يعد ملف «التنمية الاقتصادية» عنوان الجولة الخارجية التى اتجه خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسى شرقا، والتى تمثلت مرحلتها الأولى فى زيارته لروسيا ، ثم جاءت المرحلة الثانية لجولته الآسيوية، لتشمل كلا من سنغافورةوالصين وإندونيسيا. وقد ركز الرئيس خلال هذه الجولة على توظيف سياساته الخارجية فى توضيح صورة مصر للعالم، وذلك لخدمة التنمية الاقتصادية. واللافت للنظر فى زيارات الرئيس الخارجية أن عدد ساعات العمل وكثافة اللقاءات التى يجريها الرئيس قد تستمر معظم ساعات اليوم دون كلل، فالطيران استغرق خلال الزيارات الأربع الأخيرة نحو 40 ساعة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، خلال 10 أيام قضاها الرئيس ومعاونوه والوفود الإعلامية بتلك الدول. وخلال زيارته إلى العاصمة الروسية موسكو، أجرى الرئيس لقاءات مكثفة مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء وعدد من الوزراء والمسئولين. وكانت أبرز الملفات على أجندة الرئيس فى القمة التى عقدها مع الرئيس الروسى هى تعزيز التعاون فى مختلف المجالات الاقتصادية، ومجال الطاقة؛ حيث تم بحث التعاون فى إنشاء محطة لإنتاج الطاقة النووية السلمية وتفعيل مبادرات التعاون بين الجانبين، لتحويلها إلى خطوات ملموسة، فضلا عن بحث القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها الأزمة السورية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون العسكرى بين البلدين. وكان من بين أبرز نتائج القمة أيضا بحث بدء الخطوات الفعلية لإقامة منطقة صناعية روسية فى منطقة قناة السويس فى إطار تصور واضح لتنفيذ استثمارات ملموسة. كما تضمنت مباحثات القمة بحث القضايا الإقليمية، وتأكيد محورية القضية الفلسطينية لتحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط وبحث آخر التطورات فى العراق واليمن وليبيا. وقد استهل الرئيس السيسى لقاءاته فى موسكو بعقد لقاء مع كل من دينيس مانتوروف وزير الصناعة والتجارة الروسي، وكيريل ديمترييف رئيس صندوق الاستثمار الروسى المباشر. والتقى الرئيس السيسى أيضا بأركادى دوفور كوفيتش نائب رئيس الوزراء الروسى . واختص الرئيس ملف إنشاء محطة طاقة نووية فى مصر بإجراء مباحثات أخرى مع رئيس شركة «روزأتوم» العاملة فى مجال بناء المحطات النووية، وتناول اللقاء العرض الذى كان قد قدمه رئيس مجلس الإدارة لإنشاء محطة طاقة نووية مصرية لإنتاج الكهرباء أثناء زيارته مصر فى يونيو الماضي. واختتمت هذه المباحثات بين الجانبين بالاتفاق على مواصلة التشاور والتنسيق خلال المرحلة المقبلة حول عدد من الجوانب الفنية والمالية، فى إطار حرص مصر على اختيار أفضل الخيارات لإنشاء محطة الطاقة النووية. وسمحت اللقاءات التى تمت خلال زيارة الرئيس السيسى موسكو باستكشاف المجالات التى يمكن التعاون فيها بين البلدين، لاسيما مجالات البحث والاستكشاف والتنقيب عن البترول والغاز، والتقى الرئيس برئيس شركة «روزنافت» استعرض خلاله تفعيل سبل التعاون مع الشركة التى تعد من كبريات الشركات على مستوى العالم . وكان ضمن نتائج اللقاء توقيع بروتوكول تعاون بين الشركة ووزارة البترول المصرية للتدريب فى قطاع البترول، فضلا عن بحث زيادة نشاط الشركة فى منطقة محور قناة السويس. كما أجرى الرئيس عبدالفتاح السيسى حديثا تليفزيونيا مع القناة الأولى الروسية، تناول فيه تطور العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، ووجود