عن الأغنياء.. أصحاب الملايين والبلايين كان البرنامج المميز والمثير الذى عرضته إحدى القنوات الفرنسية أغنياء من فرنسا وسويسرا وأمريكا لديهم صفات متقاربة، فكلهم يتجنبون صخب الشهرة وبريق الأضواء، ولا يحبون الظهور على الشاشات أو الثرثرة فى الصحف والمجلات ولا يطيقون حياة البذخ وحذلقة الترف ولا يبحثون عن التأنق والتألق والاهم من كل ذلك أنهم كلهم قرروا التبرع بكل ثرواتهم بكل ما يملكون للأعمال الخيرية. البرنامج بدأ بثرى فرنسى يعيش فى أحد أحياء باريس لا يملك سيارة ولا يريد أن يشعر بالاختناق داخلها أجرى معه المذيع حوارا قصيرا بينما كان يحكم وضع خوذة على رأسه استعدادا لركوب الموتوسيكل الذى يستخدمه فى التنقل من مكان إلى آخر، وبينما كانت الكاميرا تتبعه وهو ينطلق فى شوارع باريس كان المذيع يذكر لنا أن العاملين فى البرنامج اضطروا إلى اللجوء إلى اصدقاء هذا الثرى ليقنعوه بالظهور على الشاشة، وقد وافق بعد إلحاح وضغط شديدين. بعد ذلك انتقل المشهد إلى إفريقيا إلى قرية صغيرة واحدة من القرى التى يشرب سكانها الآن مياها نظيفة من الآبار التى تم حفرها بالأموال التى تبرع بها هذا الفرنسي، فى السنوات التى سبقت حفر هذه الآبار كان أطفال هذه القرى يموتون قبل ان يبلغوا سن الخامسة بسبب المياه الملوثة السوداء التى كانوا يشربونها ولا تتحملها أجسادهم الصغيرة ومناعتهم الضعيفة.. أما الكبار فجميعهم كانوا يعانون من أعراض خطيرة لأمراض عديدة. بدأ المشهد الإفريقى بدقات الطبول كان سكان القرية يعرفون أن بطلهم ومنقذهم قادم لذلك استعدوا لاستقباله بالغناء والرقص وعندما اقترب منهم اندفعوا يعانقونه ويقبلونه وألبسوه طوقا من الورود الملونة وأغرقوه بسيل من كلمات الترحيب الحارة وعندما انفض الاحتفال قال له المذيع: «يبدو أنك تتبرع بأموالك لكى تستمتع بكل هذا الامتنان».. قاطعه الثرى الفرنسى قائلا: (لا ليس الأمر كذلك فلم يحدث من قبل أن التقيت بسكان أى قرية من القرى التى شملها مشروع حفر الآبار ووجودى هنا اليوم حدث بناء على رغبتك). كلام الثرى الفرنسى لم يقنع المذيع فقال له: «إذن هل اتخذت قرار التبرع لأنه ليس لديك من يرثك؟» رد الثرى بهدوء : «لقد تبرعت بأموالى بعد أن اكتشفت أن هناك مناطق فى إفريقيا يوجد فيها أطفال يموتون بعد أن يعانون من الجوع والعطش والمرض ويحتضرون وهم يعانون من آلام مروعة فكيف لى بعد ذلك أن أدير ظهرى وأن أمضى فى طريقى هانئا؟». انتهى المشهد الإفريقى ليبدأ المشهد الأمريكى فى ناطحة سحاب فى قلب نيويورك فى مكتب ملياردير أمريكى يهودى جمع لوحات أشهر الرسامين سيطر عليه هاجس أنه سينضم إلى قائمة الأنانيين المستبدين إذا أبقى على هذه اللوحات الثمينة فى بيته وحرم عشاق الفنون من رؤيتها، لذلك قرر أن يشترى قطعة أرض وأن يبنى فوقها متحفا يعلق على جدران قاعاته كل اللوحات التى أمضى عمره يلهث وراءها فى مزيدات وقصور ليشتريها مهما يكن ثمنها وعندما سأله المذيع: «ألم يغضب أولادك من قرارك بإهداء هذا المتحف إلى الدولة؟» قال الملياردير: «كيف يغضبون وأنا أحبهم وأتمنى رؤيتهم وهم يتذوقون طعم هذا الشعور الرائع الذى كنت أشعر به خلال رحلة كفاحى إذا ورثونى فكيف يحسون بتلك الفرحة التى تغمر الإنسان وهو يرى أحلامه تتحقق أمامه صدقنى سيفوتهم معرفة معان كثيرة والاستمتاع بمشاعر بديعة إذا هم ورثوا أموالي». الفقرة الأخيرة من البرنامج استضاف فيها المذيع أستاذا فى علم النفس ليسأله عن شخصية الإنسان الذى يتبرع بكل أمواله للخير. أنتهى البرنامج.. وهكذا عرفنا كيف يفكر بعض الأغنياء. لمزيد من مقالات عايدة رزق