تتسم السياسة الخارجية لأى دولة برشادتها بما تحققه من مصالح سياسية واقتصادية, وبمدى تعدد دوائرها واستقلاليتها, ومع تراجع الأيديولوجيا أصبحت المصلحة هى المعيار الأساسى الحاكم للعلاقات الخارجية للدول وبناء تحالفاتها. وفى هذا الإطار تمثل زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى الحالية لروسيا تجسيدا لملامح السياسة الخارجية المصرية فيما بعد ثورتى 25 يناير و30 يوينو, والتى ترتكز على تعدد وتنوع الحلفاء الخارجيين وعدم جعلها أسيرة لدائرة واحدة تفقدها استقلاليتها, كما كان سائدا قبل ذلك, كذلك تستهدف تعظيم المصالح المصرية فى جميع المجالات, ولاشك أن المناخ الآن موات لتحقيق انطلاقة قوية وشراكة حقيقية بين البلدين تحقق مصالحهما المشتركة والمتبادلة, فمن ناحية هناك مجالات واسعة لتعظيم التعاون الاقتصادى بين البلدين وإقامة المشروعات المشتركة مع تدشين مصر لمحور قناة السويس والذى يحمل فرصا اقتصادية واعدة, ومن ناحية ثانية فإن العلاقات السياسية القوية بين البلدين من شأنها أن تسهم فى دفع العلاقات الاقتصادية والتجارية والتى لا تتناسب حاليا مع حجم الدولتين, حيث إنها لا تتجاوز 5 مليارات دولار, ومن ناحية ثالثة فإن الزيارة تأتى فى سلسلة اللقاءات التى جمعت الرئيسين السيسى وبوتين, حيث تسهم الصداقة القوية بينهما فى تأكيد الرغبة الحقيقية لتطوير العلاقات, ومن ناحية رابعة فإن التحديات المشتركة للبلدين مثل قضايا الإرهاب وانتشار التشدد والأزمات المشتعلة فى المنطقة تدفعهما لتنسيق المواقف والتحركات بشأن التوصل إلى أنسب السبل للتعامل معها. ولذلك فإن الزيارة تعد فرصة مهمة لإبرام العديد من الصفقات والمشروعات المشتركة خاصة فى المجال الاقتصادى, وفى المجال العسكرى لتنويع مصادر التسلح المصرى وعدم الاعتماد فقط على مصدر واحد فقط, بعد الحصول على طائرات الرافال من فرنسا. وبالطبع فإن لغة المصالح هى صمام الأمان للحفاظ على العلاقات المصرية الروسية وضمان استمرار تطورها, وروسيا اليوم ليست روسيا إبان الاتحاد السوفيتى, فالسياسة الروسية فى عهد بوتين تتصف بالبراجماتية التى تسعى لاستعادة دور ومكانة روسيا فى النظام الدولى وترجمة قدراتها الاقتصادية لقدرات سياسية تمكنها من الانخراط فى قضايا الشرق الأوسط بما يدعم مصالحها وتعظيم نفوذها. وبالتالى فإن السؤال هو ماذا تريد روسيا من مصر وماذا تريد مصر من روسيا, وبعبارة أخرى ما هى المنافع المتبادلة بين البلدين هو التى ستحكم مدى التقارب بينهما, خاصة أن كلا منهما يحتاج للآخر, فروسيا تستهدف تقوية علاقاتها بحليف قوى مثل مصر يمكن أن يسهم التفاهم معها فى التوصل إلى حلول سياسية سلمية للعديد من أزمات المنطقة ومحاربة ظاهرة الإرهاب المتصاعدة التى تمثلها داعش والقاعدة وأنصار الشريعة وغيرها, كما أن روسيا, مع تراجع حلفائها التقليديين مثل سوريا وليبيا, تسعى إلى استعادة دورها الفاعل فى المنطقة بما يحافظ على مصالحها, كما أنها ستستفيد من التعاون الاقتصادى والعسكرى مع مصر. وفى المقابل فإن مصر, وهى تتجاوز المرحلة الانتقالية وتسعى لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة, من مصلحتها تقوية علاقاتها مع دولة كبرى تمتلك قدرات اقتصادية يمكن الاستفادة منها فى مجال الاستثمارات والتكنولوجيا والزراعة والطاقة النووية للأغراض السلمية, حيث ستبنى روسيا المفاعل النووى بالضبعة, وزيادة السياحة الروسية لمصر, والتى تحتل المرتبة الأولى, كذلك الاستفادة من الخبرات والتجربة التنموية خلال العقدين الآخرين التى مكنت روسيا من استعادة عافيتها الاقتصادية, كما أن مصر من مصلحتها تحقيق التوازن فى النظام الدولى فى ظل الخلل الشديد الذى يعانيه منذ سيطرة الولاياتالمتحدة بمفردها عليه بعد انتهاء الحرب الباردة, وأسهمت سياساتها المتخبطة فى إشاعة حالة عدم الاستقرار خاصة فى منطقة الشرق الأوسط, وهو ما جسدته الإستراتيجية الأمريكية فى التعامل مع أزمات المنطقة, وفى محاربة تنظيم داعش الإرهابى, وفى تراجع الدور الأمريكى فى عملية السلام وحل القضية الفلسطينية بصورة عادلة ودائمة والتغاضى عن الممارسات العدوانية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى. ومن هنا فإن التحالف المصرى الروسى لا يرتكز على أسس أيديولوجية, وإنما يتركز على أسس مصلحية تستهدف بالأساس مصالح الشعب المصرى، وأن تدعم السياسة الخارجية الأوضاع الداخلية, ومن ثم من المهم أن يكون هناك إطار مؤسسى قوى بين البلدين سواء فى مجلس الأعمال المصرى الروسى أو تحقيق الشراكة بين القطاع الخاص فى البلدين أو اللجان العليا لترجمة التعاون بينهما إلى مخرجات على أرض الواقع يتم تنفيذها وفق جداول زمنية محددة ومتابعتها وإزالة العقبات والتحديات التى تواجهها, وبحيث تكون الزيارات المتبادلة على مستوى الرؤساء فرصة لمراجعة ما تم تنفيذه من اتفاقيات، وإبرام اتفاقيات تعاون جديدة. كذلك من المهم أن تشمل العلاقات بينهما المستوى الرسمى، والمستوى غير الرسمى مثل الدبلوماسية الشعبية والإعلام ورجال الأعمال بما ينشىء شبكة متكاملة للمصالح المشتركة بينهما. كذلك من المهم ألا يكون التقارب التحالف المصرى الروسى بديلا عن التقارب والتحالف المصرى مع الدول الأخرى مثل الولاياتالمتحدة, وإنما يأتى فى إطار تنويع وتعدد التحالفات المصرية الخارجية مع كل الدول الكبرى والصغرى على السواء فى قارات العالم بما يحقق مصلحة مصر والمواطن المصرى, وبما يدعم استقلالية السياسة الخارجية المصرية, ويعظم الدور المصرى إقليميا ودوليا فى ظل التهديدات المتزايدة مع استمرار الأوضاع المشتعلة فى ليبيا وسوريا والعراق واليمن وتتطلب تعزيز التنسيق بين مصر وروسيا. لمزيد من مقالات د . أحمد سيد أحمد