أعلن استقالته علي الهواء, ونصف إخوان العالم من تلاميذه, بعد16 عاما قضاها في الإخوان المسلمين, عضوا في مكتب الإرشاد, ومتحدثا رسميا باسم الجماعة في أوروبا والغرب . وذلك علي خلفية إخلاف الجماعة وعدها, ونقضها عهدها بعدم الدفع بمرشح رئاسي منها, فضلا عن عدم تأييد أي مرشح ذي خلفية إسلامية ، ولم يكن هذا هو السبب الوحيد الذي دفع د. كمال الهلباوي إلي استقالته من الإخوان, ولكن- حسبما ذكر- التردد والارتباك في اتخاذ القرارات, وترك الميدان.. ومعلومات أخري كثيرة تأتي من رجل خبر الإخوان جيدا, وعرف عنهم كثيرا. وقد خص الأهرام بهذا الحوار قبل سفره إلي ألمانيا لحضور المؤتمر الذي تنظمه الجمعية الإسلامية بدوسلدورف وفوبرتال عن أثر ثورات الربيع العربي علي المسلمين في أوروبا, وكذلك لحضور بعض الأنشطة والفعاليات الأخري في لندن. بداية كيف تري المشهد السياسي الراهن الآن في مصر؟ ينقسم المشهد إلي عدة مشاهد, وليس مشهدا واحدا, فهو عبارة عن صورة فسيفسائية يمكن أن تخرج منها بقراءات متعددة, جزء منها يعطي لك مستقبلا, وجزء آخر يدخل بك إلي نفق مظلم, من الصعب أن تستشرف ملامحه. إن الثورة كانت عظيمة وحضارية وشعبية, ولكنها وقعت في خطأ استراتيجي قاتل, ذلك لأن الثورة انفضت, ولم تشكل قيادة, ولم تتخذ من يتحدث باسمها, فوقعت. ولذلك, حدثت عدة مشكلات, المشكلة الأولي تمثلت في الشعار الذي أطلقته الثورة. فلما قالوا الشعب والجيش يد واحدة فهذا ليس معناه أن تترك الجيش يصنع لك القرار, وتتحول أنت إلي شحات تتسول من الجيش أن يصنع القرار, ويشكل المستقبل, فالثورة تحولت إلي مجموعة من الشحاتين. المشكلة الثانية أو الخطأ الثاني الذي نتج عن هذا هو أن بعض قيادات الثورة- حتي المخلصة منها- تم استقطابها إما من قبل المجلس العسكري, أو من بعض رجال الأعمال المرتبطين به, الأمر الذي أفقد الثورة جزءا من زخمها وتأثيرها. نتج عن هذا أيضا أن التركيز علي المسار الديمقراطي وحده أصبح الهم الأساسي والشغل الشاغل للثوار وللناس. فالإخوان والسلفيون فرحوا بالمكاسب التي تحققت, ومن ثم هرولوا هرولة إلي المسار الديمقراطي, ممثلا في الانتخابات البرلمانية وانتخابات الرئاسة, حتي قبل وضع الدستور, وأهملوا ونسوا المسار الثوري, وأعطوا له ظهورهم. ماذا كان موقف التيار الإسلامي من الثورة؟ هناك تيار إسلامي منظم, ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والجهاد, وهناك تيار إسلامي غير منظم وهم السلفيون, فليس لهم في السياسة. الإخوان يؤمنون بالإصلاح أكثر من التغيير, وكانوا قبل الثورة يطلبون الإصلاح من النظام السابق, وهذا شيء غريب, يطلبون الإصلاح ممن ليس مؤهلا له أو قادرا عليه. فهذا كان موقف الإخوان قبل الثورة. إن قيادة الإخوان الحالية ليس عندها رؤية واضحة, ولذلك كان الشباب أسبق منهم في الاشتراك في الثورة, وفي الإعداد لها, وفي حمايتها, سواء نجح أو لم ينجح. معني ذلك أنك تفرق بين قيادات الإخوان وشباب الإخوان؟ نعم, لقد كانت مشاركة الشباب منظمة ومشجعة للثورة, وحامية لها, فكان من الممكن أن يقود الإخوان الثورة, ولكن دخلوا في لعبة المساومات, واتجهوا إلي المسار الديمقراطي, وأهملوا المسار الثوري. ففي بداية الثورة, تردد قيادات الإخوان في المشاركة فيها, وهذه لحظة فارقة. وفي اللحظات الفارقة, لا يصح, ويجب ألا تتردد في اتخاذ القرارات. وإنه لعار علي من لم يخرج لدعم الثورة يوم 25 يناير, ثم يجني ثمارها, ويقطف أزهارها فيما بعد. وأذكر أنه قبل الثورة ب 50 يوما بالتمام والكمال, وتحديدا في يوم5 ديسمبر2010, كتبت رسالة إلي مبارك والحزب الوطني الحاكم, فضحت فيها التزوير الفاضح, وأنه لا أمل في هذا النظام الفاسد. هل جماعة الإخوان المسلمين مستعدة للمشاركة في حكم ذي طبيعة ديمقراطية تعددية, حتي إذا لم يفض مثل هذا النمط من الحكم إلي إرساء مبادئ الجماعة بشكل كامل؟ أم أن مشاركتها مشروطة بتطبيق تلك المبادئ؟ أنا لا أعرف ما يدور في ذهن الإخوان هنا في مصر, إنما الإخوان عام1952 رفضوا المشاركة في الحكم. فقضية المشاركة في الحكم هي قضية حساسة عند الإخوان, وكل فرع للجماعة في كل قطر من الأقطار التي تتواجد بها له رأيه, ليس هناك رأي واحد. وأنا أذكر أنني حين كنت في مكتب الإرشاد درسنا موضوع المشاركة في الحكم عام1995, وكنا نطلب من أحد الأعضاء إعداد ورقة تتضمن مزايا المشاركة بالنسبة للجماعة, ومن آخر إعداد ورقة تتضمن العوامل التي تجعل المشاركة في غير مصلحتها. وكان المتصور هو إمكانية التوصل إلي موقف موحد لكل أفرع الجماعة في مختلف الأقطار. إلا أننا انتهينا إلي ترك الأمر دون حسم, بحيث يكون لفرع الجماعة في كل قطر تحديد موقفه وفقا لظروفه. وفي الجزائر, شارك الإخوان في الحكم, محمود نحناح ترشح للرئاسة. وبالتالي فهناك وجهتا نظر, وجهة نظر تقليدية لا تطمح إلي المشاركة في عملية سياسية فاسدة من وجهة نظر الجماعة, إلا أن ذلك لا ينفي بروز وجهة نظر أخري تري أن تولي مسئولية الحكم قد تعين علي درء المفاسد. فهناك وجهان للأمر, تتراوح بينهما رؤية الأفرع المختلفة للجماعة. في مصر, أعتقد أن القيادة الحالية تميل إلي الاستحواذ وليس المشاركة. وبالتأكيد, فقد كان شعار مشاركة لا مغالبة شعارا مهما جميلا لكن كان ذلك إبان المرشد السابق, محمد مهدي عاكف, وهو رجل مخلص وشفاف وواضح, والذي في قلبه علي لسانه لكن القيادة الحالية هي قيادة مسكينة. كيف تري وضع اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور وتشكيلها والانسحابات التي تتوالي منها؟ أنا حزين أن البرلمان فكر بتلك الطريقة, فالمادة60 من الإعلان الدستوري لا تعطي نوابه الحق فيما قاموا به. هي كلفتهم بالقيام بمهمة فقاموا بمهمة أخري, فضلا عن أن هذا الإعلان الدستوري معيب, وهو يحتاج إلي إصلاح وتوضيح, خاصة فيما يتعلق بالمادة60 , حيث إن ألفاظها فضفاضة وغير محددة. المشكلة أن من وضع هذا الإعلان بصياغته تلك ربما كان يقصد إحداث هذا اللبس وحالة عدم الوضوح تلك. وبالمثل المادة 28 من هذا الإعلان, التي تحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية من الطعن عليها, تلك المادة لا يمكن أن يقبلها عاقل. ويمكنني أن أقول بثقة إن الإخوان سيعانون من الأوضاع السيئة التي سكتوا عنها, ممثلة في مثل تلك المواد. كيف يمكن معالجة الوضع المأزوم للجنة التأسيسية من وجهة نظرك؟ الحل في نظري هو إلغاء تلك اللجنة التأسيسية, ولا يوجد في السياسة ما يمكن أن نقول إنه ايتعين الدفاع عنه بالنابوت, أو أن اكرامة العمدة لا يمكن أن تنزل الأرض, مثلما يدور خطاب من يدافعون عن بقاء تلك اللجنة حاليا. فيجب إلغاء تلك اللجنة, ونضع معايير للعضوية, ويمكن أن يشارك في اللجنة ممثل واحد من كل حزب, بشرط أن تنطبق عليه المعايير, وتترك باقي المقاعد إلي الهيئات والمؤسسات والقوي المجتمعية المختلفة. ودون ذلك, فإن طريق هذه اللجنة مسدود, ومآلها الفشل وكراهية الشعب لكل من يدافع عنها, ويتمسك بها. بعد عام كامل من المشاركة في العملية السياسية الرسمية, كيف تقيم ما يمكن أن يكون قد كسبته جماعة الإخوان, وما يمكن أن تكون قد خسرته؟ المكاسب كثيرة جدا بفضل الله أولا, ثم بفضل الثورة, كسبت الاعتراف بشرعية الجماعة, والاعتراف بها سياسيا, أصبح للجماعة مقار علنية في مختلف محافظات الجمهورية, وشاركوا في الانتخابات, واستعرضوا قوتهم وقدراتهم علي التنظيم والتأثير, وهي القدرات التي مكنتهم من الاستحواذ علي مجلسي الشعب والشوري. إلا أن كل ذلك مهدد, لأنهم خسروا التعاطف الثوري. وفي الأيام الأخيرة, تراجع رصيدهم لدي الشعب. هل يمكن توقع حدوث توحد سياسي لمختلف القوي الإسلامية التي انخرطت في العملية السياسية؟ وهل يمكن لأي قوة منها أن تقود مثل هذا الاحتمال؟ لا يمكن لأي أحد أن يستقطب التيار الإسلامي السياسي كله, فهناك اختلافات فقهية عديدة بين كل من هذه القوة. فلدينا المذاهب الأربعة لدي السنة, فضلا عن مدارس فقهية صوفية. ولا يمكن لأي تيار من التيارات الإسلامية المتنوعة أيضا أن يستحوذ علي الساحة منفردا, ويزيح بقية التيارات الإسلامية الأخري. ذلك أن منشأ تلك التيارات, وتأصيلها موجود في الفقه المتنوع. هل هناك إذن أكثر من مشروع إسلامي مطروح علي مصر حاليا؟ لا توجد ملامح مشروع إسلامي متبلور حاليا, ولكن توجد مشاركة إسلامية وفق الأسس السائدة في النظام العالمي القائم, وذلك وفق رؤية الغرب. فالديمقراطية حتي ليست ابتكارا إسلاميا, نحن لدينا نظام اسمه شوري, كان ممكن أن نهيئ له, وهذا نظام لا يعتمد علي الأغلبية بشكل رئيسي, ولكن علي الحق والمعروف أكثر من الأغلبية. فالمشاركة الإسلامية التي نشهدها في مصر حاليا هي مشاركة ضمن إطار ديمقراطي غربي مائة في المائة. قد يجد الإسلاميون ملتجأ وفسحة لهم فيه, ولكن هذا ليس مشروعا إسلاميا. فمثلا قيمة الحرية التي تعد أساسية في الديمقراطية هي من القيم الإسلامية, لكن قيما مثل العدل, وتطهير القضاء, والمساواة بين البشر, وغيرها من القيم, ليست بكل تأكيد كاملة في هذا النظام الغربي. كيف تري ترشيح جماعة الإخوان للمهندس خيرت الشاطر في انتخابات الرائاسة بعد وعدها السابق بعدم ترشيح أي من أعضائها لهذا المنصب؟ هذا جزء من التخبط والتردد اللذين يميزان قيادة سياسة الإخوان الحالية. لكن يلزم أن أوضح أن انسحابي من الجماعة لم يكن فقط بسبب قرار ترشيح الشاطر فقط, أو خطأ واحد حدث, لكنه كان بسبب جملة الأخطاء التي تحدثت عنها جميعا آنفا: ترك الثورة في الميدان, الاعتماد علي المسار الديمقراطي وحده, طريقة بناء القيادة في الإخوان, حيث طالب الإخوان بإحداث تغيير علي مستوي الوطن عامة, ولم يحدثوا تغييرا مماثلا داخل