وظائف التعليم 2025.. رسميًا نتيجة مسابقة معلم مساعد 2025 دراسات اجتماعية (رابط مباشر)    جدول امتحانات الصف الثاني الثانوي الترم الثاني 2025 في الدقهلية    أسعار الذهب اليوم في مصر الأحد 11 مايو 2025.. عيار 18 يسجل 4062 جنيهًا    زيلينسكي: سألتقي فلاديمير بوتين في تركيا يوم الخميس المقبل    موعد وصول المدير الرياضي الجديد ل الزمالك (خاص)    مصدر بالزمالك يكشف حقيقة استدعاء زيزو للتحقيق مجددًا    هل تنكسر الموجة الحارة؟ الأرصاد تكشف تفاصيل طقس الإثنين 12 مايو 2025    رامى عاشور يهدى زوجته أغنيته الجديدة «أتجوز مين !!» (فيديو)    فتحي عبدالوهاب ضيف لميس الحديدي في "كلمة أخيرة" الثلاثاء المقبل    فرص مفاجئة.. اعرف حظ برج الجوزاء في النصف الثاني من مايو 2025    محامية: نشوز الزوج يمثل خطرًا كبيرًا على تماسك الأسرة    أمينة الفتوى: يجوز للمرأة الحائض أداء جميع مناسك الحج عدا الطواف    رئيس «الرعاية الصحية» يشارك في احتفالية اليوم العالمي للتمريض 2025 (تفاصيل)    كان تحت تأثير مخدر الآيس.. انتشال جثمان شاب سقط غريقًا في بحر يوسف بالفيوم    تفاصيل ضبط المتهم بالتعدي على الكلاب الضالة في البحيرة    وزير الخزانة الأمريكي: أحرزنا تقدما ملموسا في المفاوضات التجارية مع الصين    محافظ أسوان يوجه للإسراع بإستكمال المشروعات المدرجة ضمن خطة الرصف بنسبة 98 %    كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على صحة العيون؟    غدا.. رئيس الوزراء اليوناني يلتقي نظيرته الإيطالية في روما    مصدر مقرب من اللاعب ل في الجول: عمر فايد يرغب باستمرار مشواره الاحترافي    جنى يسري تتألق وتحرز برونزية بطولة العالم للتايكوندو للناشئين تحت 14 سنة    تبدأ الخميس.. حملة لمكافحة القوارض بعد حصاد المحاصيل الشتوية في البحيرة    الصور الأولى من فيلم هيبتا: المناظرة الأخيرة    جامعة القاهرة تبدأ استعداداتها لاستقبال مكتب تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد    الرياضية: النصر يقترب من الموافقة على رحيل لابورت    طرح 3 شواطئ بالإسكندرية للإيجار في مزاد علني| التفاصيل والمواعيد    إقبال كثيف على القوافل التعليمية المجانية لطلاب الشهادة الإعدادية ببورسعيد -صور    "ليسيه الحرية" يشهد حفل افتتاح الدورة الرابعة من مهرجان المسرح العالمي    نائبة التنسيقية: قانون تنظيم الفتوى يضع حدًا لفوضى الفتاوى    مياه البحر الأحمر: العمل على مدار الساعة لسرعة الانتهاء من إصلاح خط الكريمات    الرواق الأزهري للطفل والأسرة بمركز شباب العطوي يواصل فعالياته التوعوية في دمياط    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع سير منظومة العمل بملف التصالح بالمركز التكنولوجي في الواسطى    هشام أصلان يرصد تجربة صنع الله إبراهيم ومحطات من مشروعه الأدبي    خلف الزناتي: تنظيم دورات تدريبية للمعلمين العرب في مصر    فتح باب التسجيل للتدريبات الصيفية بمكاتب المحاماة الدولية والبنوك لطلبة جامعة حلوان    انطلاق قافلة دعوية مشتركة بين الأزهر الشريف والأوقاف    رئيس ائتلاف ملاك الإيجارات القديمة يرفض مشروع قانون الحكومة    محافظ الشرقية يشهد حفل قسم لأعضاء جدد بنقابة الأطباء بالزقازيق    وزير الخارجية: إصلاح مجلس الأمن ضرورة ونتشبث بالموقفين الإفريقي والعربي    مسؤولون أمريكيون: هناك خلافات بين ترامب ونتنياهو بشأن التعامل مع قطاع غزة وإيران    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    وفاة سيدة أثناء ولادة قيصرية بعيادة خاصة فى سوهاج    نجم نيوكاسل ينافس محمد صلاح بقائمة "ملوك الأسيست" في الدوري الإنجليزي    وزير الخارجية يؤكد على موقف مصر الداعي لضرورة إصلاح مجلس الأمن    خبر في الجول - عمر خضر يقترب من الغياب أمام غانا بسبب الإصابة    تأجيل محاكمة 41 متهم ب "لجان العمليات النوعية بالنزهة" استهدفوا محكمة مصر الجديدة    القاهرة الإخبارية: الاحتلال الإسرائيلى يواصل قصف الأحياء السكنية فى غزة    مرشح حزب سلطة الشعب بكوريا الجنوبية يسجل ترشحه للانتخابات الرئاسية    ارتفاع كميات القمح المحلي الموردة للشون والصوامع بأسيوط إلى 89 ألف طن    محافظ الدقهلية يحيل مدير مستشفى التأمين الصحي بجديلة ونائبه للتحقيق    ماذا يحدث للشرايين والقلب في ارتفاع الحرارة وطرق الوقاية    عاجل- البترول تعلن نتائج تحليل شكاوى البنزين: 5 عينات غير مطابقة وصرف تعويضات للمتضررين    ضبط 103 مخالفات تموينية في حملات مكثفة لضبط الأسواق بالفيوم    جامعة القناة تنظم برنامجا تدريبيا حول استخدام لغة الإشارة مع الأميين من ذوي الهمم (صور)    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "125"    ما حكم من نسي الفاتحة أثناء الصلاة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يجيب    حياة كريمة بالإسماعيلية.. الكشف على 528 مواطنا خلال قافلة طبية بالقصاصين    الدوري الفرنسي.. مارسيليا وموناكو يتأهلان إلى دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور مجلس النواب القادم في تطبيق مبادئ ثورتي 25 يناير و30 يونيه
