بسبب الرغبات التنافسية بين فصائل الحركة الاسلامية ابتداءً ، ظهر يوم 28 نوفمبر بهذا المستوى بعكس ما أراد له الداعون اليه ؛ فالجبهة السلفية أرادت استغلال فرصة تراجع التيارات الاسلامية الرئيسية وضعف فعاليات تحالف الشرعية مع فقدان بريقه الثورى لاعتبارات أهمها تراجع الدعم اللوجستى والسياسى الخارجى والمشكلات والأزمات الداخلية التى تعانيها الجماعات الرئيسية المكونة للتحالف وعلى رأسها الاخوان والجماعة الاسلامية وفى الوقت الذى سعت فيه الجبهة السلفية لاحتلال مكان الصدارة لتتزعم الحراك الثورى الاسلامى فى غيبة التنظيمات الكبيرة خشيت تلك التنظيمات على مكانتها ومكانها فى صدارة المشهد، لذلك كانت الاستجابة الاسلامية شبه منعدمة، وهذا يعيدنا الى تاريخ مليونية الشريعة والشرعية التى نظمتها الجماعة الاسلامية وقاطعها الاخوان الذين يتحسسون مكانتهم دائماً فور بزوغ لاعب اسلامى جديد يحاول المنافسة أو الصعود الى الصدارة . هناك عشرات الوقائع الموثقة التى تؤكد ما سببته المواقف الاخوانية الأحادية النفعية من خسائر وفشل سواء للحراك الشبابى الثورى أو للحراك الاسلامى ؛ فهناك على الدوام نظرة أحادية للاخوان تخشى تخطى التنظيم ثورياً مما يؤدى لصعود شباب الثورة وتياراتها على حساب الاخوان ، وهذا دفع الاخوان الى ارتكاب خطايا جسيمة أفقدتهم الظهير الثورى ومجهودات الشباب الذين عانوا مما أسموه «خيانات الاخوان» لهم ، وعندما ضعف موقف الاخوان السياسى وفقدوا المقدرة على اقناع الشباب بالاصطفاف معهم ضد الجيش حاولوا استدرار العطف من خلال الترويج للمظلومية وتوظيف ضحايا رابعة، فذكرهم الثوريون بأن الشباب كانوا يسقطون فى المواجهات فى حين كان الاخوان منشغلين بالدعاية الانتخابية، وعندما اعتلى قيادى اخوانى منصة رئاسة البرلمان علق على سقوط قتلى قائلاً وزير الداخلية أخبرنى أنه لم يكن هناك خرطوش! هذه ليست المرة الأولى لما أطلقوا عليه انتفاضة الشباب المسلم؛ فقد انتهز التيار الجهادى والقطبى المتشدد بزعامة الشيخ حازم أبو اسماعيل وبحضور فاعل لرموز جهادية معروفة مثل أبو الأشبال ومحمد الظواهرى وغيرهما فرصة تدهور العلاقة بين الاخوان والشباب الثورى، فقاموا انطلاقاً من خطة موضوعة فى أروقة الاشتراكيين الثوريين و6 ابريل بالاعتصام والهجوم على مقر وزارة الدفاع بالعباسية، فى أحداث دموية سقط فيها عشرات القتلى من الاسلاميين، ومنها نخرج بعدة استنتاجات مهمة؛ أولها الصراع بين الاخوان والفصائل الاسلامية الأخرى على صدارة المشهد، وقد تخلى عنهم الاخوان هناك حيث كانوا يومها فى البرلمان، كما تخلوا عنهم اليوم وخذلوهم كما ورد فى بيان الجبهة السلفية والجبهة امتداد لهذا التيار القطبى والجهادى وتدين بالولاء لأبو اسماعيل الذى تعتبره رمزاً وزعيماً روحياً ، والثانى أننا أمام تيارات مدنية قرأت المشهد مبكراً وعرفت طريق تحالفاتها الآمن بعيداً عن النفعيين واللاعبين على كل الحبال ، وأيضاً أمام قادة عسكريين أداروا اللعبة السياسية بدهاء وحرفية مكنتهم من ادارة الفترة الانتقالية بأقل الخسائر الممكنة ، ومن اعادة الحالة الاسلامية بتنوعاتها المتنافسة للخلف ريثما تنضج وتتعقل . الدافع تقريباً واحد فى الحالتين ؛ ففى انتفاضة الشباب المسلم الأولى أمام وزارة الدفاع فى العباسية وفى الانتفاضة الثانية فى 28 نوفمبر الماضى كانت حسابات الاخوان دقيقة بشأن مصلحة التنظيم ومكانته؛ وفى الأولى كان نجاح القطبيين والجهاديين وحازمون فى الاشتباك مع الحالة الثورية فضحا لفشل الاخوان فى احتواء هذه الحالة وكسب ودها وولائها ؛ لأن القطبيين والجهاديين والجبهة السلفية فى تلك الحالة ستكون نجحت فيما فشل فيه الاخوان ليثبتوا أنهم الشريك الاسلامى الجدير بثقة الثورة ، وفى الانتفاضة الثانية التى دعت لها نفس الجهة اخيرا مؤملة استجابة التيار الاسلامى كله بعد انهيار العلاقة الاسلامية الثورية كان الاخوان أحرص ما يكونون على مكانتهم فى المشهد الاسلامى ؛ اذ كيف يأتى فصيل اسلامى صغير كالجبهة ليقود حراكاً اثر فشل الاخوان فى قيادته ؟ ؛ ففى نجاح الجبهة السلفية فى قيادة حراك ثورى اسلامى شبه مسلح بعد فشل الاخوان وتحالف الشرعية فى الانجاز على الأرض طوال الشهور الماضية اهانة كبرى للاخوان وتجريس لقيادات الجماعة الأم ، ولذلك كان افشال الحراك بالتناغم مع الجماعة الاسلامية والاخوان حتى لا يبزغ نجوم اسلاميون جدد كباسم خفاجى وخالد سعيد على حساب القيادات التقليدية ، ولا تترسخ وتتوسع زعامة أبو اسماعيل فى الفراغ الاسلامى الذى يبحث عن قيادة بديلة بمواصفات غير تقليدية . لذلك ظهر 28 نوفمبر بشكل لا يتناسب مع ضخامة الدعاية له ، فالاخوان امتنعوا مع اظهار الثناء على الجبهة ونبل مقصدها فى الدفاع عن الهوية ودعوا الى تفويت الفرصة والحفاظ على الدماء وادخارها للدفاع عن الوطن ضد أعدائه، فيمَ اتجه طموحهم لتوظيف المشهد لمصلحتهم وتحت قيادتهم هم بداية من اعلان الحكم ببراءة مبارك ومعاونيه ونجليه وحتى 25 يناير المقبل، كما جاء فى بيانهم فحى على استكمال الثورة ومقاومة الظلم والاصطفاف الشعبى العارم خلف لواء 25 يناير فى مواجهة عودة عصابة مبارك . ليس هناك تناقض فتلك هى نفعية الاخوان التى قصمت ظهر الحراك الثورى والاسلامى معاً ، ولا تزال الجماعة تصر على تصدر المشهدين رغم الفشل والخيانات، ولا يعنيها ما تحمله اللعبة من مرارة وسخرية؛ فكيف تجمع بين مظاهرات ترفع فيها الأحذية ومظاهرات ترفع فيها المصاحف! لمزيد من مقالات هشام النجار