تخوض أجهزة الدولة المصرية، سواء كانت قوات الشرطة ووحدات الجيش وحرس الحدود وخفر السواحل، حربا نظامية ضد تنظيمات إرهابية وجماعات جهادية وحركات متطرفة في مسارح عمليات مختلفة، لا تهدف لمجرد هز الاستقرار وإشاعة الفوضى بقدر ما تسعى لاحتلال أجزاء من دول وإقامة دويلات أو إمارات «إسلامية» واستعراض عضلاتها التسليحية وروابطها التنظيمية. وهو ما برز جليا خلال الأيام الثمانية الماضية، بعد موجة العمليات الإرهابية التي شملت اغتيال النائب العام واستهداف أقسام الشرطة ومناطق تمركز القوات المسلحة وزرع العبوات الناسفة في محيط الطرق الرئيسية والسكك الحديدية وبجوار أبراج الكهرباء والبنوك. غير أن أخطرها على الإطلاق هو ما حدث في 1 يوليو الحالى من هجمات الجماعات الإرهابية على كمائن عسكرية ومقار أمنية في سيناء، في توقيتات متزامنة، بأسلحة غير تقليدية، تمثلت في مضادات لطائرات محمولة على سيارات رباعية الدفع، وقيام بعمليات انتحارية وقصف صاروخي، وتلغيم طرق فرعية، لمنع وصول إمدادات طبية أو تعزيزات عسكرية، على نحو يؤدي إلى عزل بقعة جغرافية (منطقة الشيخ زويد) ورفع الإعلام السوداء عليها والإيحاء عن طريق الإعلام المضاد، سواء الجهادي أو الأجنبي، بأسر الجنود والسيطرة على ميدان المواجهة. غير أن الأداء البطولي للقوات المسلحة المصرية غير المعادلات التي كانت تطمح إليها الجماعات الإرهابية، وهي إرباك أجهزة ومؤسسات الدولة بعد توسيع رقعة العمليات إلى مناطق جغرافية مختلفة. فرغم أن الجماعات الإرهابية قد ألحقت أضرارا وخسائر بشرية ومادية، لكنها لا يمكن أن تنتصر في مواجهة أكبر جيش في المنطقة، إذ استغلت هذه الجماعات لامركزية الحدود الرخوة عبر تزامنية الذكرى الثانية لثورة 30 يونيو مع مرور عام على تمدد تنظيم داعش في الإقليم، بحيث صار الأخير يشهد ما يطلق عليه «السيولة الجهادية». وقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من تدفق المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى صفوف تنظيم داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية، بزيادة تقدر بنسبة 70 في المائة في تدفق المقاتلين من منتصف عام 2014 وحتى مارس 2015، والتي أدت ضمن عناصر أخرى إلى دخول المنطقة لمرحلة «المد الرابعة». ويبدو أن الدولة في مصر سوف تتحول من الدفاع إلى الهجوم، لاسيما بعد أن أخذت العمليات النوعية للإخوان بصمات القاعدة وداعش. فأفضل استراتيجية هي – كما يقول كلاوزفيتز، مع بعض التعديل- أن تكون الدولة دائما قوية، وقوية تحديدا في «النقطة الحاسمة». في هذا السياق، تستعرض صفحة «مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية» هذا الموضوع، عبر مقالتين إحداهما للأستاذ محمد جمعه الباحث بوحدة الدراسات العربية والإقليمية بالمركز، والأخرى للأستاذ سيد عكاشه مستشار تحرير دورية «مختارات إسرائيلية» بالمركز، والتي تكملان الرؤية بشأن تصاعد تأثير العمليات الإرهابية على أمن دول الإقليم، وضرورة تجاوز القاهرة النظرية الانكفائية في التعامل مع هذه الموجة، لاسيما أن الخبرة التاريخية تشير إلى أن الدولة بمؤسساتها، وخاصة الجيش، تعمل على تقبل الجحيم (وليس مجرد الإرهاب) وكأنه شئ عادي ومألوف. فمصر ولدت لتبقى.