نشر في الزمان المصري يوم 13 - 02 - 2015


تقرير : الدكتور عادل عامر
بادئ ذي بدء يمكن القول إن نصوص نظام الحكم في أي دستور وتحديداً عند المقابلة بين النصوص الخاصة بالسلطة التشريعية والنصوص الخاصة بالسلطة التنفيذية تحدد طبيعة هذا النظام هل هو رئاسي أم برلماني أم مختلط بين البرلماني والرئاسي أم هو أكثر ميلاً نحو النظام البرلماني أو الرئاسي؟ وبقراءة الباب الخامس من دستور 2014 وتحديداً الفصل الأول السلطة التشريعية "مجلس النواب" في المواد من 101 – 138 والفصل الثاني السلطة التنفيذية "رئيس الجمهورية والحكومة" في المواد من 139 – 174 يتبين بوضوح أن الدستور المصري الصادر في عام 2014 انقلب على تراثه الدستوري السابق في جميع الدساتير المصرية السابقة ابتداء من أول دستور عام 1923 ودستور 1930 ودستور 1956 ودستور 1958 ودستور 1964 ودستور 1971 الذي كان يتسم بامتياز وعلو السلطة التنفيذية نصوصاً وواقعاً بالنسبة للسلطة التشريعية، فانقلب الوضع في دستور 2014 إلى امتياز وعلو السلطة التشريعية وهذا العلو لا يبهرنا لأنه يحمل في طياته بذور فتنة وانشقاقاً، فالخطر والتنازع والصراع ماثل وقادم ونذكر من مظاهر علو امتياز السلطة التشريعية. من حيث الشكل:ترتيب السلطة التشريعية (مجلس النواب) كفصل أول في باب نظام الحكم وسابق للسلطة التنفيذية خلافاً لجميع الدساتير المصرية السابقة بفرعيها رئيس الجمهورية والحكومة وعدد مواد فصل السلطة التشريعية يتجاوز عدد مواد السلطة التنفيذية. من حيث الموضع:- الاختصاصات الواسعة لمجلس النواب باستئثاره وحده بسلطة التشريع ثم امتداد اختصاصه ليشارك في الاختصاص المقرر للسلطة التنفيذية بالنص على أربع اختصاصات في المادة 101 من الدستور وهى:
- إقرار السياسة العامة للدولة.
- إقرار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- إقرار الموازنة العامة للدولة بجانب اختصاصات أخرى متعلقة بها في المادتين 124، 125 (الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية).
اختصاصات مقررة لكل عضو بمجلس النواب
- اقتراح القوانين (م 122)
- توجيه الأسئلة إلى رئيس مجلس الوزراء أو أحد نوابه أو أحد الوزراء أو نوابهم (م 129).
- توجيه الاستجواب إلى رئيس مجلس الوزراء أو أحد نوابه أو أحد الوزراء أو نوابهم (م 130).
- طلبات مناقشة موضوع لاستيضاح رأى الحكومة (بالاشتراك مع 20 عضواً) م 132.
- إبداء اقتراح رغبة في موضوع عام إلى رئيس مجلس الوزراء أو أحد نوابه أو أحد الوزراء أو نوابهم م 133.
- تقديم طلب إحاطة أو بيان عاجل إلى رئيس مجلس الوزراء أو أحد نوابه أو أحد الوزراء أو نوابهم في الأمور العامة العاجلة م 134.
- اختصاصات مقررة لمجلس النواب بأغلبية خاصة
- سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو نوابهم بعد استجواب بناء على اقتراح عشر أعضاء من المجلس ويكون القرار بأغلبية الأعضاء والاستقالة هي أثر لسحب الثقة م 131.
- تزكية المترشح لرئاسة الجمهورية بعدد عشرين عضواً على الأقل من أعضاء مجلس النواب م 141.
- أداء رئيس الجمهورية القسم أمامه قبل توليه مهام منصبه م 144.
- منح الثقة لتشكيل الحكومة التي يكلفها رئيس الجمهورية بعد عرض برنامجها على المجلس بموافقة أغلبية عدد الأعضاء م 146.
- إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء المجلس م 147.
- الموافقة على إجراء تعديل وزاري م 147.
- الاستماع إلى بيان رئيس الجمهورية حول السياسة العامة للدولة عند افتتاح دور الانعقاد العادي السنوي م 150.
- الموافقة على المعاهدات م 151.
- الموافقة على إعلان الحرب أو إرسال قوات مسلحة في مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة م 152.
- موافقة أغلبية الأعضاء على إعلان حالة الطوارئ وموافقة ثلثي الأعضاء على مد حالة الطوارئ م 154.
- موافقة أغلبية الأعضاء على العفو الشامل عن العقوبة م 155.
- الموافقة على القرارات بقوانين التي يصدرها رئيس الجمهورية – في حالة عدم انعقاد المجلس في أول دور انعقاد م 156.
- استقبال استقالة رئيس الجمهورية م 158.
- اتهام رئيس الجمهورية بانتهاك أحكام الدستور أو بالخيانة العظمى أو أية جناية أخرى بناء على طلب من أغلبية الأعضاء ويصدر قرار الاتهام بأغلبية الثلثين م 159.