فرص كبيرة للاستثمار فى منطقة محور قناة السويس، كما كشف السيسى عن طرح مصر منطقتين شمال وجنوب قناة السويس لإقامة المنطقة الصناعية الروسية فى مصر. وفى ختام زيارته موسكو، قام الرئيس بزيارة المركز الوطنى للتنسيق التابع لوزارة الدفاع الروسية، وكان فى استقباله وزير الدفاع الروسى وعدد من القادة العسكريين الروس. ومن روسيا إلى الجولة الآسيوية التى استهلها الرئيس بزيارة سنغافورة ، حيث قام خلال اليوم الأول من الزيارة بجولة داخل مركز الوئام الديني، الذى تم افتتاحه عام 2006 بمبادرة من مجلس الشئون الإسلامية واستمع من مسئولى المركز إلى شرح مفصل عن أهدافه. وعقب ذلك، قام الرئيس بزيارة إحدى محطات تحلية المياه التابعة لشركة «هاى فلوكس» الرائدة فى مجال تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحى على مستوى العالم. وعقد الرئيس جلسة مباحثات مع أوليفا لوم الرئيس التنفيذى للشركة وعدد من كبار مسئوليها تم خلالها بحث سبل قيام الشركة بإنشاء محطات لتحلية المياه فى مصر. وتم التوقيع على مذكرة تفاهم بين هيئة قناة السويس وشركة «هاى فلوكس» . وفى اليوم الثانى للزيارة، عقد الرئيس قمة ثنائية مع نظيره السنغافورى تونى تان داخل قصر الآستانة لبحث سبل الاستفادة من الخبرة السنغافورية فى عدد من المجالات، ومن بينها تحلية ومعالجة المياه، وتطوير الموانئ. كما التقى الرئيس أيضا رئيس الوزراء السنغافورى «لى هزين لونج»، وتناول اللقاء ترجمة العلاقات التاريخية بين البلدين إلى خطوات عملية جادة للتعاون والعمل المشترك فى عدد من المجالات ذات الأهمية الحيوية، على رأسها أهمية الاستثمار فى الكوادر البشرية عبر التعليم والتدريب الجيد. كما التقى الرئيس كبار المستثمرين ورجال الأعمال ورؤساء كبريات الشركات السنغافورية ، استعرض خلاله فرص الاستثمار فى مصر وخاصة فى منطقة محور قناة السويس، والتعريف بأحدث الإجراءات والخطوات التى اتخذتها الحكومة المصرية لتذليل العقبات أمام المستثمرين. وفى ختام اليوم الثانى للزيارة، أجرى الرئيس حديثا مطولا لقناة آسيا الإخبارية، أشار الرئيس فيه إلى أن تيار الإسلام السياسى كانت لديه فرصة للمشاركة فى الحياة السياسية إلا أن أيديولوجيته اصطدمت بالواقع. وقبيل توجهه إلى الصين المحطة الثانية فى جولته الآسيوية، اختتم الرئيس زيارته لسنغافورة بجولة داخل ميناء سنغافورة حيث اطلع على آليات العمل فى واحد من أكبر وأهم الموانئ فى العالم. وعلى الرغم من أن زيارة الرئيس إلى الصين كانت أقرب إلى الزيارات البروتوكولية لحضور احتفال ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلا أن جدول أعمال الرئيس كان مزدحما، حيث انتهز الفرصة لعقد قمة هى الثانية من نوعها مع الرئيس الصينى شى جينبينج، الذى أعرب خلالها عن اهتمام بلاده بالفرص الاستثمارية الواعدة التى تتيحها مصر، وأشار إلى أن الحكومة الصينية تشجع المستثمرين ورجال الأعمال الصينيين على الاستثمار والتصنيع فى مصر واستشراف مجالات جديدة للعمل والتعاون. وشهد الرئيسان التوقيع على اتفاقيةٍ إطارية للتعاون فى مجال الطاقة الإنتاجية، واتفاقية بين بنك التنمية الصينى والبنك الأهلى المصرى يتم بموجبها تقديم قرض بقيمة 100 مليون دولار لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ولعل أهم نتائج زيارة الصين هى توقيع أول مذكرة تفاهم حول العاصمة الإدارية الجديدة، مع الشركة الصينية العامة للهندسة