كشفت قضية رشوة مسئولين كبار بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى على رأسهم الوزير المستقيل العديد من أوجه الفساد المستشرى فى بعض قطاعات ومؤسسات الدولة حتى عجزت فى كثير من الأحيان الأجهزة الرقابية عن ملاحقته مما دعا القيادة السياسية إلى تشكيل لجنة عليا من مختلف الجهات المعنية لمواجهة وكشف الفساد واسترداد حقوق الدولة المنهوبة خاصة الأراضى التى أسندت بالأمر المباشر بأسعار زهيدة، وكانت «الأهرام» فى الفترة القليلة الماضية قد تناولت عدة قضايا عن الفساد التى استجاب لها الرئيس عبدالفتاح السيسى بتحويلها للجهات المعنية بقضايا الفساد، والغريب فى الأمر بعد أن أحبطت «الأهرام» محاولات مافيا وعصابات الأراضى الاستيلاء على مساحة 180 فداناً خلف منطقة «كارفور التجارية» بعقود وأوراق وإشهارات ملكية مزورة يصل سعرها الحالى إلى أكثر من 16 مليار جنيه، قام بعض المسئولين بالهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بتحرير عقود بيع بالأمر المباشر لعدد خمسة أفراد لمساحة 150 فداناً فى شهر مارس الماضى بسعر 32 مليون جنيه فى حين وصل سعرها فى المزاد العلنى الذى أقامه جهاز حماية أملاك الدولة بالإسكندرية أواخر عام 2013 إلى 12 ملياراً و600 مليون ولكن التنمية الزراعية أوقفته بحجة أن الأرض ملكها بالباطل لتبيعها فى مارس الماضى بمبلغ 32 مليونا وتهدر المليارات على خزينة الدولة!؟ ترجع وقائع هذه القضية التى تجسد الفساد - من واقع المستندات الرسمية والمكاتبات بين كبار المسئولين التنفيذيين بمؤسسات الدولة والتى حصلت عليها «الأهرام» إلى أوائل يناير الماضى عندما أرسلت هيئة المستشارين بمجلس الوزراء بناءً على مذكرات من الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، وكتاب مدير المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضى الدولة رقم (2470)، مكاتبة رسمية إلى محافظ الإسكندرية تؤكد فيها أن المساحة محل الخلاف التى تم تجفيفها من بحيرة مريوط «أرض كارفورحالياً» بين التنمية الزراعية والإسكندرية كانت تتبع الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية التابعة لوزارة الزراعة ثم انحسرت عنها المياه وتم تجفيفها نتيجة لمرور الطريق الدولى الساحلى ووفقاً لأحكام المادة الثالثة من القانون رقم 7 لسنة 91 بشأن بعض الأحكام المتعلقة بأملاك الدولة الخاصة فإن هيئة التنمية الزراعية تتولى إدارة واستغلال هذه الأراضى بناءً على رأى المركز الوطنى وأحقيتها فى مساحة (500 فدان) إلا أن هذه المساحة تم إجراء عدة تعاملات عليها من بينها تسليم الإسكندرية 300 فدان لإقامة مشروع مدينة رياضية بناءً على قرار وزير الزراعة ثم قيام المحافظة بإجراء بعض التصرفات القانونية على أجزاء منها، وقامت هيئة التنمية الزراعية بمباشرة بعض التصرفات على مساحة (200 فدان المتبقية) وهذه المكاتبات جرت بعد أن قام جهاز حماية أملاك الدولة بالإسكندرية بالإعلان عن بيع قطع أراضٍ من هذه المساحة فى مزاد علنى طبقاً لقانون المناقصات والمزايدات وقدر حد أدنى لسعر المتر 20 ألف جنيه، ولكن هيئة التنمية الزراعية أوقفت المزاد لتبيع المتر بالأمر المباشر بسعر 50 جنيها، وكان من المقرر أن هذه المساحة ستطرحها الدولة فى المؤتمر الاقتصادى العالمى الذى عقد بشرم الشيخ فى مارس الماضى لإنشاء مدينة طبية عالمية عليها، ولكن الفاسدين فضلوا مكاسبهم الشخصية على مصلحة الوطن وشعبه وأحبطوا المشروع لمصلحة البيزنس. وتطورت الأمور عندما أتى للشهر العقارى بمحرم بك بتاريخ 11 مايو الماضي محام موكل من خمسة أفراد من القاهرة والجيزة بطلبين لإشهار صحيفة «دعوى صحة ونفاذ» ضد الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية البائعة لهم مساحة 150 فداناً لتسجيلها بموجب عقدى بيع مؤرخين فى يوم واحد 11/3/ 2015 لقطعة أرض فضاء كائنة بحوض بحيرة مريوط نمرة 8 قطعتين أصليتين خارج الزمام بإجمالى مساحة للقطعتين (150فداناً ) بسعر 32 مليون جنيه سددت بالكامل كما هو مدون فى عقد بيع الهيئة، وبالرغم من أن وكيل