هذا عالم بدأ ولكن لا نعرف كيف سينتهى، إنه عالم الإنترنت، ومن يتعامل مع الإنترنت لابد أنه تعامل مع أهم موقع بحث وهو موقع «جوجل» الذى لا بد أن يلجأ إليه كل باحث، وقد زرت مقر «جوجل» مرتين فى خلال زيارتى لبلدة «بالو آلتو» على بعد 40 كيلو مترا من «سان فرانسيسكو» والتى تعتبر عاصمة «سليكون فالى» أو وادى سيلكون إشارة إلى «التشيبس» التى تستخدم فى تصنيع الكمبيوتر وبرامجها. بالإضافة إلى أنها (بالو آلتو) موقع جامعة «سترانفورد» أشهر جامعات أمريكا وترجع إلى مليونير اسمه «ستانفورد» فقد ابنه الوحيد فقرر أن يسعد ملايين الأبناء من خلال توجيه ثروته التى كان سيرثها ابنه إلى إنشاء الجامعة التى أقامها لتورث العلم لمئات الآلاف الذين تعلموا وتخرجوا فيها. وقد بدأت «جوجل» لأول مرة فى عام 1996 كمشروع بحثى فى جامعة «ستانفورد» على يد «لارى بيج» من مواليد 26 مارس عام 1973 وهو اليوم أحد كبار أثرياء العالم والولايات المتحدة، وقد تأثر «لارى» بالجو الذى نشأ فيه إذ كان أبوه أستاذ علوم الكمبيوتر وعندما تجول «لارى» فى البيت لاحظ ازدحامه بالمجلات العلمية، وفى سن السادسة ارتبط بالكمبيوتر وأصبح واثقا من صغره أنه سيخترع شيئاً فقرر التركيز على دراسة العلوم والتكنولوجيا والأعمال. درس لارى فى جامعة «ميتشجان» وحصل على بكالوريوس هندسة الكمبيوتر مع مرتبة الشرف، ثم انتقل إلى جامعة ستانفورد وحصل منها على الماجستير فى علوم الكمبيوتر، وخلال دراسته فى الجامعة اخترع وهو طالب طابعة الحبر «البرنتر». وأقطع تسلسل الموضوع لأشير إلى أن إحدى مشاكل الكتاب ضرورة طبع عدة آلاف منه لتخفيض تكلفته، ولكن فى الوقت نفسه فإن عملية توزيع الكتاب فى حد ذاتها خاصة فى الدول التى تعانى من مشكلة القراءة منها مصر عملية معقدة لقلة التوزيع وحاجة الناشرين إلى مخازن كبيرة يخزنون فيها الكميات المطبوعة وقد تتكدس الكتب ويصعب إخراجها من المخازن وفى النهاية فإن هذا المخزون يمثل رأسمالاً معطلاً يضطر الناشرون لتحميل سعر الكتاب جزءاً منه لتعويض النفقات، والجديد هو تطوير آلة «البرنتر» لتصبح قادرة بدلاً من طريقة طبع ورقة ورقة كما هو المعتاد لطبع الكتب بطريقة محدودة، وهى عملية وإن بدت مكلفة إلا أن التغلب على المصاعب وتطوير التكنولوجيا سيجعلها أسهل، بحيث يستطيع ناشر أى كتاب أن يطبع على «البرنتر» الأعداد المطلوبة للمكتبات بالضبط وبالتالى لا يقوم بتخزين نسخ فائضة لأنه فى حالة إذا تم توزيع ما فى المكتبات واحتاج السوق إلى عدد آخر مائة نسخة أو أكثر أو أقل قام البرنتر بطبعها فى دقائق، وبالتالى فالكتاب أصبح مختزناً على رقائق الكمبيوتر وطبعها فورى دون حاجة إلى مخازن واستهلاك ورق ونفقات زائدة تضاف إلى سعر الكتاب. وأعود إلى القصة التى بدأتها عن الشاب «لارى بيج» الذى التقى فى ستانفورد «بسيرجى برين» وهو من مواليد 21 أغسطس عام 1973 نفس سنة لارى، هذان الشابان يعود إليهما فضل إنشاء جوجل، وقد جاء اسم جوجول نتيجة خطأ فى نطق الكلمة فقد كانا يقصدان (googol) وهى كلمة تشير إلى رقم واحد وأمامه 100 صفر، أى أنهما كانا يخططان لجمع ملفات ومواقع بمثل هذا العدد فى نهاية عام 1998، إلا أنه بعد سنتين من بدء جوجل كان لديها فهرسا يضم 60 مليون صفحة. وقد انتقلت جوجل إلى مكاتبها فى «بالو آلتو» عام 1999 وهى حدائق أكثر منها مكاتب، فالعاملون غير مقيدين بمكان فمكتب أى موظف هو جهاز الكمبيوتر الذى يمكن أن يتنقل به بين الأشجار وفى أى مكان، وقد بدت لى مدينة جوجول أنها تصلح لإقامة العالمين فيها باستثناء البيوت، فقد قامت فلسفة الشركة على أساس ربط أبناء جوجل بالمدينة التى يعملون بها من خلال توفير كل الخدمات التى