرارات مبشرة سوف تعقبها فى توقعنا قرارات أخرى تعيد سوق النقد إلى عقالها وتعزز الثقة فى عملتنا الوطنية. تلك هى واحدة من سياسات السداح مداح، أما الثانية والتى تعد نموذجا لذلك فضلا عن التخبط داخل الوزارة الواحدة وما يتم اتخاذه من قرارات تضر بالصالح الاقتصادى الوطنى هو قرار وزير الصناعة الذى أصدرة أواخر الشهر الماضى بأن كتابة المواصفات القياسية على السلع إختيارية بهدف كما صرح دعم السلع والمنتجات المصريه التى يتم تصديرها، أى عدم إلزام الشركات بكتابة المواصفات على منتجاتها وهو ما يعنى مباشرة زيادة المنتجات العشوائية ومنتجات مصانع بير السلم مما يهدد سلامة المستهلك، فهل هناك قرارت أكثر من ذلك غير مدروسة بالمرة تضرب المنتجات المصرية وسمعتها والتصدير والأسواق الخارجية وحقوق المستهلك بضربة قاضية واحدة؟ والغريب أن رئيس هيئة المواصفات والجودة قبلها بيومين قال إن المواصفات القياسية هى اللغة الدولية المشتركة للتواصل بين الدول فى السلع والخدمات الذى ينعكس على تنمية التجارة والصناعة ويعبر عن أهمية المواصفات فى تحسين جودة المنتجات وضمان سلامة الواردات، فالمواصفات هى الركن الأساسى فى التجارة الدولية، وأكد أنه يحث رجال الصناعة على أن تكون المواصفات القياسية هى الأساس فى الإنتاج، كما يحث المستوردين ليقوموا بالإستيراد وفقا للمواصفات القياسية كبند أساسى فى الإستيراد. إذن فالوزير يلغى الإلزام بمواصفات السلع رغم مخاطره الشديدة، بينما رئيس الهيئة التابعة للوزارة يؤكد أهميتها، كيف إذن نفسر هذا التناقض فى القرارات والسياسات داخل الوزارة الواحدة؟ وكيف يمكن لمثل هذه القرارات أن تساعد فى بناء الاقتصاد وبث ثقة الأسواق الخارجية فى منتجاتنا؟ وكيف يفكر المستثمر الأجنبى فى الاستثمار فى دولة لا تحترم المواصفات وبالتالى سوف يكون الأربح له الدفع فى السوق بمنتجات لا مواصفات لها طالما السلطات المختصة أعلنتها سداحا مداحا. مثل هذه النماذج من شأنها الإبقاء على مصر فى قبضة التخلف وتعوق جهود التنمية والمشروعات الكبرى بل والمتوسطة والصغيرة وكذلك الاستثمار الأجنبى الذى يبحث عن قاعدة سليمة ينتج فيها ويصدر منها وليس من بلد ليس للمواصفات فيها أى قيمة، بينما تمكنت المؤسسات فى أوروبا وأمريكا واليابان بالمواصفات من دعم صادراتها وزيادة حصتها فى الأسواق العالمية مما أدى إلى زيادة حدة التنافس التجارى والضغط الاقتصادى على دول مثل مصر ويهدد منتجاتها ويجعل بقاءها فى الأسواق الدولية مشروطا بقدرتها التنافسية التى لا تتأتى إلا عن طريق اعتماد استراتيجية كاملة للمواصفات تكون بمثابة جواز المرور لمختلف الأسواق. إنهما مجرد مثالين يبرزان مدى الحاجة إلى ثقافة جديدة لإدارة الأمور الإقتصادية بعيدا عن سياسات السداح مداح. لمزيد من مقالات عصام رفعت