حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» جعل المتقين فى هجرة دائمة الى الله ورسوله، محررة عن المكان، فلا هجرة بعد فتح مكة الى أى بلد أو مكان بزعم إقامة دولة أو غيرها، وإنما الهجرة الدائمة التى نتناولها اليوم أن تعتصم بالله ورسوله، وتلتزم بمنهج الإيمان الذى رسمه لنا القرآن الكريم، وتتمسك بسنة سيد المرسلين وفيها قوله: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر إليه». والمتقون فى هجرة دائمة الى الله ورسوله، يعظمون فضلها، ويبجلون طهرها، ويحمدون كل معانيها الجليلة، فهم بها يلتزمون بالأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر والإيمان بالله، وهم فى ظلالها يهجرون الشهوات والأخلاق الذميمة والخطايا، ويتركون المحظور ويرفضونه، ورسالتها الجليلة تصون الطهارة الروحية والتربية الخلقية، والعمل الصالح، وتحرص على الإقبال على الفضائل، وحفظ قواعد الدين وإتقان العمل، سعيا على غايات سامية للحياة الإنسانية، إن الهجرة الدائمة الى الله ورسوله تحرض المتقين على الدعوة الى الخير، والثورة على الشر، والاستمساك بالحق والعدل، ومقاومة الباطل والظلم. يقول تعالى: «يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم». والهجرة الدائمة تعلن أن فى الصلاة هجرة، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وذكر الله فيها من أسمى معانى الهجرة، والاقتراب من الله، والحصول على مثوبته ورضاه، والصوم هجرة، لأنه جنة، وروح المؤمن تهاجر فلا ترفث، ولا تفسق ولا تقول الزور أو تعمل به، والحج هجرة، لأنه يهدم ما كان قبله، وأعماله وآدابه تدعم ما تسعى اليه الهجرة يقول سبحانه: «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله»، والزكاة هجرة مما نهى الله عنه من البخل والشح يقول عز وجل: «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم»، ويقول «وأوحينا اليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة». وفعل الزكاة من صفات المفلحين الذين يرثون الفردوس، وسمات المسبحين الذين «لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وايتاء الزكاة» إن المتقين المهاجرين يعلمون أنهم ينتصرون بإقامة فروض الله، والاقتداء بسنة رسول الله، ويحققون بذلك أسمى مكارم الهجرة، كما يعرفون أن الهجرة الدائمة لا يتصف صاحبها بالكذب وخلف الوعد والغش والخيانة، والنفاق والرياء والحقد والحسد والظلم والبغى، إنها بعيدة الأثر فى التربية والتهذيب، ولذلك تسعد بها التربية الكريمة، وترتبط بها فى كل حاجة من حاجاتها، وكل خطوة من خطواتها، وحسبها أنها تعلم أن الله يراقب العبد فى كل علاقاته وأفعاله، وتؤمن بأنه هو الذى يمنح الخير والمغفرة والرضوان. أن حياتنا الآن تدعو بقوة الى هجر ما نهانا الله عنه، ومحاربة المفسدين والإرهابيين والغشاشين، وتود أن نتخلص مما نعانيه. ونزيح الأشواك، ونسد الثغرات، ولابد من أن نتواصى بالحق والصبر ولا مفر من التضحيات، نقبل عليها فى إيمان وثقة وإذا تمسكنا بديننا، ونصرنا دعوة الحق والحكمة والموعظة الحسنة، ونهجنا منهج الاستقامة والهجرة النبيلة الشريفة، حققنا كل ما نصبو اليه، أما المتقون فهنيئا لهم بمكاسب وخيرات الهجرة الدائمة، وما أعظم سعادتهم بالجزاء الكريم الذى يقول الله فيه: «إن للمتقين مفازا، حدائق وأعنابا، وكواعب أترابا وكأسا دهاقا لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا جزاء من ربك عطاء حسابا»! لمزيد من مقالات د. حامد محمد شعبان