- مباشرة رئيس مجلس النواب سلطات رئيس الجمهورية حال خلو منصب رئيس الجمهورية م 160. – اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بناء على طلب مسبب وموقع من أغلبية الأعضاء وموافقة ثلثي الأعضاء م 161.
- مناقشة بيان الوزراء أمام المجلس أو أحد لجانه وإبداء الرأي بشأنه م 169.
- تشكيل لجنة خاصة أو تكليف لجنة من لجان تقصى الحقائق في موضوع عام – م 135.
- لخمسة أعضاء مجلس النواب طلب تعديل مادة أو كثر من مواد الدستور ومناقشة طلب رئيس الجمهورية بتعديل مادة أو أكثر وموافقة أغلبية أعضاء على ذلك الطلب م 226.
وليت الأمر وصل إلى هذا المدى من الاختصاص والسلطة التي منحها الدستور للبرلمان بل إن الكارثة أن نصوص الدستور غابت عن طبيعة الشعب المصري من العهد الفرعوني إلى العهد الإسلامي وحتى دولة مصر الحديثة التي بناها محمد على فالتراث والمزاج والثقافة المصرية لا يسوسها ولا يرضيها إلا النظام الرئاسي أساساً في إطار مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينهما. ومظاهر نزع السلطة التنفيذية عن رئيس الجمهورية في حالة حصول حزب أو ائتلاف على أغلبية مقاعد مجلس النواب هي: وقبل أن نعرض لهذه المظاهر نذكر مسألتين تتصل بتقييد سلطة تنفيذ سلطة رئيس الدولة وهى نص المادة 160 التي تحدد مدة الرئاسة بأربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وهذا النص أعظم إنجاز لدستور 2012 وردده دستور 2014. ولكن وجه الاعتراض – لماذا تميز مدة ولاية عضو البرلمان بخمس سنوات (م 140 دستور 2014). المسألة الثانية ألا يشغل الرئيس منصباً حزبياً خلال فترة رئاسته م 140/3 ونوافق تماماً على ذلك النص ولكن كان يتعين منح الرئيس في ظل النصين السابقين سلطات تعادل المطلوب منه من مسئوليات وهذا ما لم ينص عليه بل نص على عكسه في النصوص الدستورية التالية:
1. يلتزم الرئيس بتكليف رئيس لمجلس الوزراء يترشح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب م 146/1.
2. يلتزم الرئيس بالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء في اختيار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل م 146/4.
3. لا يجوز للرئيس إعفاء الحكومة من عملها إلا بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب م 147/1.
4. لا يجوز للرئيس إجراء تعديل وزاري إلا بعد التشاور مع رئيس الوزراء (المرشح من الأكثرية) وموافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة للحاضرين على ألا يقل العدد عن ثلث أعضاء المجلس م 147/2.
5. لا يجوز للرئيس إعلان حالة الطوارئ إلا بعد أخذ رأى مجلس الوزراء ثم العرض على مجلس النواب خلال أسبوع وموافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس م/ 154.
6. لا يجوز للرئيس العفو عن العقوبة أو تخفيضها إلا بعد أخذ رأى مجلس الوزراء م 155/1 ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون م 155/2.
7. جميع القرارات بقوانين التي يصدرها الرئيس في غيبة مجلس النواب يجب عرضها ومناقشها والموافقة عليها خلال 15 يوماً من انعقاد المجلس الجديد فإذا لم تعرض وتناقش أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك م 156.
وجه العوار الدستوري في السلطة الغائبة لرئيس الدولة في دستور 2014
الدستور قانون وذلك يعنى أنه قابل للتعديل في أي وقت، كما أن مبدأ سيادة الأمة يقضى بجواز تعديله وإلغائه، وفى الدساتير نصوص ومبادئ لا يجوز تعديلها أو اقتراح تعديلها حتى ولو لم ينص في صلب الدستور صراحة على ذلك، وهذه المبادئ تسمى بالمبادئ الحاكمة أو النصوص فوق الدستورية، وتنص بعض الدساتير على هذه المبادئ (م 89 من الدستور الفرنسي، م 79/3 من دستور ألمانيا الاتحادية، م 135، 137 من دستور روسيا الاتحادية) ومن هذه المبادئ الاستقلال والفصل والتوازن بين سلطات الدولة الثلاث تنفيذية وتشريعية وقضائية. (د. عبدالسند يمامة: المبادئ الدستورية في الدساتير الديمقراطية والدستور المصري الجديد – ص 10 وما بعدها – طبعة 2012) وقد صاغت المادة الخامسة من دستور 2014 هذا المبدأ في الباب الأول – الدولة «يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات والتوازن بينهما وتلازم المسئولية مع السلطة..». هذا النص هو صياغة لأهم المبادئ الدستورية في الدساتير الديمقراطية وتحديداً مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينهما وتلازم السلطة مع المسئولية. ولما كانت المواد السابق الإشارة إليها في دستور 2014 التي تنزع السلطة التنفيذية من رئيس الدولة تمثل اعتداء صارخاً على المبدأ الوارد في نص المادة الخامسة من ذات الدستور.ولما كانت هذه المواد وإن نص عليها في الدستور فهي غير دستورية في مضمونها لتعارضها مع مبدأ دستوري حاكم لا يجوز تعديله أو اقتراح تعديله. وعليه فإن هذه المواد بهذه المثابة يشوبها عوار دستوري ويتعين وعلى وجه الاستعجال إلغائها.