المشترين لم يقدم عقدى البيع موضوع الطلبين لتقديمهما للمحكمة كما ذكر فى طلبى الإشهار فإن الشهر العقارى استلم الطلبين برقمى 173 و174 للشروع فى إجراءات تسجيل الأرض. فساد الكبار يقول طارق محمود المحامى والأمين العام لائتلاف دعم صندوق «تحيا مصر» بالإسكندرية: إن المستندات والمكاتبات المتداولة بين كبار المسئولين التنفيذيين تؤكد أن هناك شبهة تواطؤ واتفاقاً بين المسئولين بالهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية والمركز الوطنى لتخطيط واستخدامات أراضى الدولة وغيرهم بمختلف الجهات المعنية المنوط بها الحفاظ على أراضى الدولة، بدأوا التخطيط فى بيع مساحة 150 فداناً بمنطقة كارفور التجارية بالأمر المباشر بسعر 32 مليون جنيه متجاهلين قانون المزايدات والمناقصات، حيث إنه منذ عام 2013 عندما أعلنت محافظة الإسكندرية عن بيع أربع قطع فى المزاد العلنى من هذه المساحة وصل سعر المتر فى اليوم الأول من المزاد إلى 12 ألف جنيه ولكن المحافظة رفضت وأجلت المزاد لأنها حددت أدنى سعر للمتر 20 ألفاً لتفاجأ بوقف وإلغاء المزاد نهائياً من قبل التنمية الزراعية التى اعترضت بحجة أن الأرض تقع تحت ولايتها وفقاً لأحكام القانون رقم 7 لسنة 1991 الخاص ببعض الأحكام المتعلقة بأملاك الدولة الخاصة مفسرين مواد القانون على أهوائهم، حيث إن المادة الثالثة من القانون التى يستندون إليها تنص على: «أنه فى جميع الأحوال تكون أراضى البحيرات والسياحات التى يتم تجفيفها مناطق استصلاح واستزراع، وتتولى هيئة التنمية الزراعية إدارتها واستغلالها والتصرف فيها، موضحاً أن هذه المساحة تم تجفيفها فعلاً من بحيرة مريوط ولكن لم تكن مناطق استصلاح واستزراع بل أصبحت من أرقى المناطق التجارية داخل كردون محافظة الإسكندرية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الأمر بل إن المسئولين المتواطئين حرفوا مسميات الحوض التى تقع به الأرض، حيث إن اسمه فى جميع سجلات أراضى الدولة «حوض بحيرة مريوط رقم 8 خارج الزمام» ولكنهم حرفوا المسمى وفصلوا عبارة «خارج الزمام» عن المسمى الأصلى لكى يوحوا لأى مسئول كبير أن الأرض خارج الزمام ولا تتبع الإسكندرية. وأشار طارق محمود إلى أنه كان يجب على هيئة المستشارين بمجلس الوزراء قبل أن ترسل مذكرة لمحافظ الإسكندرية التى وصلت بتاريخ 19/ 1 / 2015 يؤكدون فيها أن الأرض تقع تحت ولاية التنمية الزراعية، أن يعرفوا أولاً حقيقة المساحة على الطبيعة من جهاز حماية أملاك الدولة بالإسكندرية حتى يتم تطبيق مواد القانون على أرض الواقع وليس من مكاتبات التنمية الزراعية ومركز تخطيط واستخدامات الأراضى ، موضحاً أن المحافظة وجهاز حماية أملاك الدولة خلال الفترة السابقة تصدوا لذلك وأبطلوا المخطط بعكس رئيسة الجهاز الحالية التي لم تتخذ أية إجراءات حتى ضد الذين يشرعون فى تسجيل هذه المساحة فى الشهر العقارى رغم علمها بهذا الأمر ، مؤكداً أنه فى النهاية وبعيداً عن القانون والمنازعات بين الجهات الحكومية فإن إيرادات بيع الأراضى من أى جهة تدخل خزينة الدولة، متسائلاً هل يعقل أن تبيع التنمية الزراعية هذه المساحة بمبلغ 32 مليون جنيه فى حين أنه لو تم البيع بمعرفة المحافظة فى المزاد سيصل سعر المساحة نفسها « 150 فداناً» إلى 12 ملياراً و 600 مليون جنيه تدخل خزينة الدولة فأيهما أفضل رغم أنه لا يوجد وجه مقارنة؟ مطالباً بمحاسبة الفاسدين بالقانون مهما تكن مناصبهم لردع غيرهم للحفاظ على وطننا والنهوض به. و«الأهرام» فى هذا الصدد لم تتوان لحظة عن كشف الفساد وتطالب كبار المسئولين فى مختلف مواقع الدولة بتنفيذ توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى بضرورة كشف الفساد والإبلاغ عنه والضرب بأيدٍ من حديد على المفسدين وعدم تركهم يفلتون من العقاب بإقالتهم أو نقلهم من مواقعهم فقط حتى تستقيم الأمور وتعود هيبة الدولة بتطبيق القانون على الجميع بدلاً من شعارات المسئولين الرنانة التى أدت إلى انتشار الفساد مثل السوس بمختلف مؤسسات وهيئات الدولة حتى عجزت الأجهزة الرقابية عن ملاحقته فى بعض الأحيان.