تجعلهم لا يحتاجون إلى مغادرته، فهناك المطاعم والملاعب وأجهزة غسيل الملابس.. إلخ، بحيث أصبح موظف جوجل يصعب عليه أن يغادر مقر شركته، وقد تطور عمل جوجل سنة بعد سنة ففى عام 2000 بدأت جوجل بيع الإعلانات على أساس 5 سنت عن كل دقة مستخدم على الإعلان، وفى عام 2004 بدأت جوجل مشروعها الذى يصور الكرة الأرضية ويتجول بين الدول والمدن والبلاد ويصل إلى الشارع الذى تسكنه والبيت الذى تقيم فيه، وذلك عن طريق الأقمار الصناعية، وبالتالى لم تعد جوجل موقغ بحث للنصوص فقط، وإنما للصور والخرائط وأفلام الفيديو وشوراع المدن والقرى، إنه عالم عرف كيف بدأ ويبدو أنه لا يعرف كيف ينتهى. **** طريق السعادة بمناسبة الإنترنت قد يكون مناسباً أن أنقل لقارئ أكتوبر مقالاً نشره الأستاذ أحمد صراف فى جريدة القبس الكويتية عن مليونيرات السوفت وير والثروات التى صنعوها، يقول: بمبادرة من «بيل جيتس» و«وران بافيت» اللذين يتصدران قائمة الأغنى فى أمريكا، وبدعوة من «ديفيد روكفلر» اجتمع 40 مليارديرا أمريكياً وتعهدوا بالتبرع بنصف ثرواتهم للأعمال الخيرية، وخاصة فى ميادين محاربة الفقر والجوع والمرض فى الدول الأكثر حاجة فى العالم، بعد أن تبين لهم أن تبرعات العقود الماضية لم يكن يخصص منها سوى الفتات لأصحاب الحاجة، لأنها كانت تصرف على إنشاء الجامعات والمعاهد والاكتشافات الطبية والعلمية والجغرافية وغيرها. ويقول الملياردير بافيت إنه اقتنع بوجهة نظر سيدة قالت له إنه على كل ثرى الجلوس مع نفسه ووضع ورقة وقلم وحساب ما يحتاج إليه الآن من مال، وما يجب أن يتركه لأبنائه من بعده، وخصم المبلغ من إجمالى ثروته والتصرف فيه بالطريقة الأكثر فائدة للبشرية. وأضاف أنه من الطبيعى أن يشعر أى إنسان بالسعادة عند تحقيق ثروة ما، ولكنه الآن يشعر أكبر وهو يصرف هذا المال فى سبيل الأغراض النبيلة، ويقول إنه سافر إلى الهند واجتمع بأكبر أثريائها فى محاولة لحثهم على التبرع بسخاء أكبر لمحاربة الفقر والانضمام لمشروعهم الخيرى الذى يهدف لجمع 600 مليار دولار للصرف على محاربة الفقر والجهل والمرض، وأن صديقه الملياردير الآخر جيتس سافر إلى لندن، واجتمع هناك بأثرياء بريطانيا للهدف نفسه، كما يخططان للذهاب معا إلى الصين للاجتماع بمليونيراتها لإقناعهم بالغرض ذاته، ويضيف بافيت أنه أجرى شخصياً 70 مكالمة هاتفية مع كبار أثرياء أمريكا طالبا منهم الوقوف معه، وأن كثيرين منهم غيروا وصاياهم لمصلحة المشروع الخيرى العالمى، ويقول بافيت إنه لو تبرع كل ملياردير ب 50% من ثروته للأعمال الخيرية لتجمعت لدينا المليارات، ولكن لو تبرع كل مليونير فى العالم ب 50% من ثروته لتجمعت لدينا للغرض نفسه تريليونات الدولارات. وقال بيل جيتس إنه لن يترك كامل ثروته لأطفاله الثلاثة، وأنه غير مهتم باستخدام ملياراته لخلق «سلاسة بيل جيتس» بل ينوى التخلى عن الثروة لأعمال خيرية، فليس من الحكمة إعطاء كل هذا المال لأطفالى، فهذا ليس عملاً جيداً لا لهم ولا للمجتمع، وستسبب فى إفسادهم! علماً بأن جيتس تبرع حتى الآن ب 18 مليار دولار من ثروته لتلقيح عشرات ملايين الأطفال فى الدول الفقيرة، وعمله هذا منع حوالى 5 ملايين حالة وفاة، فى الوقت نفسه الذى لقح فيه أثرياؤنا الملايين ممن طاب لهم، كما خرب فيه غيرهم من «علماء الأمة» عقول ملايين آخرين من العرب والمسلمين بالفكر الهدام والضال، وتسببوا فى حروب دموية عبثية فى الخليج وأفغانستان والشيشان والجزائر واليمن والعراق.. إلخ. انهى المقال الذى أظن أنه فتح لأصحاب الثروات طريق السعادة التى يبحثون عنها وبما يؤكد أن السعادة ليسو فى أن تأخذ، وإنما فى أن تعطى. تصور لو تبرع كل مليونير فى العالم بنصف ثروته؟