وجه الخطر الجسيم الذي يهدد الأمن والنظام بسبب السلطة الغائبة لرئيس الدولة في دستور 2014المتأمل لنجاح ثورة 30 يونيه 2013 في إسقاط حكم الإخوان لابد أن يدرك أن سببها الأول هو إلهام من الله ليحفظ أمن ووحدة وسلامة مصر إلهام بأن يوجه القادة في القوات المسلحة بأن يكون تدبيرهم انحيازاً لإرادة ومصلحة الشعب ودون حساب لعواقب لو فكروا فيها تفكيراً براجماتياً قد يترددون ويتراجعون ولكنه لطف الله بهذا الشعب وكان هذا الإلهام الإلهي ممتداً لجموع الشعب التي استجابت لنداء الرئيس عبد الفتاح السيسى للخروج يوم 30 يونيه 2013 بثورة شعبية سلمية مائة في المائة ليسقط نظام حكم الإخوان بغير رجعة إن شاء الله. وللأسف لم يقدر واضعو دستور 2014 تقديراً كافياً مدى الخطر الجسيم الذي بات يهدد الأمن الداخلي والنظام داخلياً، ولم يقدروا أن مصر تعيش وتتعامل مع حالة حرب حقيقية عقب سقوط نظام حكم الإخوان، وقد ظهر عدم التقدير عند اقتراحهم نصوص نظام الحكم في الدولة وتحديداً السلطة التنفيذية والتشريعية. دستور 2014 نسخة كربونية من دستور 2012 وانقلاب على التراث الدستوري المصري
بعد ثورة يناير 2012 عهد إلى لجنة منتخبة من مجلس الشعب – آنذاك – مكون من مائة عضو، وقد كنت أحدهم للإعداد لدستور لعهد جديد بعد أن سقط دستور 1971 بنجاح ثورة 25 يناير 2012 إلا أن تشكيل لجنة المائة وما اتسمت به من أغلبية تتجاوز الثلثين من أعضاء ينتمون للإسلام السياسي الإخوان والسلفيين أساساً ومناصريهم فقد تحكموا في فرض مسودة دستور 2012 لتحقيق مشروعهم السياسي، وكان ذلك سبباً في استقالة جماعية لعدد من الأعضاء – كنت من بينهم – وصدر دستور 2012 ليؤسس للمشروع السياسي للإخوان وأنصارهم وتجلى ذلك في باب نظام الحكم.
صدر دستور 2014 بعد ثورة 30/6/2013 وسقوط نظام حكم الإخوان الذي كان يستند إلى دستور 2012 وكان ذلك يقتضى أن يستند نظام الحكم الجديد إلى دستور جديد وقد صدر دستور 2014 إلا أنه للأسف لم يعبر عن ثورة يونيه 2013 في باب نظام الحكم والدليل على ذلك هو نتيجة تطابق المقابلة بين نصوص دستور 2012، 2014 في باب نظام الحكم. ولما كان التراث الدستوري في مصر يأخذ النظام الرئاسي حيث تتركز السلطة التنفيذية في رئيس الجمهورية وله منفرداً من الصلاحيات الدستورية التي تتحكم في الحياة السياسية في مصر فكان الحل هو انقلاب على التراث الدستوري المصري الذي يعتمد النظام الرئاسي في الحكم إلى النظام البرلماني حيث تكون السلطة التشريعية كاملة في يد البرلمان وكذلك السلطة التنفيذية تحت هيمنته ولا يكون الرئيس إلا رمزاً وليست المسألة أي النظامين أفضل برلماني أم رئاسي، ولكن المسألة أن المجتمع السياسي والبيئي والمشهد السياسي الخاصة بكل دولة هي التي تفرض نجاح أي نظام سياسي رئاسي أم برلماني أم مختلط.
وصدر دستور 2012 في باب نظام الحكم بنصوص تعلى من مقام واختصاص السلطة التشريعية وتجعلها تهيمن وتسبق السلطة التنفيذية وتنزع عن رئيس الجمهورية كثير من السلطات والاختصاصات في النظام الرئاسي أو حتى النظام شبه الرئاسي وكان هذا الاتجاه مقصوداً ومتعمداً في مشروع الإخوان والسلفية وحتى يحقق الدستور لهم بهذه المثابة الوسيلة والمشروعية القانونية في الاستحواذ على سلطة الحكم بصرف النظر عن الاتجاه السياسي للرئيس القادم لأنه سيكون مقيداً بنصوص الدستور.
وللأسف الشديد صدر دستور 2014 بعد ثورة يونيه 2013 يردد وفى باب نظام الحكم كل النصوص الواردة في دستور 2012 مع استبعاد نصوص مجلس الشورى الذي كان يشارك مجلس النواب في دستور 2012 في اختصاصات السلطة التشريعية إلا أن هذا الاستبعاد لم يغير في الأمر شيئاً، حيث أحيلت اختصاصات مجلس الشورى إلى مجلس النواب وكان هذا الاتجاه أكثر سوءاً حيث إن التعديلات الطفيفة التي أضافها دستور 2014 إلى ما كان عليه دستور 2012 زادت من النيل وإضعاف سلطة رئيس الدولة في مواجهة البرلمان، ولعل المثال الواضح في ذلك نص المادة 159 التي أضافت لمجلس النواب حق سحب الثقة عن رئيس الجمهورية وإعفائه لأسباب سياسة، ونص المادة 159 التي أضافت وابتدعت جريمة غير معروفة في التاريخ الدستوري المصري ولا في دستور 2012 هو انتهاك الرئيس لأحكام الدستور، وهى جريمة سياسية في المقام الأول ويخضع الاتهام بها لهوى حزب الأكثرية في البرلمان إذا أراد الإطاحة برئيس الجمهورية في أي وقت. اختلاف تنظيم الدستور الفرنسي لمواد نظام الحكم عن تنظيم الدستور المصري شكلاً وموضوعاً أخبرني أحد أعضاء لجنة الخمسين التي صدر عنها دستور 2014 أنه عندما وزع عليهم مسودة نظام الحكم على الأعضاء ذكروا لهم أنها ترجمة أو مأخوذة عن الدستور الفرنسي وخاصة في اختصاصات رئيس الجمهورية، وإذا صح ذلك فإنه لا يخرج عن أحد أمرين إما غش أو جهل فإذا كان صحيحاً أن النظام القانوني المصري، في