الإنشائية، والتى بموجبها تبدى الشركة الصينية الاهتمام مع الشريك المصرى فى دراسة إمكانية إنشاء جزء من المرحلة الأولى من العاصمة الجديدة، على أن تقوم البنوك الصينية بتمويل أعمال الشركة فى المشروع. وخلال لقاء الرئيس برئيس الوزراء الصينى لى كه تشيانج، اتفقا على مواصلة اللجنة الرباعية المشتركة بين مصر والصين- والتى تضم من الجانب المصرى وزيريّ التجارة والصناعة والاستثمار ومن الجانب الصينى وزير التجارة وأمين لجنة الإصلاح والتنمية- التشاور والتنسيق بشأن سبل تنفيذ جميع ما تم التوصل إليه بين الجانبين من مشروعات مشتركة وما تم توقيعه من اتفاقيات. ودعا الرئيس عبدالفتاح السيسى المستثمرين الصينيين إلى زيادة استثماراتهم فى مصر، متعهدا بتذليل جميع العقبات وتسهيل الإجراءات المطلوبة لتنفيذ مشروعاتهم. وخلال لقائه مع رؤساء 25 شركة وبنكا صينيا تعمل فى مصر، طلب الرئيس من المستثمرين الصينيين ضخ استثماراتهم فى المناطق الصناعية بمحور تنمية قناة السويس، مؤكدا أن مصر ستعمل جاهدة على تطوير البنية الأساسية لهذه المنطقة، ووعدهم بتذليل أى مصاعب وسرعة انجاز مشروعاتهم، وقد أشادوا بتحسن مناخ الاستثمار فى مصر خلال السنتين الأخيرتين، كما أكدوا أهمية قناة السويس الجديدة التى وصفوها بأنها إحدى العجائب، وأنها سوف تكمل مبادرة الرئيس الصينى بإحياء طريق الحرير. وخلال العرض العسكرى لعيد النصر، التقى الرئيس بعددٍ من رؤساء الدول والحكومات، الذين حضروا الاحتفال، حيث تم استعراض أهم جوانب العلاقات الثنائية مع دولهم، وهو العرض الذى شارك فيه ألف جندى من 17 دولة تنتمى لجميع القارات، بينها سرية حرس شرف مصرية مكونة من 81 ضابطا وصفا ومجندا، وكانت مصر هى الدولة العربية والشرق أوسطية والإفريقية الوحيدة التى شاركت بتشكيل فى هذا العرض العسكرى التاريخي، وهى المرة الأولى التى تشارك فيها قوات مصرية فى مثل هذا الحدث. كما التقى الرئيس السيسى رئيسة مجلس إدارة شركة هواوى الصينية للاتصالات، والتى أكدت ان شركتها تسعى بكل جد الى زيادة استثماراتها فى مصر. وقد اجتمع الرئيس مع الرئيس السودانى عمر البشير، على هامش زيارة الصين، وبحثا القضايا الإقليمية واتفقا على تفعيل دور اللجنة العليا المشتركة بين البلدين خلال الفترة المقبلة. ثم خلال زيارة الرئيس التاريخية إلى إندونيسيا بعد 32 عاما من انقطاع الزيارات الرئاسية وهى الزيارة التى اختتم بها الرئيس السيسى جولته الآسيوية عقد مع نظيره الإندونيسى جوكو ويدودو قمة ركزت على ضرورة التنسيق المشترك من خلال المحافل الدولية لمكافحة الإرهاب ودحره، واستعادة قيم الإسلام السمحة وتعاليمه التى تتصف بالرحمة والسلام. وأكد الرئيسان ضرورة تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين البلدين من أجل استعادة وتقوية العلاقات التاريخية التى تربط بين البلدين. وشهد الزعيمان مراسم التوقيع على مذكرتى تفاهم بين مصر وإندونيسيا، بشأن إعفاء حاملى الجوازات الدبلوماسية والمهمة والخاصة من تأشيرة الدخول بالنسبة للبلدين، وحول التعاون فى مجال تدريب الدبلوماسيين. وقبل مغادرة إندونيسيا إلى أرض الوطن، قام الرئيس بزيارة مهمة إلى مقر الأمانة العامة للتجمع الاقتصادى لدول جنوب شرق آسيا «الآسيان»، والذى يعد الراعى الأساسى للتقدم الاقتصادى لدول النمور الآسيوية، حيث التقى بسكرتير عام التجمع، وبحث معه سبل تعزيز التعاون والتنسيق بين مصر ودول الآسيان على الصعيد الاقتصادي.