الجدل مازال محتدما بين المطالبين بتعديل الدستوروالرافضين لذلك ، ولكن يتفق الجميع أن رؤيتهم هذه تصب فى مصلحة الوطن واستقراره ، نظرا لطبيعة المرحلة الحالية ، والتحديات الجسيمة التى تواجه بلدنا، ومساعدة القيادة السياسية على إعادة البناء التى تتطلب مرونة فى سرعة اتخاذ القرار، ولكن دون الاخلال بالدستور. ولذلك يقول المستشار الدكتور مدحت سعد الدين نائب رئيس محكمة النقض " أنه قبل الحديث عما أن كان هناك محل لتعديل الدستور من عدمه، ينبغى الإشارة إلى بعض الأمور التى قد تكون غائبة عن البعض، ويستبين من عرضها ما إن كانت سلطات رئيس الجمهورية مقيدة فى اختيار رئيس الوزراء من عدمه أوأن ذلك يخالف مبدأ الفصل بين السلطات. أولا : ما يعنيه مبدأ الفصل بين السلطات فى الدولة القانونية التى تسير عليه سائر النظم الديمقراطية، هو وجوب توزيع السلطات على هيئات يستقل بعضها عن البعض فى أى دولة ذات نظام نيابي، وذلك لثلاثة اعتبارات ذكرها فقهاء القانون الدستورى وهى " إن الحرية السياسية لايمكن ضمانها إلا فى الحكومات المعتدلة التى تقوم على نظام يبتعد عن إساءة استعمال السلطة، إذ لاقيمة للقوانين والقواعد الدستورية إن لم تكن السلطات التى هى من خصائص السيادة الشعبية فى أيدى اناس حريص كل منهم على استعمالها فى المصلحة العامة لا المصلحة الشخصية. ثانيا : إن فصل السلطات عن بعضها هوالوسيلة الوحيدة التى تكفل احترام القوانين وتطبيقها تطبيقا سليما، فلو كانت السلطتان التشريعية والتنفيذية فى يد شخص واحد أوهيئة واحدة ل انعدمت الحرية إذ يسن ذلك الشخص أوتلك الهيئة قوانين جائرة كى ينفذها بطريق ظالم، ومن ثم فإن تقسيم السلطة بين هيئات مستقلة يوجد التوازن بينها ويؤهلها لرقابة إحداها على الأخرى فى حدود اختصاصها. لقد أثبتت التجربة التاريخية فى جميع البلاد أنه ما لم تكن هذه السلطات مستقلة كلا منها فى مواجهة الأخرى سوف تتحطم كلها من جراء طريقة سيرها، لأنه من الجائز أن تتكون بجانب الهيئة التى تعمل القانون هيئة أخرى قائمة على الدس والوقيعة وغيرهما من المؤثرات وبذلك يكون هناك دستوران أحدهما قانونى لاوجود له إلا من الناحية النظرية، والآخر سرى حقيقى ناتج عن اتفاقات مستورة بين السلطات القائمة فى ثوب خفي، حتى أن ويدرو ويلسون الرئيس الأمريكى الذى كان يطبق النظام الرئاسى فى الولاياتالمتحدة مهد هذا النظام والرائدة فى تطبيقه، قال منذ قرن من الزمان حينما اعترضته مشكلة فى تسيير شئون الدولة "إن دفة الحكومة أصبحت فى قبضة لجان البرلمان الدائمة، أما مبدأ فصل السلطات الحقيقى فأصبح نظرية أدبية بين نصوص الدستور". وعلى ذلك فإن مبدأ فصل السلطات لايتلاشى إزاء هذه الحقائق وإنما يتحول إلى مبدأ جعل كل سلطة من السلطات مستقلة عن الأخرى بمعنى ألا تستطيع إحداها عزل الأخرى ولكن لها أن تراقبها فى حدود اختصاصها، وأن تقومها عند اللزوم بوسائل سلمية حفاظا على الحريات العامة، ومن هنا كانت السلطة التشريعية منفصلة تماما عن السلطة التنفيذية وليس لرئيس السلطة التنفيذية أى أثر فى السلطة التشريعية والعكس كذلك، والسلطة القضائية منفصلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية. سلطة الرئيس والدستور فإذا ما نظرنا إلى نصوص الدستور المصرى القائم نجد أنه أخذ بالنظام الرئاسى الذى يتولى فيه رئيس الجمهورية رئاسة السلطة التنفيذية واختيار رئيس الوزراء والوزراء الذين ينفذون سياسته، لكن النص فى المادتين 146، 147 قيد المشرع الدستورى فيهما سلطة رئيس الجمهورية فى اختيار رئيس الوزراء والوزراء وعزلهم من مناصبهم بموافقة البرلمان على ذلك، وإلا يتم حل البرلمان على النحو المبين بالمادة 146، وهو أمر ليس فيه أى مراعاة لمبدأ الفصل بين السلطات الذى عرفته الأنظمة الديمقراطية العريقة، ولايحقق التوازن المطلوب بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وليس فيما ذكرناه مدح لرئيس الجمهورية الذى انتخبته الإرادة الشعبية المصرية بأغلبية كاسحة، أوتقليل من دور البرلمان الذى يمثل السيادة الشعبية وهى تراقب الحكومة فى ممارسة سلطاتها المبينة فى الدستور، علما بأن هذا التداخل سوف يعيق كل سلطة عن أداء دورها المطلوب، ويفسح الطريق لظهور الاتفاقات الخفية بين السلطات، خاصة إذا ما تحقق نص المادة 146 باختيار رئيس الوزراء والوزراء من حزب الأغلبية فى البرلمان، فلن تتحقق رقابة البرلمان على الحكومة ويقع التعارض فى هذه الحالة مع النصوص الدستورية الأخرى التى تحظر أن يكون أعضاء الحكومة أعضاء فى البرلمان، إذ لايمكن أن يكون الوزراء فى هذه الحالة من أعضاء البرلمان وفى ذات الوقت يؤيد حزب الأغلبية سياسة حكومته التى يراقبها طبقا لنصوص الدستور أثناء أداء مهامها. وما يتعلق بالافتئات على السلطة القضائية بما جاء فى نصوص الدستور فى شأن العدالة الانتقالية، فلمن لم يقرأ مشروع نصوص قانون العدالة الانتقالية الذى كان يروج له فى لجنة الخمسين، فليعلم دور المفوضية العليا للعدالة الانتقالية التى تحاسب عن أفعال تعتبر جرائم فى نظر هذا القانون اعتبارا من عام 1981 ولمدة عشر سنوات تالية من صدور القانون المشار إليه أمام محكمة تسمى محكمة العدالة الانتقالية تتشكل من عدد من القضاة الحاليين أو السابقين وأشخاص آخرين ليست لهم الصفة القضائية من الأزهر والكنيسة ومنظمات حقوق الانسان وغيرها من الجهات الأخري، ويمنح الجميع سلطات القضاة فى الحكم والتحقيق، وتسبغ عليهم حصانة قضائية، ثم ليقل لنا بعد ذلك من يقرأ هذا القانون هل فيه اعتداء على السلطة القضائية والحريات العامة من عدمه؟ قبل التعجل فى القول بأن ذلك لايخل بالضمانات الواردة بالدستور والمتعلقة بالحقوق العامة والحريات. ثالثا: مع التاكيد على أن أيا من الدساتير المصرية السابقة لم يتضمن نظاما ضريبيا معينا كالضريبة التصاعدية المنصوص عليها فى المادة 38 من الدستور، والأولى تركها للقانون حتى إذا ما فشل نظام بعينه أمكن تعديل هذا القانون بدلا من تعديل الدستور.