غير مسائل الأحوال الشخصية يسير على هدى المدرسة القانونية الفرنسية بل كان في حالات كثيرة نقل وترجم حرفياً عن نصوص القوانين الفرنسية وذلك ليس عيباً بل إنه من وجوه التحضر والتقدم أن يساير النظام القانوني المصري مدرسة القانون والحرية ما عدا استثناءين تميز يهما النظام القانوني المصري دون إتباع للمدرسة الفرنسية أحدهما مبرر ومشروع وهو مسائل الأحوال الشخصية لارتباطها بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية التي لا يستطيع حاكم ولا حتى المشرع الوطني أن يخرج عنها حتى لو أراد وإلا خرج وثار عليه الشعب ثورة لا تمهد ولا تخمد إلا بالرجوع لأحكام الشريعة الإسلامية واستثناء آخر غير مبرر وهو نظام الحكم في جميع الدساتير المصرية بما فيها دستور 1971 وحتى دستور 2014 حيث وضعت نصوص تؤسس لشرعية استبداد رئيس الدولة في جميع الدساتير المصرية السابقة لدستور 2012 وعلى حساب السلطة التشريعية، ثم انعكس الوضع في دستور 2012، دستور 2014 بوضع نصوص تؤسس لهيمنة السلطة التشريعية على حساب السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية والحكومة) ويمكن القول بأن النصوص الدستورية في هذا الباب في جميع الدساتير المصرية بعيدة تماماً عن النصوص الدستورية في الدستور الفرنسي وهو ما سنعرض له:وسأقدم ترجمة شخصية لي عن فصل المجلس الدستوري الوارد في الدستور الفرنسي وليس له مقابل في دستورنا، مما يوكد فساد المقابلة بين الدستور المصري مع الدستور الفرنسي وهذا المجلس يمثل صمام أمان وتوازن بين سلطة رئيس الجمهورية والاختصاصات الضرورية اللازمة له حتى يمارس مهام منصبه والتوازن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وهذه النصوص ليست نصوصاً مقدسة بل يجوز التعديل فيها مع ما يتناسب مع الواقع السياسي المصري
يلتزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون العدالة الانتقالية ، يكمل كشف الحقيقة ، والمحاسبة ، واقتراح اطر المصالحة الوطنية ، وتعويض الضحايا ، وذلك وفقاً للمعايير الدولية " .. هكذا نصت المادة 241 من دستور 2014 في مصر . ودستور 2014 هو الدستور الذي نص أيضاً وبشكل واضح علي أن ما حدث في 25 يناير 2011 ثورة شعبية ، وما حدث في 30 يونيو 2013 ثورة شعبية أيضاُ ، وطبقاً لما قاله المستشار عادل ماجد نائب رئيس محكمة النقض في مصر ، وأستاذ القانون الفخري ب"جامعة درهام – المملكة المتحدة " فإن المعايير الدولية تقوم علي حقيقة أنه في البلاد التي عانت من نظم استبدادية يجب أن يعقب زوال تلك النظم الأخذ بمبادئ العدالة الانتقالية التي تقوم أساساً علي توثيق انتهاكات حقوق الإنسان ، ومحاسبة المسئولين عنها ، ومعرفة حقيقتها ، وإصلاح مؤسسات الدولة ، وإعادة هيكلة من تورط منها في ارتكاب الجرائم والتجاوزات ، وإعلام المواطنين بحقيقة ما حدث من انتهاكات في حقهم ، مع القصاص العادل للضحايا ، وإنصاف أهليتهم ، وتخليد ذكراهم ، ووضع البرامج اللازمة لإعادة تأهيل ودمج من هم علي قيد الحياة منهم ، وصولاً إلي تحقيق المصالحة بين أطياف المجتمع المختلفة ، بما يسهم في الانتقال بالمجتمع من مرحلة عدم الاستقرار إلي مرحلة المصالحة والسلام والاجتماعي ، مما يوفر بيئة مناسبة للنمو الاقتصادي . العدالة الانتقالية أصبحت من الحتمية بمكان أن تعتبر مشروع قومي وحتمي في مصر ، نظراً لما مرت به من حالات فوران شعبي ، ما تزال أصداء هذا الفوران حاضرة في كل مكان بالبلاد ، وربما هذا ما اضطر المشرع الدستوري أن ينص صراحة وبشكل واضح في دستور 2014 إلزام مجلس نواب 2015 بإصدار قانون العدالة الانتقالية ، وألزمه بشكل أوضح أن يكون من أهدافه تحقيق المصالحة الوطنية في النهاية . لم تكن مصر طوال تاريخها دولة علمانية – أى دولة تتبنى فصل الدين عن هيكل الدولة-، فمنذ عهد الفراعنة لعب الدين دوراً محورياً فى حياة المصريين، وفى كيان الدولة المصرية ذاتها. ومنذ دخول الإسلام مصر، بدأت تتشكل هويتها على أساس الدين، حتى صارت الهوية الدينية لمصر جزءا لايتجزأ من هويتها الوطنية. وقد أكدت الدساتير المصرية الحديثة هذه الحقيقة، وبعد ثورة 25 يناير 2011، استغلت التيارات الإسلامية الهوية الدينية للوصول إلى الحكم، وسعت الى استبدال هوية دينية خالصة بالهوية الوطنية للمصريين،تحت مسميات عدة، لعل أظهرها كان "أخونة الدولة" وحماية المجتمع للدين والقيم الأخلاقية للأسرة المصرية، وغير ذلك من التعبيرات التي حفلت بها السنة التي شهدت الحكم الاخواني لمصر. وعلى الرغم من انتهاء الحكم الإسلامي، ستظل الهوية الدينية الوسطية جزءا من هوية الشعب المصري الذي هو أهم ركن في الدولة. ومن أجل ذلك، يكون من الضروري عند تناول هوية الدولة المصرية في دستور مصر الثورة أن نبدأ بالهوية الدينية للشعب، ثم بالهوية الوطنية للدولة.
