طوفان بشرى يقف على شواطيء أوروبا ويسبح فى مياه البحر المتوسط فى "قوارب الموت" وأمام الأسلاك الشائكة على الحدود، ينتظر دوره فى الدخول إلى أرض الأحلام الجديدة "القارة العجوز". يحتار الأوروبيون فى توصيف البشر الزاحفين، فى أكبر موجة هجرة جماعية منذ الحرب العالمية الثانية، هل هم مهاجرون أم لاجئون أم طالبو لجوء أم أنه تسربت بينهم عناصر إرهابية؟ المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة قامت بالتفريق بين اللاجيء الذى اضطر إلى الهرب بسبب تهديد بالملاحقة أو لأنه يفتقد للحماية فى بلده، والمهاجر الذى يترك بلاده لأسباب لا تتعلق بالملاحقة، وإنما بالبحث عن عمل أو للاتحاد مع العائلة أو للدراسة، ويتمتع بحماية بلاده حتى عندما يكون خارجها، وطالب اللجوء الذى يهرب من الملاحقة وانتهاكات حقوق الإنسان الشديدة وأضرار أخرى، وكل طالبى اللجوء هم لاجئون محتملون حتى يتم النظر فى قضيتهم من قبل وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أو حكومة الدولة التى لجأوا إليها. أما الاحتمال الرابع فهو أن يكون إرهابيا متخفيا ينتمى إلى داعش فر من أجل تنفيذ تهديدات التنظيم الإرهابى فى تدمير أوروبا بهجمات ضخمة. وعلى الرغم من أن صورة الطفل إيلان الكردى حركت فى أوروبا ما وصف بالمسئولية الأخلاقية لحل أزمة المهاجرين خاصة السوريين والعراقيين، وحركت مشاعر السياسيين بعيدا عن حسابات الانتخابات، فإنها فجرت صراعات ضخمة سواء فى الداخل الأوروبى أو فى العالم بأسره. الجميع متفق سواء أوروبا وأمريكا أو حتى عدوتهم اللدود روسيا أن السبب فيما يحدث حاليا هو "داعش"، وأن هؤلاء المهاجرين يهربون من جحيم التنظيم الإرهابى فى سورياوالعراق إلى البحر حيث المصير الغامض سواء بالغرق أو الموت فى العراء أو فى مراكز الاعتقال أو المأوى، كما أن هناك اتفاقا على ضرورة مواجهة داعش عسكريا إلى جانب التوصل إلى حل سلمى للأزمة السورية. إلا أن قضية المهاجرين فجرت أزمات من نوع آخر مثل الصراع بين الشرق والغرب الأوروبيين بسبب نظام توزيع اللاجئين، وكذلك مخاوف من تسلل إرهابيين أو عودة التكفيريين الأجانب إلى أوروبا من أجل تنفيذ عمليات إرهابية خاصة مع حلول الذكرى 14 لهجمات 11 سبتمبر. وبما أن الهجرة والإرهاب وجهان لعملة واحدة، فإن فرنساوبريطانيا قررتا ضرب التنظيم الإرهابى فى عقر داره الذى يتسع يوما بعد يوم فى سوريا. وأحد أوجه الحل للصراع السورى يتمثل فى توسيع التحالف الدولى الذى تقوده واشنطن ضد داعش فى العراقوسوريا. فالرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند أعلن البدء فى طلعات جوية فوق سوريا لضرب التنظيم خاصة بعد ورود معلومات مخابراتية تؤكد أنه جرى التخطيط من داخل سوريا لهجمات ضد عدة دول خاصة فرنسا. وعلى الرغم من أن بريطانيا تسعى فى المسلك ذاته، فإن ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطانى أكد أنه تم بالفعل تنفيذ هجمات ضد تكفيريين بريطانيين، ووصف هذه الهجمات بأنها كانت "شرعية" و"دفاعا عن النفس" ضد إرهابيين "يديرون الجرائم فى شوارعنا". كاميرون يعتبر العمل العسكرى ضد التنظيم الإرهابى جزءا من "البرنامج الشامل" الذى ينوى تطبيقه لمواجهة أزمة اللاجئين. واتخذت فرنساوبريطانيا هذه الإجراءات فى ظل مطاردة أشباح "شارلى إبدو" و"سوسة" إلى جانب تهديدات داعش المتواصلة. كاميرون يؤمن أن الفراغ السياسى فى شمال سوريا، والذى تملأه عناصر داعش يشكل تهديدا أمنيا لبلاده. لندن ترى أنه كان من الممكن تجنب أزمة الهجرة لو كان مجلس العموم البريطانى قد وافق على ضرب سوريا منذ البداية. وليست فرنساوبريطانيا وحيدتين فى السعى إلى التوصل إلى حل، لكنه ليس عسكريا هذه المرة، بل سياسيا، فقد دعت فيديريكا موجيرينى مسئولة السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى إلى التعامل مع المشكلة من البداية إلى النهاية عن طريق دفع جهود السلام فى سوريا وليبيا والعمل مع دول العبور مثل النيجر. أوروبا تعى جيدا خطورة تسلل إرهابيين إلى أراضيها خاصة مع اعترافات عناصر من عصابات من مهربى البشر بأنها ساعدت مجموعات صغيرة من التنظيم الإرهابى على العبور من جنوبتركيا إلى أوروبا، وأن هؤلاء الدواعش اختبأوا فى سفن شحن بها مئات المهاجرين، وأشاروا إلى أن هناك أكثر من 4 آلاف داعشى فى أوروبا ينتظرون تلقى الأوامر بتنفيذ هجمات، وهو مصدر القلق أيضا الذى حذر منه ريتشارد يور رئيس لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأمريكى من أن داعش سوف يستغل موجة هجرة اللاجئين لدخول أوروبا. "العالم يراقب أوروبا" كما أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فيما يتعلق بالتعامل مع أزمة المهاجرين، وبلغة الأرقام وصل حتى الآن 350 ألف مهاجر إلى أوروبا وتوفى 2600 فى محاولات العبور. القارة العجوز فى اجتماعات أزمة متواصلة من أجل حل أزمتى الإرهاب والهجرة، والتى تتداخلان بشكل كبير، حل واحدة يبشر بإيجاد نهاية للأخرى، وهكذا، فإن من بدأ المأساة يحاول أن ينهيها، وهو بالفعل، المنوط به أن ينهيها!