يبدو برلمان 2015 مختلفا.. فلا مجال فيه للوجاهة، والاحتماء بالحصانة، ، والمجاملات، ومخالفة القانون كما كان من قبل.. فخلال ساعات، سينتخب المصريون مجلس النواب الجديد، الذى يأتى فى ظروف مختلفة، ، وعليه تقع مهام تشريعية جسيمة، فالكثير من مواد الدستور، تحتاج إلى قوانين مكملة لها، ولكن هناك أولويات تشريعية يجب أن يبدأ بها النواب الجدد.. »تحقيقات الأهرام« رصدت الأولويات التشريعية العاجلة لمجلس النواب الجديد.. وقبل الحديث عن الأولويات تبدأ الدكتورة فوزية عبد الستار أستاذ القانون الجنائى بكلية الحقوق جامعة القاهرة والرئيس الاسبق للجنة التشريعية فى مجلس الشعب- حديثها بالسؤال عن موقف مجلس النواب الجديد من جميع القرارات بقوانين التى صدرت أخيرا، والتى يجب أن يفصل فيها المجلس خلال 15 يوما من تاريخ انعقاده، مطالبة بمناقشة هذه القرارات بقوانين، وتستمر إذا وافق الأعضاء عليها، فإذا تم رفضها فإننا هنا بصدد زوال ما كان لها من أثر، أو بمعنى آخر تزول هذه القوانين باثر رجعى وكأنها لم تكن، ولكن للمجلس الحق فى الإبقاء على الآثار التى ترتبت عليها، والحل هنا فى تصوري- أن يختار المجلس من بين هذه القوانين أكثرها فاعلية وأهمية ويبدأ فى مناقشتها خلال 15 يوما، أما بقية القوانين، فيمكن أن يوافق المجلس عليها بمناقشة محدودة أو بغير مناقشة، ويترك الأمر للمستقبل لدراسة هذه القوانين، ومن ثم يقضى بتعديلها أو إلغائها، أو الإبقاء عليها كما هى وفقا لما يتراءى للأعضاء. نأتى إلى الأولويات، وهنا تقول الدكتوره فوزية عبد الستار، إن مصر بعد أن قامت بثورة مجيدة فى 30 يونيو، وبعد أن استردت كرامتها وريادتها للمنطقة العربية، لابد على برلمانها الجديد أن يبدأ فور انعقاده- فى مراجعة بعض الأنظمة والتشريعات القائمة ، ويأتى على رأس الأولويات، ضرورة إصدار قانون للاستثمار، بما يتواكب مع طموحات ورؤية الرئيس والأجهزة المعنية، بجذب استثمارات جديدة، بما يسهم فى زيادة الناتج المحلى ، ويحل مشكلة البطالة، من خلال قانون يتجاوز العقبات الإدارية التى تواجه المستثمرين، وتقدم التسهيلات لهم، ويجب أن يلحق به قانون للتحكيم لتيسير التقاضى فى مجال الاستثمار. يضاف إلى ذلك، أهمية تعديل قوانين التعليم، فمصر بحاجة إلى إعادة نظرة شاملة فى العملية التعليمية بجميع جوانبها (المعلم، والتلميذ، والمناهج، والنظام الدراسى) ويجب تشكيل لجان متخصصة فى المجالات المعنية وذات التأثير فى العملية التعليمية، على أن تنطوى المناهج بعد تعديلها على مواد للتربية الوطنية، لتعميق الانتماء الوطني، ومكافحة الإرهاب، وتنمية مهارات التفكير والإبداع لدى الطلاب، بعيدا عن الحفظ والتلقين، وإضافة مواد للتربية الأسرية، لمواجهة ارتفاع حالات الطلاق، وتوعية أفراد الأسرة بحقوقهم وواجباتهم، وترسيخ قيم البر بالوالدين، ومواجهة تسرب الأطفال من التعليم. ومن الضرورى إصدار قانون لمكافحة جرائم الانترنت، التى فاقت الحدود والتصورات، بعد أن شاعت جرائم الشائعات، وتشجيع الإلحاد، والمفاهيم المتطرفة، والخاطئة عن الدين، ومع أنه يمكن معاقبة مرتكبى هذه الجرائم بنصوص قانون العقوبات، إلا أن هناك حاجة ماسة لقانون عام يتضمن جميع جرائم الإنترنت للحد منها، مؤكدة أنه لابد من من إصدار قوانين لإنقاذ الطفولة المشردة، وحماية الأسرة من التفكك، والجريمة، خاصة إذا علمنا أن لدينا 3 ملايين طفل مشرد فى الشارع، وقد يقول البعض إنه يمكن تفعيل قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996، وهنا نؤكد أن القانون المذكور لم يحقق الهدف منه، ولم يتم