الهوية الدينية للشعب:
في دستور 2014، كما في الدستور السابق، تم التأكيد على الهوية الإسلامية للدولة في المادة الثانية من الدستورين، التي صارت جزءا من التراث الدستوري المصري الحديث: الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. وقد كان من الأفضل في تقديرنا أن لا ينص الدستور على دين للدولة، وهى شخص معنوي، ويكتفي بالنص على دين غالبية سكان الدولة، كأن يكون النص: الإسلام دين غالبية سكان الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
لكن تم إلغاء المادة 219 من دستور 2012، والتي كانت تنص على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة». فهذه المادة، التي كانت من الإبداعات التي تغنى بها السلفيون، بما تضمنته من تفسير لمبادئ الشريعة الإسلامية، كان من شأنها خلق إشكالات دينية يكتنفها الغموض، وتفسح المجال للاختلاف وللمتاجرة بالدين، كما كان من شأنها أيضا أن تؤدى إلى الجمود الفقهي وغلق باب الاجتهاد، وتضارب التشريعات وفقًا للاجتهادات الفقهية المعاصرة في مسائل مستقرة ومتفق عليها، مثل المواطنة والجنسية والنظام الانتخابي والنظام العقابي بالتعازير التي لا تدرأ بالشبهة كالحدود. أما دستور 2014، فقد حسم تفسير المبادئ الشرعية بما انتهت إليه أحكام المحكمة الدستورية العليا من أنها الأحكام الواردة في نصوص قطعية الثبوت وقطعية الدلالة، وهو ما يجنب مصر الولوج في فتنة تشريعية ومجتمعية كبرى.
- ألغى دستور 2014 من المادة 4 من دستور 2012 الفقرة الخاصة بجعل «هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف» مرجعية دستورية في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية. فمع وجود هذه الفقرة كان من المتصور نشوء ما يعرف بولاية الفقيه، التي تصف الاجتهاد الفقهي، الذي هو عمل من نتاج الفكر البشرى لاقدسية ولا معصومية له،بأنه من الشريعة الإسلامية الواجبة الإتباع فى كل زمان ومكان، وهو مايجعله سيفًا مشهورا فى وجه المجتهدين الآخرين، كما أنها كانت سترتب فى الوقت ذاته إزدواجية المرجعية الدستورية بين الأزهر والمحكمة الدستورية العليا المختصة أصلا بالرقابة على دستورية القوانين، فضلًا عن سحب السلطة التشريعية من مجلس النواب، وجعلها فى الحقيقة بيد هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف. وقد صحح دستور 2014 صفة الأزهر الشريف بأنه «هيئة إسلامية علمية مستقلة»، بعد أن كان في دستور 2012 المعطل: «هيئة إسلامية مستقلة جامعة». فهذا النص الأخير كان يصف الأزهر بالإسلام المطلق الجامع لكل مقاصده، والحق أن الأزهر يختص بالجانب العلمي في الإسلام. غير أنه توجد ملاحظة على نص المادة الخاصة بالأزهر الشريف، حيث ذكر أن الأزهر: "هو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية" (م7)، وكلمة أساسى هنا تعنى وجود مرجعيات أخرى ثانوية قد يرجع إليها، مثل المرجعية السلفية، ومرجعية خطاب السلفية الجهادية، أو خطاب تنظيم القاعدة أو غيرها من خطابات الجماعات الإسلامية المتشددة، لهذا كان الأجدر حذف كلمة «الأساسي» من دستور 2014، لكي تصاغ الجملة على النحو التالى: وهو المرجع فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية. – حظر دستور 2014 الاستغلال السياسي للدين، فنص صراحة في مادته (74) على أنه: «لا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى، أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل». أما دستور 2012 المعطل، فكان يفتح الباب أمام الأحزاب الدينية، التى تزعم مرجعيتها الدينية وبرامجها الشرعية، حيث كانت المادة (6) منه تقتصر فى نصها على أنه: "لا يجوز قيام حزب سياسي على أساس التفرقة بين المواطنين"، وهو نص لا يحظر الأحزاب الدينية صراحة أو دلالة. وبعد أن تم إقرار الدستور الجديد، يكون على الأحزاب الدينية القائمة توفيق أوضاعها، ما لم يكن بقاؤها كما هى هو مقابل دعمها لخارطة الطريق ،والتنازل عن بعض المواد الخلافية فى دستور 2012 المعطل، وعدم انحيازها للنظام السابق على ثورة 30 يونيه وقد كانت جزءا منه.
