ما هو مستقبل الاسلام السياسى؟ سؤال يطرح بقوة الآن فى ظل غيبة معظم مكونات هذا التيار عن المشهد السياسى، وفى ظل اخفاق الفصيل الوحيد المشارك وتخبطه فى المعترك التنافسى خطاباً وأداء؟ هناك عودة من جديد للمعادلة الصفرية والخيارات الحادة، فإما سلطة كاملة أو صدام وسجون و«منافى»؛ بينما أعطى الحراك الثورى فرصة العمر للاسلام السياسى لتدشين معادلة جديدة والدخول فى جملة من أصابتهم امتيازات ما بعد الربيع العربى من مشروعية وتكوين أحزاب وحضور فى المشهدين الاعلامى والسياسى لطى مرحلة التفرد فى مشهد التغيير وما ألحقه بفصائل هذا التيار من عنت، وليبدأ مرحلة الشراكة، مع بزوغ تيارات فكرية وشبابية تنتمى للتيار المدنى بتنوعاته، لديها رغبة وارادة فى صناعة التغيير والاسهام فيه. تجاوب الاسلام السياسى كان محدوداً وانتهازياً مع هذه الحالة ورغب فى الاستفادة منها لمصلحة مشاريعه وتصوراته لا الاسهام فيها كمكون من مكوناتها، ومع التيقن من فرضية عودة الاسلام السياسى متفرداً كما كان سواء بتصوراته الخاصة به عن ماهية التغيير المأمول أو بممارساته على الأرض التى ترجمت بوضوح كون مشروعه مشروع سلطة بديلا وليس مشروع اسهام تراكميا فى التغيير مع باقى المكونات الوطنية، انفض عنه الزخم الثورى بل استهدفه ذاته فى مرحلة من المراحل، وغرق الاخوان ومن معهم فى متاهات المعادلة الصفرية من جديد، وما تستدعيه من خيارات انفصالية عنيفة دون حضور بدائل انقاذية واعية البدائل كانت متاحة بتفادى السيناريو الجزائرى والتعلم من دروسه حيث بدأت الحركة كشريك مساهم وانتهت ملوثة بخطايا وجرائم المسلحين والجهاديين؛ وسقوط مائة وخمسين ألف قتيل فى مواجهات استغرقت خمسة عشر عاماً أسفرت عن بقاء الدولة وانحسار الاسلام السياسى وفقدانه شعبيته، فضلاً عن فرص مشاركته وتعويضه لجولة الخسارة بروح الشريك الوطنى لا المستحوذ المتفرد. هناك نماذج فردية لقادة اخوان غير مصريين أدركوا ضرورة الابقاء على البدائل المتاحة وعدم التورط فى المعادلة الصفرية، منهم محفوظ نحناح فى الجزائر وراشد الغنوشى فى تونس، بل تجربة أردوغان نفسه بها ابداع فى استحضار البدائل الواقعية، وربما كان النموذج الأقرب لمعاودة المحاولة وتمصيرها باستنساخ ما فعله أردوغان لتجاوز محنة زعيمه وأستاذه أربكان فى السجن من خلال اعادة بناء الحركة ودمجها فى المشهد السياسى بخطاب أقل حدة وأكثر توافقية هو عبد المنعم أبو الفتوح أحد قيادات الاخوان السابقين، حيث ظهر فى بدايات حضوره فى مشهد ما بعد يناير 2011م كأنه يدشن لتجربة مستقلة عن تياره السابق، وكان حضوره فى المشهد أحد الحلول الجوهرية لأزمة الاسلام السياسى باستيعاب وجذب الكتل الحائرة المترددة التى ربما جرفتها الأحداث لاحقاً لتبنى مواقف متشددة ، وبتذويب وتفكيك الاستقطاب والاحتقان وخلق حلول واقعية لخلافات الاسلام السياسى عامة مع مختلف الأطراف الفاعلة فى الساحة ، والدفع بقطاع مهم من الاسلام السياسى لتكوين معارضة سياسية مقنعة تسحب البساط من دعاة ورعاة التحول لميليشيات لمواجهة الجيش والشرطة والمواطنين العزل، لكن غلبت العاطفة على المنطق وانضم لمسار المقاطعة. الاخوان تتحول كعادتها وتعيد التمركز بتفكيك تحالفات وانشاء تحالفات بديلة، حيث اكتفت بهذا القدر من زعامة الجهاديين تحت ضغوطات اقليمية ودولية وتدشن لزعامة ثورية بأطروحات متنوعة، بشكل يتيح لها الخروج من ورطة العنف والحاقها بالتنظيمات الارهابية، وكذلك يمنحها منافذ للخروج من مأزقها التاريخى بما يحفظ ماء الوجه، بتقديم تنازلات للحالة الثورية وليس للدولة ومؤسساتها كما تزعم فى اطار ما يسمى الاصطفاف الثورى، وفى مقابل تلك التنازلات التى تبعدها اختيارياً عن المنافسة على السلطة لعشر سنوات قادمة تحرص الاخوان على حجز مكان الصدارة فى الاصطفاف الجديد كما وضح فى رسائل بياناتها الأخيرة، وهو مسار مختلف لكن لا يأخذها بعيداً عن الحلول الصفرية، وان أتاح لها بعض بدائل أقل حدة وعنفاً فى الطريق الطويل لحل أزمتها المعقدة. الجماعة الاسلامية تعيش صدمة تخلى الاخوان عنها والهجوم على قادتها ومساعى حرمانها من جنة قطر، وبينما كان فى متناولها أن تصبح رائدة للاخوان وللسلفية الحركية والجهادية بتطوير مبادرة نبذ العنف وتأسيس خطابها ومواقفها السياسية من منطلقها، عادت لنقطة الصفر على الأقل قياداتها وأعضاؤها فى الخارج وهو ما دفع الاخوان لاعتبار مواصلة التحالف معها نوعاً من الانتحار السياسى. مستقبل الجماعة الاسلامية غامض فى ظل صمت وجمود القيادة فى الداخل، بينما تبحث قيادات الخارج عن دور اقليمى، كعروض أحد قياداتها فى قطر التى تجذب أنظار دول الخليج لها كقوة ضاربة فى مواجهة المد الشيعى، لتصبح الجماعة فى مرحلة من المراحل كأى تيار قتالى يستخدم كأداة فى الصراعات الاقليمية، وهو ما يقضى حتماً على مستقبلها السياسى فى مصر. حزب النور المضطرب لا خوف عليه من التيارات الأخرى التى تهاجمه سواء مدنية أو اسلامية، انما الخوف عليه من نفسه، فالدكتور برهامى يتقمص شخصية المرشد ويظهر فى الكادر أكثر من أى قيادى بالحزب الذى يسعى لتعويض ضعفه السياسى باثارة ملفات أيدلويوجية ، وطبيعة المرحلة القادمة ستستوعب من يضيف جديداً، وستلفظ تلقائياً أى عبء يوجه الطاقات لصراعات هامشية . لمزيد من مقالات هشام النجار