شهدت الصراعات الداخلية المسلحة فى الشرق الأوسط، وخاصة بعد مرحلة الحراك الثوري، صعود غير مسبوق فى أدوار الفواعل المسلحة ما دون الدولة، على اعتبار أن الصراعات ترث الثورات. وهو ما اتضح جليا فى البؤر العربية الساخنة فى كل من سوريا، واليمن، وليبيا، والعراق، إذ دخلت أطراف مختلفة فى دائرة الصراع، مثل الميليشيات المسلحة والجيوش المناطقية والتنظيمات الإرهابية والعصابات الإسلاموية، وهو ما يعبر عنه توسع تنظيم داعش فى العراقوسوريا وجبهة النصرة فى سوريا وجماعة الحوثيين فى اليمن وجماعة أنصار الشريعة والجماعة الإسلامية المقاتلة فى ليبيا وتونس وحركة العدل والمساواة فى السودان وحركة الشباب المجاهدين فى الصومال لتنتقل التفاعلات الصراعية فى الإقليم من «تجارة الجملة» التى يسيطر عليها فاعل مركزى محدد «الدولة» (أى الجيوش النظامية) إلى «تجارة التجزئة» التى يزداد فيها عدد الفاعلين والمؤثرين. وقد أفرز هذا التمدد الجهادى أن عرفت صراعات الإقليم نمطا جديدا يطلق عليه الصراعات الهجينة، ويقصد به مواجهات مسلحة مستمرة تتضمن سلسلة من صراعات السلطة المسلحة والاضطرابات المسلحة والحرب الأهلية، التى تخوضها الجيوش النظامية فى مواجهة جماعات الفوضى الإجرامية، التى استطاعت تشكيل نمط متكامل لاقتصاديات غير رسمية للصراعات الداخلية (شبكات الظل)، القائمة على تجارة الأسلحة والمخدرات وتهريب النفط والجثث، وتوظيف النساء والأطفال، بما يصعب من وضع حد لمسار الصراع بل يساعد على إطالة أمده وازدياد حدته. وهنا، بدأت تلك الفواعل التحول من استراتيجية إسقاط النظم السياسية الحاكمة إلى استراتيجية تفكيك الدول، بل القيام بما تسميه بعض الأدبيات ب «الاختراق المواز» أى الإحلال محل الدولة والقيام بوظائفها. فى هذا الإطار، تخصص صفحة مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية مقالتين مكملتين عن الجماعات الجهادية فى الإقليم، إذ يوضح أ.محمد عبدالقادر خليل الباحث بوحدة الدراسات العربية والإقليمية أن الإقليم يشهد أحزمة للتطرف العابر للحدود، والذى يعكس غابة الجهاد، والتى تحكمها معادلة حرب الجميع ضد الجميع، بما يصب فى مصلحة القوى المسلحة العنيفة والقوى الدولية فى حين يفرض أعباء ثقيلة على قوى الاستقرار المركزية فى الإقليم مثل مصر. وهنا يلتقط الخيط أ.محمد جمعة الباحث بوحدة الدراسات العربية والإقليمية ليسلط الضوء على السياسات «الهجينة» التى تتبعها مصر للاشتباك مع الفواعل المسلحة العنيفة، والتى تتمثل فى إنهاء الوجود والعقاب المحدود والتعطيل والتحييد وتدعيم الاستقرار. المحرر