- قرر دستور 2012 المعطل صيانة حرية الاعتقاد، وهو ماكان ينسحب على غير الأديان السماوية المعترف بها فى الدولة، فقد نصت المادة (43) منه على أن: «حرية الاعتقاد مصونة»، لكن حرية ممارسة الشعائرالدينية وإقامة دور العبادة التى تكفلها الدولة هى التى قيدت بالأديان السماوية. أما دستور 2014، فقد اكتفى باستبدال وصف "مطلقة" ب"مصونة"، وذلك في مادته 64، ونصها"حرية الاعتقاد مطلقة". والإطلاق يعنى عدم تدخل الدولة بأى صورة في معتقدات الناس. وبذلك، أطلق دستور 2014 الأمر فيما يتعلق بحرية الإعتقاد التى لا تتقيد بأى قيد، أيا كان معتقد الإنسان. أما حرية الممارسة العلنية للشعائر الدينية وإقامة دور العبادة، فى إطار الأديان السماوية المعترف بها من الدولة، فقد صارت حقا ينظمه القانون، من دون أن تتمتع بكفالة دستورية. الا أن قراءة هذه المادة لا بد أن يأخذ أيضا بعين الاعتبار نص المادة 93 من الدستور ذاته التي تلزم الدولة بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التى تكفل حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية لكل إنسان من دون تمييز. – ألغيت المادة 44 من دستور2012 المعطل، والتي كانت تنص على أن: «تحظر الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة». وكانت هذه المادة بمثابة قنبلة موقوتة، يمكن أن يفجرها أي من مثيري الفتنة، الذي يرى فى هذه المادة نقطة ضعف المجتمع فى عاطفته الدينية، فيستغلها عند اللزوم، فضلاً عن أنها جزء من مبادىء الشريعة الإسلامية التى هى المصدر الرئيسى للتشريع، ومن ثم فلا حاجة لها. أما دستور 2014 فقد نص فى مادته (53) على أن: «التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون»، وهذا كاف لمنع أى إساءة لدين أو لرسول أو لنبى أو لصاحب مذهب أو دعوة إصلاحية اجتماعية أو سياسية لا تناقض قيم المجتمع العليا وهوية شعبه الدينية، متى كان من شأنها المساس بمشاعر مجموعة من المواطنين أو المقيمين. – بالنسبة لغير المسلمين: الهوية الدينية للدولة المصرية ليست إسلامية فقط. ففي مصر عاش المصريون مع إخوانهم من غير المسلمين منذ الفتح الإسلامى لمصر. لذلك أكد دستور 2014، كما دستور 2012 ، على حق غير المسلمين فى تحكيم شرائعهم الخاصة فى مسائل الأحوال الشخصية التى لها وثيق ارتباط بالمعتقد الدينى. فنصت المادة 3 من الدستور الجديد على ما يلى: "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية". كما ورد النص فى الأحكام الانتقالية لدستور 2014 على التزام مجلس النواب القادم، فى أول دور انعقاد له بعد العمل بالدستور، بإصدار قانون لتنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية (م 235)، وهو مالم يكن منصوصا عليه فى دستور2012.وما كان من المتصور أن ينص على ذلك فى دستور وضعته جمعية تأسيسية، سيطرت عليها أغلبية ساحقة من تيار الإسلام السياسي المتشدد. بيد أن النص الجديد أغفل دور العبادة لغير المسيحيين من اليهود، وكنا نفضل أن يكون القانون الذي يصدره البرلمان شاملا لدور العبادة كلها بقواعد موحدة تسوى بينها فى أحكام البناء والترميم.
- أكد دستور 2014 على المساواة بين المواطنين باعتبارها من أهم مبادئ الشريعة الإسلامية، فنصت المادة (53) على أن "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الإجتماعى، أو الإنتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأى سبب آخر".وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء علي كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض. وكان دستور 2012 يكفل أيضا فى المادة (33) المساواة التامة بين المواطنين، لكنه لم يكن يفصل أسباب التمييز المنهى عنه. ونهج دستور 2012 كان أفضل، لأنه كان ينهى عن التمييز لأي سبب كان غير ما ورد ذكره صراحة فى النص الدستورى على سبيل المثال لا الحصر، مثل الحالة الصحية.
الهوية الوطنية للدولة: – نصت المادة الأولى من دستور 2014 على عدم جواز النزول عن أى جزء من إقليم الدولة أيا كان المركز الرسمى للمتنازل. فالدولة المصرية "موحدة لاتقبل التجزئة، ولاينزل عن شئ منها". وكانت المادة الأولى من دستور 2012لاتتضمن الشق الثانى من النص، وهو ماأثار الجدل حول نوايا نظام حكم الإخوان بالنسبة لأجزاء من إقليم الدولة المصرية،مثل حلايب وشلاتين وسيناء.
- تم اعتماد المادة 222 من دستور2014 بدلا عن المادة 220 من دستور 2012 المعطل، والتي كانت تنص على أن "مدينة القاهرة عاصمة الدولة ويجوز نقل العاصمة إلى مكان آخر بقانون"، وذلك ليطمئن المصريون على عاصمة وطنهم، بعد أن حسم الدستور الجديد عاصمة الجمهورية بأنها «مدينة القاهرة».- حددت المادة 223 من الدستور ألوان العلم وشكله بأنه: «مكون من ثلاثة ألوان هى الأسود والأبيض والأحمر، وبه نسر مأخوذ عن «نسر صلاح الدين» باللون الأصفر الذهبى»، ولم يخول المشرع العادى تحديده، على نحو ما جاء بدستور 2012 فى المادة 221 التى نصت على أن يحدد القانون علم الدولة، وشعارها، وأوسمتها، وشاراتها، وخاتمها، ونشيدها الوطني. وما ذهب إليه دستور2012 كان أفضل، لأن هذه التفصيلات، وإن كانت أساسية للدولة، إلا أنها تدخل في نطاق القانون. لذلك نصت ذات المادة من الدستور الجديد على أن يحدد القانون شعار الجمهورية وأوسمتها وشاراتها وخاتمها ونشيدها الوطني، وهي أمور لا تقل أهمية عن ألوان العلم وشكله.ربما كان دستور الإخوان قد ترك تحديد العلم للقانون، ليسهل استبدال شعارهم بالنسر.
- نصت المادة 223 فقرة أخيرة من دستور 2014على أن "إهانة العلم المصري جريمة يعاقب عليها القانون". وهو نص لم يرد له نظير بدستور 2012 ، وهو الأفضل متى كان القانون هو الذى يحدد الجريمة وعقوبتها.