تفعيله ، ومن ثم نحن بحاجة ماسة لإصدار قانون لإنقاذ الطفولة، فأطفال الشوارع يمثلون قنابل موقوتة فى المستقبل. وبشكل عام، فإن القوانين العاجلة التى يلزم عرضها على مجلس النواب المقبل ، والبدء بها كما يقول الدكتور أنس جعفر أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة بنى سويف ونائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق- فتشمل ضرورة وضع اللائحة الداخلية لتنظيم العمل بالمجلس، حيث تنص المادة رقم 118 من الدستور على أن يضع مجلس النواب لائحته الداخلية لتنظيم العمل به، وكيفية ممارسته لاختصاصاته، والمحافظة على النظام بداخله، والتى تصدر بقانون،، أما القانون الثانى الذى يجب أن يمنحه المجلس أولوية فى مهامه التشريعية بعد انتخابه- هو قانون حماية نهر النيل والثروة المائية، لوقف الإهدار الشديد فى موارد المياه ، والحفاظ عليها ، والتى أصبحت تمثل مسألة حياة أو موت، فى ظل ندرة المياه، والتحديات التى تواجه مصر فى المستقبل فى هذا المجال. تنظيم الجامعات ومن الأهمية إصدار قانون تنظيم الجامعات، فالقانون بشكل عام- يمثل ظاهرة اجتماعية ولا يستمد وجوده من ذاته، بل من الظروف الواقعية للحياة بمختلف جوانبها، وإذا كانت تلك الظروف متغيرة ومتطورة ، فالقانون يجب أن يكون كذلك، بحيث يواكب التطورات والتغيرات، ويتوافق مع المصالح المشروعة لمن يعيشون فى المجتمع، مؤكدا أن قانون تنظيم الجامعات الحالى رقم 47 لسنة 1972 قد صدر منذ أكثر من 43 عاما، وقد تغيرت الظروف فى المجتمع طوال تلك السنوات، كما طرأت العديد من المتغيرات الدولية، والإقليمية ، والمحلية، ما جعل أحكام هذا القانون تبدو خارج إطار الزمن الذى نعيشه، يضاف إلى تلك الأولويات التشريعية لمجلس النواب المقبل، ضرورة إصدار قانون جديد للإدارة المحلية، حيث صدر القانون الحالى عام 1979 برقم 43، وأدخلت عليه العديد من التعديلات، وهذا القانون له من الأهمية بمكان داخل المجتمع، لأنه يمثل العمود الفقرى للإدارة، لأنه إذا كان بالإمكان الحكم عن بعد من القاهرة، فلا يمكن أن ندير إلا عن قرب، ومن ثم يجب وضع قانون عاجل للإدرة المحلية، التى دخلت طى النسيان منذ عام 2011، وينبغى أن يقوم هذا القانون المقترح على 4 أسس وهى تقسيم إدارى للدولة ، بما يحدد نطاق الوحدات المحلية على كل مستوياتها، ويتكون لكل منها الشخصية الاعتبارية، ومجالس شعبية منتخبة تمثل المواطنين تمثيلا حقيقيا، واختصاصات محلية واضحة، وتحديد العلاقة بين المحليات والسلطة المركزية، تحديدا لا يسمح بأى لبس أو غرض، وكذلك تمويل مالى متاح ومقنن. أما القانون الرابع، الذى ينبغى وضعه على قائمة أولويات التشريع، فهو قانون حق الحصول على المعلومات وتداولها، حيث يعد حق المواطن فى الحصول على المعلومات، ضمن الجيل الجديد من الحقوق والحريات العامة، وبالرغم من حداثة هذا الحق فى العديد من الدول خاصة النامية، وترجع أهمية صدور قانون يكفل حق الحصول على المعلومات وتداولها، إلى رفع كفاءة الجهاز الحكومى وتحسين أدائه، عن طريق تداول المعلومات بين المواطنين، لضمان مراقبة الجهاز الحكومى ومحاسبته، وكذلك تشجيع مناخ الاستثمار وحماية فرص المستثمر فى العمل، فى بيئة شفافة تسمح بالإطلاع على المعلومات، والقرارات التى تهمهم، وتحقيق الشفافية والوضوح، وتوفير أداة للحكم الرشيد، والديمقراطية الحقة، وتدعيم التنمية المحلية ، ويجب أن يكون لهذا القانون أولوية تطبيقا لنص المادة 68 من الدستور الحالي، والتى تنص على أن، المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عن مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها. زراعة ونقل الأعضاء وينبغى كما يقول الفقيه الدستورى د. أنس جعفر- أن يعمل البرلمان القادم على إصدار قانون زراعة ونقل الأعضاء والتبرع بها، وكذلك الإسراع فى إصدارقانون العمل، لاسيما أن القانون الحالى لا يتفق مع مناخ الاستثمار الحالي، ولا يؤكد حقوق العمل بوضوح ، ولا التزامات رب العمل، ويجب أن يتضمن الحد الأدنى لأجر العامل. ويجب العمل على إصدار قانون الطفل بما يتمشى مع المادة رقم 80 من الدستور، وقانون التأمين الصحى ليشمل جميع المواطنين فى مصر، وكذلك قانون الإجراءات الإدارية أمام مجلس الدولة، حيث إن المجلس منذ إنشائه فى عام 1946 ، وإلى الآن، لا يوجد قانون للإجراءات والمرافعات الإدارية على غرار القوانين الموجودة فى دول أوروبية كفرنسا ، وفى دول عربية كالمملكة العربية السعودية، ومازال مجلس الدولة يطبق قانون المرافعات المدنية والتجارية، والذى لا يتفق مع المنازعات الإدارية، وفى تقديرى تمثل هذه القوانين مجتمعة إذا تم العمل عليها بشكل عاجل- مع انتخاب مجلس النواب الجديد- بداية حقيقية لنهضة تشريعية، تصب فى النهاية فى مصلحة الوطن والمواطنين. فى تقديري- والكلام للدكتور صلاح الدين فوزى أستاذ ورئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة المنصورة وعضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي- فإن أول مهمة ينبغى أن ينجزها مجلس النواب القادم هى إعداد اللائحة الداخلية للمجلس، ولائحة شئون موظفيه، والسؤال الذى يطرح نفسه: هل يلتزم المجلس بمناقشة القرارات بقوانين التى سبق أن أصدرها رئيس الجمهورية الانتقالى المستشار عدلى منصور، ومن بعده الرئيس السيسي؟.. وهنا أرى والكلام مازال للدكتور صلاح الدين فوزي- أنه غير ملزم بذلك دستوريا، لأن القرارات بقوانين صدرت فى مرحلة »غياب الحياة النيابية فى مصر« ، وبالتالى فإن المادة رقم 156 المتعلقة بعرض القوانين، ومناقشتها ، والموافقة عليها خلال 15 يوما، هى معنية بأن البرلمان فى إجازة أو فى حالة الحل، وإذا افترضنا أن مجلس النواب القادم لم يوافق على قانون الانتخابات الرئاسية، أو قانون انتخاب النواب،أو أى من القوانين الأخري، فليس من المنطقى رفض القانون وإلغاء الآثار المترتبة عليه، ومن ثم فإنه فى حالة غياب الحياة البرلمانية لا لزوم لعرض القرارات بقوانين على المجلس قبل تكوينه، وهذا لا يحول دون ممارسة أعضاء البرلمان لمهامهم فى إلغاء القوانين أو تعديلها بالإجراءات المعتادة وليس المادة رقم 156من الدستور. الكنائس والعدالة الانتقالية ومن أولويات مجلس النواب القادم- كما يقول د. صلاح الدين فوزي- إصدار قانون بناء وترميم الكنائس والذى ورد بالمادة 235 من الدستور، ثم قانون العدالة الانتقالية والذى ورد بالمادة 241 من الدستور ، ويشمل كشف الحقيقة، ومحاسبة المخطئين، واقتراح أسس المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، كما ينبغى أن يتولى مجلس النواب بحسب المادة 239 من الدستور- إصدار قانون تنظيم ندب القضاة، بما يضمن إلغاء الندب الكلى والجزئى فيما لا يتجاوز 5 سوات من تاريخ نفاذ الدستور، فضلا عن تعديل قانون الاستثمار ، لزيادة مدة حق الانتفاع عن 30 عاما، لجذب المستثمرين وكذلك العمل على إصدار قانون التعليم دون الجامعي، مؤكدا أن مجلس النواب القادم لابد أن يمارس وظيفة الرقابة على أعمال الحكومة، وترسيخ أسس التعايش بين الحكومة والبرلمان، ولا خشية من اقتسام السلطات والصلاحيات بين الرئيس والبرلمان، لتحقيق المصلحة العليا للوطن، والمواطن.