لم يكن مفهوم «مصر الجديدة» الذى أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسى لدى توليه السلطة مقتصرا فقط على إحداث قفزة فى تطوير وتنمية الأوضاع الداخلية بمصر، بل كان مفهوما شاملا يستهدف أيضا تحقيق توجه جديد فى السياسة الخارجية المصرية، وتوظيفها فى خدمة التنمية الاقتصادية التى تحقق بدورها الاستقرار السياسى والاجتماعى داخل البلاد. وكان لسياسة «الاتجاه شرقا»- وهى الاستراتيجية التى انتهجها الرئيس من خلال زيارته لكل من روسياوالصينوسنغافورة - بالغ الأثر فى تأسيس علاقات دولية متوازنة بدرجة أكبر، فضلا عن دعم علاقات مصر الاقتصادية مع دول باتت مؤثرة فى السياسات المالية العالمية، بعد أن نجحت فى إنجاز التنمية السياسية والاقتصادية فى ظروف تشابه تلك التى تمر بها مصر حاليا، وتمكنت من تحقيق قفزات اقتصادية قوية فى فترة قصيرة. ومن شأن دعم التعاون مع هذه الدول أن ينعكس بدوره على جذب الاستثمارات لمصر، ونقل التكنولوجيا والتجارب الناجحة فى الإدارة، وخلق تنمية اقتصادية شاملة. وقد كان من أبرز نتائج زيارة الرئيس الأخيرة لروسيا، التى أجرى خلالها لقاءات مكثفة مع عدد كبير من المسئولين والوزراء، فضلا عن رئيس الدولة فلاديمير بوتين، تفعيل التعاون بين مصر وروسيا فى مجال التصنيع من خلال إقامة مشروعات صناعية جديدة فى مناطق محددة تهدف لتلبية متطلبات السوق المحلية المصرية، بل والتصدير إلى الأسواق الخارجية ، بالإضافة إلى بدء الخطوات الفعلية لإقامة منطقة صناعية روسية فى منطقة قناة السويس فى إطار تصور واضح لتنفيذ استثمارات ملموسة ، فضلا عن تعزيز التعاون فى المجال الزراعى ، خاصة فيما يتعلق بسبل زيادة الصادرات الزراعية المصرية إلى روسيا. كما تم الاتفاق على قيام وفد روسى بزيارة مصر من أجل التباحث بشأن أفضل البدائل المطروحة لإقامة منطقة صناعية تحقق المصلحة المشتركة للبلدين وتتيح المزيد من فرص العمل وتشغيل الشباب. ولم تقتصر نتائج الزيارة على الشق الاقتصادى فقط ، بل تضمنت أيضا الجانب التكنولوجى والعسكرى من خلال التشاور حول تفعيل التعاون فى مجال الطاقة من خلال إنشاء محطة للطاقة النووية السلمية بتكنولوجيا روسية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون العسكرى بين البلدين. وحول الجانب السياسي، كان لزيارة الرئيس نتائج إيجابية فى توافق الرؤى حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها سبل تفعيل خطوات ملموسة لتحقيق تسوية سياسية فى الأزمة السورية وفقا لاتفاقية جنيف، والتأكيد على محورية القضية الفلسطينية لتحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط ،وبحث آخر التطورات فى العراق واليمن وليبيا. وقد سمحت اللقاءات التى تمت خلال زيارة الرئيس السيسى لموسكو باستكشاف المجالات التى يمكن التعاون فيها بين البلدين، لاسيما مجالات البحث والاستكشاف والتنقيب عن البترول والغاز، حيث التقى الرئيس برئيس شركة «روزنافت» استعرض خلاله تفعيل سبل التعاون مع الشركة فى مجال البحث والتنقيب عن البترول، حيث تعد الشركة من كبرى الشركات على مستوى العالم فى هذا المجال. وكان ضمن نتائج اللقاء توقيع بروتوكول تعاون بين الشركة ووزارة البترول المصرية للتدريب فى قطاع البترول، فضلا عن بحث زيادة نشاط الشركة فى منطقة محور قناة السويس. ومن روسيا إلى سنغافورة التى تعد المحطة الآسيوية الأولى للرئيس بعد زيارته لموسكو، حيث تعتبر أول زيارة لرئيس مصرى لهذا البلد الذى يعد رابع تصنيف مالى فى العالم، ومن أكثر دول العالم جذبا للاستثمارات . ومن أبرز نتائج زيارة الرئيس السيسى لسنغافورة الاتفاق مع شركة «هاى فلوكس» الرائدة فى مجال تحليل المياه ومعالجة مياه الصرف الصحى