الجماعة. الإخوان طلبوا إجراء انتخابات عامة في مصر شفافة ونزيهة, وقد تم لهم ذلك, لكنهم لم يجروا انتخابات داخلية شفافة علي مستوي الجماعة تتيح بروز القيادات الكفء من مختلف أعضاء الجماعة. ولا يصح هنا الاحتجاج بإمكانية إجراء الانتخابات علي مستوي الجماعة في مرحلة لاحقة بعد اكتمال عملية البناء المؤسسي الحالية في مصر حاليا. فقد كان يتعين أن تقدم الجماعة نموذجا للوطن. وقبل إجراء انتخابات علي مستوي الدولة, كان يجب أن يجري الإخوان انتخابات داخلية, بعدما تغيرت الأوضاع في مصر, وكان يجب أن يدعوا العالم كله ليشاهدها, ويتأكد من شفافيتها, وذلك بعد ما شاب انتخابات مكتب الإرشاد من تمرير, حدا بشباب الجماعة إلي المطالبة بإعادة الانتخابات. ويجب أن يكون الترشح لتلك الانتخابات التي ستنتج قيادة جديدة وفقا لمعايير واضحة. ذلك أن ثقافة المعايير تلك غائبة عن مجتمعنا. فيجب أن تكون هناك معايير لمن يتصدي لمسئولية القيادة, ومن يتصدي للعمل علي مستوي اللجان المختلفة. ونحن نواجه أزمة المعايير تلك في الترشح لانتخابات الرئاسة علي مستوي الدولة, كما نشهد حاليا. من واقع خبرتك الطويلة, كقيادي في جماعة الإخوان, ما رؤيتك لاحتمالات توجه القيادة الحالية لإحداث تحول أكثر ديمقراطية داخل الجماعة؟ غصب عنهم سيقومون بهذا التحول, قد لا يكون هذا العام, ولكنهم سيكونون مضطرين للقيام بهذا التحول, فقد تغير العالم, وتغير الزمن, وتغيرت المعطيات, ولم يعد الشباب يقبل بأي نوع من الدكتاتورية باسم السمع والطاعة, يجب أن يكون مبدأ السمع والطاعة الذي تقوم عليه الجماعة سمعا وطاعة مبصرين. فكل ما هو معمول به داخل الجماعة, خلافا لهذا الفهم الجديد, سينتهي إن شاء الله. وإذا لم تقم القيادة الحالية بهذا الإصلاح الضروري, فسيكونون في مكان جمال مبارك, حين كانوا هم يطلبون الإصلاح منه. هل تتوقع حدوث انشقاقات تهدد وحدة الجماعة وتماسكها؟ قد تحدث انشقاقات, لكن ليس بالضرورة أن تكون بالحجم والجسامة التي تهدد وحدة الجماعة وتماسكها, في هذه المرحلة. لكن إذا ظلت القيادة الحالية في موقعها عاما أو عامين آخرين, فبالتأكيد ستشهد الجماعة انشقاقات أكثر خطورة. أثارت تصريحات محمود غزلان الأخيرة التي هدد فيها بتأليب الإخوان ضد أنظمة الحكم في الخليج أزمة, وذلك علي خلفية إصدار قائد شرطة دبي, ضاحي خلفان, مذكرة اعتقال للقرضاوي, بعد هجومه في قناة الجزيرة علي الإمارات, وانتقاده ترحيل أسر سورية بعد تظاهرهم ضد النظام السوري أمام قنصلية بلادهم في دبي.. ما تعليقك؟ كيف يقود الأخ غزلان جماعة كبيرة, أو يكون في موقع المسئولية, وهو يفتقد المعلومات. ولذلك, يجب أن يختار الإخوان أناسا تنطبق عليهم شروط القيادة, وتتوافر فيهم المعايير. والأخ غزلان لا تنطبق عليه صفات الأخ العامل الموجودة في رسالة التعاليم التي كتبها الإمام البنا رحمه الله, فضلا عن أركان البيعة التي بايع من أجلها. فهو مثلا لا يفرق بين استقالتي من القيادة وعضويتي في التنظيم. كذلك, لا بد أن يكون هناك كشف هيئة علي من يتولي موقعا قياديا في الإخوان. فهو- أي غزلان- حين يظهر في الإعلام, يكون عبوسا وواجما, لماذا؟ الناس تريد أن تطمئن وتفرح, لا أن يصيبها الهم والغم.