- قطع دستور 2014 فى ديباجته – التى هى جزء منه – وصف الحكومة بأنها «مدنية»، لينهى موطنا لإثارة الفتن المجتمعية بالتخويف من الحكومة العسكرية أو الحكومة الدينية.وقد كان الأفضل أن توصف الدولة ذاتها فى صلب الدستور بأنها مدنية، اتساقا مع الروح العامة للدستور، لكنها التوافقات والمواءمات والشيء مقابل الشيء.
- نص دستور 2014 فى المادة (236) على أن "تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وذلك بمشاركة أهلها فى مشروعات التنمية وفى أولوية الاستفادة منها، مع مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلي، خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون، وتعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون".ونرى خطورة فى هذا النص المستحدث الذى يقرر خصوصية للمناطق الحدودية، بما يعد إقرارا بمشكلة لطالما أحاطت بها أياد خارجية، ربما تستغل من أعداء الوطن والمتآمرين عليه مستقبلاً، فالمفترض أن مشكلة سكان النوبة لا تزيد أهمية على مشكلة تمليك أهل سيناء لأراضيها، ولا على مشاكل الذين تنتزع الحكومة أراضيهم وتصادر بيوتهم ومزارعهم من أجل المنفعة العامة، ولا تختلف كثيرا عن أولئك الذين دمرت السيول بيوتهم ومزارعهم وتجارتهم وتم نقلهم لمواقع أخرى بعيدة عن السيول.ونعتقد أن لجنة الخمسين قد جانبها الصواب فى ذلك، وكان يكفى توجيه الحكومة بزيادة الاهتمام بها وبغيرها من المناطق الفقيرة والأشد فقرا والمهمشة. وهكذا نجد دستور 2014 أكثر وضوحا فى تحديد الهوية المصرية، التي تغلب المواطنة والتسامح، بدلا من التشدد والجمود. والدستور إن كان ينص على الهوية الدينية للمواطنين، وهي واقع لا يمكن إنكاره، فهو يسوى بينهم في حرية الاعتقاد، ولا يغلب الهوية الدينية على مدنية الدولة، فالدين لله والوطن يجب أن يسع الجميع، ولايفرق بينهم فى الحقوق والواجبات والحريات العامة. إذن فالمصالحة الوطنية أصبحت غاية حتمية وفقاً للدستور ، وهي وإن كانت ما تزال مرفوضة من غالبية الأطراف الفاعلة في الشارع المصري الآن ، حتى أصبح الحديث عنها كبيرة من الكبائر ، إلا أن كل التجارب في العالم تقول أن العدالة الانتقالية بأركانها التي من أهمها المصالحة الوطنية ، تٌعد هي الضرورة الحتمية لاستقرار الأوضاع بعد أي ثورة ، فما بالك بثورتين ، يقول فيهما المستشار عادل ماجد الخبير في نظم العدالة الانتقالية أن مصر معهما بحاجة إلي عدالة انتقالية مركبة ، لأنه لم يحدث أن مرت تجربة في العالم بما مرت به مصر ، ثورتين شعبيتين متكاملتين عند البعض متعارضتين عند البعض الآخر ، ما يضفي عليها عند تطبيق مفاهيم العدالة الانتقالية مزيداَ من الحساسية والتعقيد سواء علي المراحل الزمنية التي يجب أن تشملها ، أو نوعية الجرائم التي ستتصدي لها ، أو الآليات التي سيتم استخدامها مثل " كشف الحقيقة المحاسبة العفو جبر الضرر الإصلاح المؤسسي المصالحة تخليد الذكري وحفظ الذاكرة الوطنية ، و .. و .. إلخ " . ومع ذلك ورغم كل الأهداف السامية والنبيلة للعدالة الانتقالية كحل حتمي في النهاية لتحقيق المصالحة الوطنية وصولاً إلي الاستقرار والسلام الاجتماعي إلا أن طريق العدالة الانتقالية في مصر مزروع بكثير من الألغام التي تجعل السير فيه وفي ظل الظروف التي تمر بها البلاد نوعاً من أنواع المغامرة المحفوفة بالمخاطر ، فلا يمكن مثلاً أن تشرع في إعادة هيكلة جهاز الشرطة أحد أهم أسباب اشتعال ثورة 25 يناير في وقت يخوض فيه أفراد هذا الجهاز أشرس المواجهات في تاريخه مع الإرهاب بعد ثورة 30 يونيو ، ولا يمكن أن تفرض مبدأ المحاسبة علي من ارتكب جرائم الدم ، دون وجود آليات تكشف القاتل وتحدد شخصيته ودوافعه ، وتميط الخمار عن المحرض لكي يشمله العقاب جنباً إلي جنب مع القاتل الفعلي ، فحني هذه اللحظة لم نعرف من الجاني الحقيقي موقعة الجمل ، وقبل يومين سقطت شيماء ولم نعرف قاتلها رغم انتشار الكاميرات في كل مكان بمسرح الجريمة في طلعت حرب ، ولا يمكن أن تقنع الضحية أو ذويه بالعفو ، ونار فؤاده لم تهدأ بعد علي فقيده ، هذا فضلاً عن انه لا يمكن للقطاع الأكبر من الشعب أن يقبل بالعفو عمن تلطخت أيديهم بالدماء ، سواء بالقتل المباشر أو بالتحريض ، لذلك فكشف الحقيقة والمحاسبة وهما من أهم أركان العدالة الانتقالية لا يمكن تطبيقهما من دون وجود مفوضية محايدة لديها كامل الأدوات، في كشف الحقيقة ومحاسبة الجاني ، والإصلاح المؤسسي وجبر الضرر ، ثم بعد ذلك نحتاج إلي نشر ثقافة العفو ، وهي ثقافة منوط بها الإعلام النقي والهادف ، وهو غير متوفر حالياً في ظل استقطاب إعلامي متطرف .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.