على مستوى العالم، على بحث سبل قيام الشركة بإنشاء محطات لتحلية المياه فى مصر. وتم الاتفاق على قيام الشركة بتقديم العروض المتكاملة فورالانتهاء من إعداد الدراسات البيئية، كما تم بحث إمكانية قيام الشركة بالمساهمة فى معالجة التلوث وتحسين نوعية المياه فى عدد من الترع والمصارف، خاصة مصرف «كوتشنر» فى محافظة الغربية. وأيضا توقيع مذكرة تفاهم بين هيئة قناة السويس وشركة «هاى فلوكس» تقوم بموجبها الشركة بإعداد الدراسات الفنية والمالية والاقتصادية لإنشاء محطة متكاملة لإنتاج المياه والكهرباء بمنطقة العين السخنة. وفى الصين، حيث كانت زيارة الرئيس السيسى الثانية للتنين الأصفر، لتلبية دعوة الرئيس الصينى شى جينبينج لحضور احتفالاتها بذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد استغل الرئيس الزيارة لمتابعة ما تم توقيعه من اتفاقات ومذكرات تفاهم مع الجانب الصينى خلال زيارته الأولى نهاية العام الماضي، لا سيما اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين التى تهدف إلى تدعيم العلاقات فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، فضلا عن الوقوف على معدلات تنفيذ مذكرات التفاهم فى مجالات الطاقة الكهربائية والنقل البحرى والبرى والجوي. وخلال القمة الثنائية الثانية من نوعها بين الرئيس السيسى ونظيره الصيني، أعرب جينبينج عن اهتمام بلاده بالفرص الاستثمارية الواعدة التى تتيحها مصر، وأشار إلى أن الحكومة الصينية تشجع المستثمرين ورجال الأعمال الصينيين على الاستثمار والتصنيع فى مصر واستشراف مجالات جديدة للعمل والتعاون. وشهد الرئيسان التوقيع على اتفاقيةٍ إطارية للتعاون فى مجال الطاقة الإنتاجية، واتفاقية بين بنك التنمية الصينى والبنك الأهلى المصرى لتقديم قرض بقيمة 100 مليون دولار لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة. كما شهدت الزيارة توقيع أول مذكرة تفاهم حول العاصمة الإدارية الجديدة، مع الشركة الصينية العامة للهندسة الإنشائية، والتى بموجبها أبدت الشركة الصينية الاهتمام مع الشريك المصرى فى دراسة إمكانية إنشاء جزء من المرحلة الأولى من العاصمة الجديدة، على أن تقوم البنوك الصينية بتمويل أعمال الشركة فى المشروع. وقد وقع المذكرة من الجانب المصرى وزير الاستثمار. وخلال الزيارة، اتفق الرئيس السيسى مع رئيس الوزراء الصينى لى كه تشيانج، على مواصلة اللجنة الرباعية المشتركة بين مصر والصين، التشاور والتنسيق بشأن سبل تنفيذ جميع ما تم التوصل إليه بين الجانبين من مشروعات مشتركة وما تم توقيعه من اتفاقيات. ودعا الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال اللقاء، المستثمرين الصينيين إلى زيادة استثماراتهم فى مصر، متعهدا بتذليل جميع العقبات وتسهيل الإجراءات المطلوبة لتنفيذ مشروعاتهم، وكذلك الالتزام بتنفيذ جميع الالتزامات التعاقدية بشكل كامل مع الشركات الصينية وغيرها من الشركات العالمية. وفى لقائه مع رؤساء 25 شركة وبنكا صينيا يعملون فى مصر، طلب الرئيس من المستثمرين الصينيين، ضخ استثماراتهم فى المناطق الصناعية بمحور تنمية قناة السويس. ومن المنتظر أن تشهد العلاقات بين البلدين دفعة جديدة من خلال الزيارة المرتقبة للرئيس الصينى مطلع العام المقبل، والتى تتزامن مع عام الثقافة المصرية الصينية 2016. كما أنه من المنتظر أن تشهد العلاقات المصرية الآسيوية بصفة عامة مزيدا من الزخم، من خلال زيارة الرئيس السيسى المرتقبة إلى كل من اليابان وكوريا الجنوبية قبل نهاية العام الجاري، وهى الزيارة التى ستفتح آفاقا جديدة للتعاون مع دولتين من أكبر الاقتصاديات العالمية، حيث تتطلع مصر إلى نقل التجارب الناجحة للبلدين فى الصناعة والتعليم.