إذا كانت الهجرة الشريفة قد أفسحت أمام المسلمين الطريق إلي رحاب أوسع وأطهر للعيش السعيد وجمعت لهم أسباب القوة والخير والتكافل والازدهار فإننا في أشد الاحتياج إلي معانيها النبيلة.. , ودروسها الغالية, فليست حياتنا في غني عنها, خاصة في هذه الأيام التي تدعونا إلي الهجرة إلي الله ورسوله لنغير ما بأنفسنا, ونحقق مانرجوه من السعادة والفلاح. والهجرة التي حملت الأمانة والاستقامة والنور والخلاص مستمرة لاتنقطع, وهي تعني الآن الهجرة المحررة عن المكان, ولاتنقطع الهجرة إذا أردنا أن نرضي الله, ولاهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية.. إن المسلم الصادق يدرك أن الهجرة إلي الله ورسوله دائمة, فهي جهاد خالص لايفتر, وتضحية بالغة لاتضعف, وصمود شامخ لايهن, وبلاء طاهر في طاعة الله ورسوله, وماينبغي أن يغفل المؤمن عن نداء الهجرة, بل يجب أن يجعل له السيطرة بالنية الخالصة, والعمل الصالح, والخالص الكريم, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإذا أراد أحد أن يلبي هذا النداء الكريم, فليعلم أن في الصلاة هجرة, فالصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر, وذكر الله فيها من أسمي معاني الهجرة والصوم هجرة, لأنه جنة, وروح المؤمن تهاجر فيه فلا ترفث ولاتفسق, ولاتقول الزور أو تعمل به, حيث تعتصم بالتقوي والطهر, والحج هجرة, لأنه يهدم ماكان قبله, وجوانبه المشرقة المطيعة تدعم آيات الهجرة يقول الله عز وجل فلا رفث ولافسوق ولاجدال في الحج وما تفعلوا من خير يعمله الله والزكاة هجرة عما نهي الله عنه من الشح والبخل يقول سبحانه: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم:.. و الصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار. وليعلم المسلمون أنهم ينصرون بإقامة فرائض الله, والاقتداء بسنة رسوله, والتمسك بخلقه العظيم وأنهم بذلك يحققون هدي الهجرة.. وجماع الأمر قول الرسول صلي الله عليه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر مانهي الله عنه. وقوله: إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امريء ما نوي, فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله فهجرته إلي الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلي ماهاجر إليه, والحق بعد هذا كله أننا نستطيع أن نهاجر بالجهاد الأكبر, وهو جهاد النفس والشهوات, ونستطيع أن نهاجر بتطهير النفس, وإعدادها للحياة الكريمة, والتزامها بالحقوق والواجبات, واحترام المواطنة, وحماية الوحدة الوطنية, وتقديم البر والعدل إلي الذين لم يقاتلونا في الدين, ويعيشون معنا في محبة ومودة وسلام وأمن, وبقدر النية والإخلاص في ذلك تكون منزلة المؤمن وصورته النقية.. إن حياتنا الآن تدعو إلي الهجرة التي ترضي الله ورسوله بقوة وطهر وإخلاص, لنتخلص من كل مانعانيه, ونزيح الأشواك, ونسد الثغرات, ولابد أن نعتصم بالصبر والحق, ولامفر من التضحيات, نقبل عليها في إيمان وثقة, ونتنازل عن كثير من صور الترف والبذخ.. وإذا رجعنا إلي ديننا السمح, ونبذنا الأثرة, والأنانية والفرقة والانقسام, ونصرنا دعوة الحق, ونهجنا منهج الاستقامة, حققنا أعظم ثمرات الهجرة