ينتظر قطاع غزة التوصل إلى هدنة زمنية مؤقتة لمدة شهرين بهدف وقف جرائم الإبادة الإسرائيلية بحق أهالي القطاع مع قرب مرور عامين على اندلاع حرب السابع من أكتوبر، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول الأطراف الرابحة والخاسرة من الهدنة وما إذا كانت سوف تؤدي إلى وقف شامل لإطلاق النار أم أنها تبقى فاصلا زمنيا يقطع جرائم الاحتلال قبل أن تعود الحرب مرة أخرى، وفى تلك الحالة فإن الأوراق التى فى جعبة حركة حماس ستكون قد جرى استخدامها مع بقاء جزء صغير من الأسرى فى سجونها أو الإفراج عنهم بشكل كامل حال جرى تمديد الهدنة. ◄ هدنة «التقاط الأنفاس» تطفئ نيران إسرائيل وتطوي أوراق حماس ◄ حماس تهدف لتخفيف المجاعة وبدء مفاوضات جديدة وتبقى أهداف كل من إسرائيل والولايات المتحدة وحركة حماس وكذلك الوسطاء مختلفة، إذ إن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يسعى لأن يظهر فى موقف راعى السلام الذى قاد لوقف القتال بعد أن دعم إسرائيل بكل ما لديه من قوة نحو ارتكاب جرائم إبادة بحق الفلسطينيين، وكذلك فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يهدف لأن يُطفئ النيران فى الداخل الإسرائيلى مع فشله فى استعادة الرهائن وتعرض مناطق عديدة لضربات إيرانية قادت لشكوك المواطنين حول قدرة الدولة على حمايتهم وقاد لهجرة مئات الآلاف، إلى جانب بحثه عما يمكن أن يجعله يفلت من المحاسبة فى قضايا فساد عديدة مع تلميحات الرئيس الأمريكى بإمكانية العفو عنه. حالة مجاعة في غزة وفي المقابل فإن هدف حركة حماس يتمثل فى وقف الإبادة ولو مؤقتا فى ظل المجاعة التى يعانيها قطاع غزة والبحث عن منافذ يمكن أن تقود لوقف الحرب بشكل نهائى وإن كانت إسرائيل ترفض ذلك بالرغم من إصرار الحركة فى السابق على أن يكون ذلك شرطا للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين لديها، وبالتالى فإن الهدنة بالنسبة إليها فرصة لالتقاط الأنفاس وتمنح ما يشبه الهدوء الذي يساعد على إمكانية الانخراط فى مفاوضات لإنهاء الحرب دون أن يكون ذلك تحت خط النار مثلما فعلت إسرائيل ذلك خلال الأشهر الماضية التى أعقبت خرق وقف إطلاق النار الذى بدأ تنفيذه فى يناير وخرقته فى مارس الماضى. ◄ الرؤية المصرية تبقى هناك أيضًا أهداف للوسطاء، إذ تهدف مصر لأن تجد منفذا يمكن أن تدفع من خلاله الخطة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة إذ تواصل مصر جهودها واتصالاتها مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية للمضى قدمًا نحو اتخاذ خطوات ملموسة وفعلية لتنفيذ الخطة التى طرحتها القاهرة خلال استضافتها للقمة العربية الطارئة فى شهر مارس الماضى، وتتضمن رؤية مصرية شاملة لمستقبل غزة بعد وقف إطلاق النار، وهى أهداف قريبة مما تسعى إليه الدوحة. وتشمل خطة مصر لمستقبل غزة تشكيل لجنة مستقلة غير فصائلية مكونة من شخصيات تكنوقراط تتولى إدارة شئون القطاع خلال مرحلة انتقالية لمدة 6 أشهر، وتعمل تحت مظلة الحكومة الفلسطينية، فيما تم التوافق خلال قمة القاهرة الطارئة على إنشاء صندوق ائتمانى يتولى تلقى التعهدات المالية من كافة الدول ومؤسسة التمويل المانحة بغرض تنفيذ مشروعات التعافي، وإعادة الإعمار على مدار خمس سنوات بتكلفة قدرت بحوالى 53 مليار دولار. أكدت حماس، عبر موقعها الرسمى، أنها أنهت مشاوراتها الداخلية مع الفصائل الفلسطينية، وسلّمت ردها ب«روح إيجابية»، وأبدت الحركة استعدادها لخوض مفاوضات فورية لتطبيق الإطار المقترح، الذى يتضمن إطلاق سراح الرهائن ومناقشة إنهاء الصراع، لكن مصادر فلسطينية أشارت إلى تحفظات حماس حول آليات تسليم المساعدات الإنسانية، وفتح معبر رفح، وجدول زمنى واضح لانسحاب القوات الإسرائيلية. كشف مسئولون لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، تفاصيل بشأن مقترح هدنة غزة الجديد، حيث شملت بنود المقترح ضمانات عربية وأمريكية جديدة، بالإضافة إلى وقف كامل للقتال فى القطاع، وتتضمن أيضًا تبادل 10 رهائن أحياء مقابل عدد أكبر من الأسرى الفلسطينيين المحتجزين لدى إسرائيل. كما أشارت الصحيفة الأمريكية بحسب قول المسئولين، إلى أن الهدنة بين إسرائيل وحماس حال تنفيذها ستطلق فورًا مفاوضات مدعومة أمريكيًا بين الحركة وإسرائيل تهدف إلى إنهاء الحرب بشكل دائم. وخلال الأسبوع الماضى أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أن إسرائيل وافقت على الشروط اللازمة لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق لوقف إطلاق النار مع حركة حماس فى قطاع غزة، يستمر لمدة 60 يومًا، يعمل خلالها الطرفان على إنهاء الحرب. ◄ الفرا: وقف الحرب يتيح انتخابات مبكرة مقابل العفو عن نتنياهو ◄ علامات للاطمئنان من جانبه، قال السفير بركات الفرا، سفير فلسطين السابق فى القاهرة، إن الأوضاع فى قطاع غزة حال التوصل إلى هدنة من الصعب أن تُفضى إلى وقف شامل لإطلاق النار، لكن ذلك لا يمنع من وجود علامات تدعو للاطمئنان فى مقدمتها أن ترامب يريد أن يظهر كرجل سلام بعد أدرك بأن استخدام القوة المفرطة قد لا يؤدى لتحقيق الأهداف المرجوة، كما أن الوضع الداخلى لنتنياهو صعب للغاية ويحاول أن يخرج من مأزقه بأقل الخسائر وأن ادعاءه الانتصار على إيران وضرب أذرعها فى المنطقة لم يوقف السخط الداخلى ضده بعد أن عرَّض حياة الإسرائيليين للخطر وفشل فى استعادة الرهائن. وأوضح، أن وقف حرب غزة يتيح لنتنياهو تنظيم انتخابات مبكرة للكنيست وهو موقف داخلى تتفق عليه المعارضة ومن الممكن أن تكون تلك الانتخابات التى مازال يرفضها مقابل وقف محاكمته على جرائم الفساد، وذلك فى ظل رغبة أمريكية فى أن يتحقق ذلك حفاظا على دولة إسرائيل، وهو ما يجعلنا أمام وضعية يمكن فيها أن يتم تمديد الهدنة حال التوصل إليها لكن دون أن يفضى ذلك لوقف شامل ونهائى لإطلاق النار إذ يخشى نتنياهو فى المقابل غضب اليمين الأكثر تطرفا بقيادة وزير الأمن القومى الإسرائيلى إيتمار بن غفير، ووزير المالية الإسرائيلى بتسلئيل سموتريتش. وذكر أن هناك فارقا بين الوقف الشامل لإطلاق النار وبين تمديد الهدنة، والثانية هى الأقرب فى ظل رفض إسرائيل الانسحاب الكامل من قطاع غزة، فى حين أن التمديد يسمح بأن يؤمن نتنياهو نفسه من المحاكمة لأنه فى تلك الحالة سيكون بحاجة لمزيد من الوقت لكى يقنع الرأى العام الداخلى بأنه يعمل من أجل مصلحة إسرائيل وليس مصلحته الشخصية كما يقنع الغالبية العظمى من المواطنين هناك. وفى المقابل، فإن حركة حماس تبدو مغلوبة على أمرها فى ظل المجاعة التى يتعرض لها القطاع، كما أن تقديراتها الخاطئة فى السابقة تجعلها هذه المرة أكثر استجابة للضغوط عليها بخاصة وأن غزة أصبحت منطقة غير قابلة للحياة كما أن استعراضاتها السابقة عند الإفراج عن الرهائن أثارت الرأى العام الإسرائيلى ضدها بعد أن ظهرت وكأنها حققت انتصارا فى حرب راح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء بين شهيد ومصاب، وفق الفرا. ◄ تنازلات حماس من جانبه، قال الدكتور أكرم عطاالله، الخبير فى الشأن الفلسطينى، إن الأيام المقبلة قد تشهد هدنة سعت إليها إسرائيل بحيث لا تكون مرتبطة بوقف الحرب بشكل دائم وهى مؤقتة وتعبر عن تقديم حركة حماس مزيداً من التنازلات عن مواقفها السابقة، لأن دولة الاحتلال لا تلتزم أمام العالم بوقف الحرب وهى تشبه هدنة يناير الماضية وإن كانت الأولى أفضل لأنها كانت تفتح الباب أمام فصل جديد لكن إسرائيل انقضت على مخرجات وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن الهدنة الجديدة ليس لديها بنود واضحة على كيفية استئناف المفاوضات وكذلك على قيود منع استخدام القوة خلال هذه الفترة. أضاف، أن حركة حماس تحت ضغوط داخلية وخارجية وكذلك مع تعرض قياداتها فى الخارج لضغوط هائلة وتهديدات أمريكية ومع انتشار المجاعة فى كافة أنحاء القطاع اضطرت للهدنة، مستغلة الظروف الإيجابية مع وقف الحرب الإسرائيلية الإيرانية وهو ما يجعل هناك بصيص أمل بالنسبة لها لكى تقف الحرب. وشدد على أن إسرائيل على الأغلب سوف تلتزم بالهدنة إذا تم إقرارها لأنها تتضمن الإفراج عن الرهائن على مراحل مختلفة فى اليوم الأول والسابع والثلاثين والخمسين والستين، وهى تريد أسراها وتعتبرها فرصة بالنسبة لها، وبعدها إما أن يتم تمديد الهدنة للحصول على آخر من تبقوا فى جعبة حماس أو أنها ستعاود الحرب مشيرا إلى أنها من الممكن أن تطرح مسألة خروج قيادات حماس من القطاع مقابل الوقف الشامل لوقف الحرب لكن ذلك يبقى احتمالا ضعيفا. ومُنذ عملية طوفان الأقصى التى شنتها حركة حماس فى أكتوبر 2023، وأسفرت عن مقتل 1200 شخص واختطاف 251، دمرت إسرائيل غزة، مخلفة أكثر من 57000 شهيد ونزوح معظم السكان، وتأتى محاولات التوصل إلى هدنة فى وقت تتصاعد الضغوط الدولية لإنهاء الحرب التى خلفت دمارًا واسعًا فى غزة، وسط ترقب رد حركة حماس على المقترح، الذى من المتوقع أن تعلن موقفها خلال الساعات المقبلة.