تصاعدت تهديدات «المقاتلين الأجانب» على أمن الإقليم والعالم، فى السنوات الخمس الماضية، على نحو ما يشير إليه انخراطهم فى عمليات الإرهاب العابر للحدود، سواء فى البؤر الصراعية المسلحة فى سوريا والعراق والسعودية واليمن وليبيا وتونس ومصر ومالي، أو فى استهداف بعض الدول الغربية سواء الداعمة لهم مثل أنقرة أو المنخرطة فى حرب ضدهم مثل باريس. بل قد تكون هناك عمليات إرهابية محتملة فى بروكسل وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، على نحو يشير إلى أن ظاهرة البيوت الخشبية، التى تحفل بها الأدبيات الغربية، لا تعبر عن انتقال عدوى الإرهاب وفقا لأثر الانتشار الجغرافى بل يقتضى الأخذ فى الحسبان ما يطلق عليه «جوار الجوار». بعبارة أخرى، إن مخاطر المقاتلين الأجانب صارت مزدوجة، بحيث تمس أمن الدول والمجتمعات التى تجرى على أراضيها الصراعات الداخلية المسلحة، وكذلك أمن القوى الإقليمية والدولية التى تنخرط فى تفاعلات هذه الصراعات بحيث تكون طرفا فيها، الأمر الذى يتطلب من المؤسسات الأمنية والهيئات الاستخباراتية التفكير فى إجراءات ما قبل (الوقائية) وما بعد (العلاجية) الاندماج فى هياكل التنظيمات الإرهابية، التى أفرزتها التحولات الهيكلية التى شهدتها الدول العربية فى مرحلة ما بعد الحراك الثورى فى عام 2011. من هذا المنطلق، تخصص صفحة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية تحليلين مكملين للصورة، إذ يشير الأستاذ محمد عبدالقادر الباحث بوحدة الدراسات العربية والإقليمية ورئيس تحرير دورية «شئون تركية» بالمركز إلى تصعيد محتمل لمخاطر المقاتلين الأجانب على الصراعات الداخلية المسلحة فى الشرق الأوسط، انطلاقا من عدة مؤشرات تتمثل فى تهيئة البيئة الداخلية الحاضنة للقوى الداعمة للجماعات الإرهابية، وتصاعد هجمات التنظيمات المتطرفة فى الإقليم، وتزايد التحالفات الدولية ضد الإرهاب، واتساع رقعة ميادين المواجهة. لذا، من المتوقع هجمات مرتدة سوف تستمر مستقبلا من حسابات الجماعات والتنظيمات الإرهابية مسارح العمليات الغربية، وذلك بعد وصول داعش لقلب عواصم مركزية. على الجانب الأخر، فإن منطقة الشرق الأوسط سوف تشهد بدورها موجات أخرى من العمليات الإرهابية، لاعتبارات تتعلق بضخامة أعداد المقاتلين المحليين والأجانب المنخرطين فى صفوف الجماعات الإرهابية، وسيولة الحدود وغياب نظم التأمين المركزية، بحيث صار الإرهاب الجهادى مع الإجرام الجنائى عابرا ليس للحدود الوطنية للدول وإنما متخطيا لحواجز القارات أيضا. فى حين ترى الأستاذة صافيناز محمد أحمد الباحثة بوحدة الدراسات العربية والإقليمية بالمركز أن الاستراتيجيات الأوروبية الخاصة بالرصد والمراقبة والوقاية لاحتواء مشكلة (تدفق/ عودة) المقاتلين الأوروبيين إلى ومن مناطق الصراع المسلح فى الشرق الأوسط تبدو محدودة النتائج والتأثيرات، بحيث تظل الهجمات الإرهابية التى تضرب الداخل الأوروبى من حين لآخر معبرة عن وجود إشكاليات متعددة سياسية وأمنية وثقافية ساهمت فى تحويل عدد من المواطنين الأوروبيين إلى متطرفين، بإمكانهم زرع الخوف والرعب فى مجتماعاتهم عبر هجمات إرهابية لا يمكن التنبؤ بحدوثها أو منع تكرارها، وما أكثر من الدروس وما أقل من اتخاذها فى الاعتبار.