تبدأ من 250 دولارا للمتر.. طرح 733 وحدة في القاهرة الجديدة وأكتوبر وزايد للمصريين بالخارج    نقيب الصحفيين ل قصواء الخلالي: إسرائيل ترتكب جريمة ضد الإنسانية في حق الفلسطنيين    ضياء رشوان: نتنياهو في مأزق وكل تفكيره البقاء بالحكم لأطول فترة    محمود فوزي: «الحوار الوطني» يدعم قرارات الدولة المصرية لحماية الأمن القومي    في يوم الربو العالمي.. هل تشكل الحيوانات الأليفة خطرا على المصابين به؟    إصابة 9 أشخاص في انقلاب سيارة بالمنيا    الصين وفرنسا تؤكدان ضرورة حماية المدنيين في قطاع غزة    هتوصل للقلب بسرعة.. أجمل كلمات تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024    "في لقاء بطله العارضة".. دورتموند يعبر باريس ويصل لنهائي دوري الأبطال    بالصور.. أنغام تكشف عن جلسة تصوير بفستان حفل أوبرا دبي "الساحر"    القيادة المركزية الأمريكية والمارينز ينضمان إلى قوات خليجية في المناورات العسكرية البحرية "الغضب العارم 24"    ملف العمل في "الجمهورية الجديدة "| الحلقة الثانية عشرة.. تشريعات لتعزيز علاقات العاملين وامتثال للمعايير الدولية    للمرة الأولى.. سيدة من ذوي البصيرة رئيسا لأحد الأقسام بجامعة الأزهر    أثارت الجدل بإطلالتها.. مطربة شهيرة تظهر بفوطة حمام في حفل Met Gala    مريم الجندي تتألق بالأسود في أحدث ظهور لها على "إنستجرام".. صور    بالفيديو.. أسامة الحديدي: سيدنا النبي اعتمر 4 مرات فى ذى القعدة لهذا السبب    النفط يتراجع مع استئناف الحكومة الأمريكية شراء النفط لاحتياطيها الاستراتيجي    تحديد موعد انطلاق مهرجان أجيال السينمائي    الشعب الجمهوري بالشرقية يكرم النماذج المتميزة في صناعة وزراعة البردي    انعقاد ثالث المجالس الحديثية بالمحافظات.. السبت المقبل 11 مايو    أسامة كمال: اتحاد القبائل العربية حائط صد لمنع زعزعة الاستقرار    «عبدالمنعم» يتمسك بالإحتراف.. وإدارة الأهلي تنوي رفع قيمة عقده    تخفيض الحد الأدنى للفاتورة الإلكترونية إلى 25 ألف جنيها من أغسطس    بوينغ تلغي أول رحلة مأهولة لها إلى الفضاء بسبب خلل في صمام الصاروخ    أماني ضرغام: تكريمي اليوم اهديه لكل إمراة مصرية| فيديو    بالفيديو.. خالد الجندي: الحكمة تقتضى علم المرء حدود قدراته وأبعاد أى قرار فى حياته    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    زراعة عين شمس تستضيف الملتقى التعريفي لتحالف مشاريع البيوتكنولوجي    مراقبة الأغذية بالدقهلية تكثف حملاتها بالمرور على 174 منشأة خلال أسبوع    وصفة تايلاندية.. طريقة عمل سلطة الباذنجان    جامعة القاهرة تعلن انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض الطويلة    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة داخل ترعة في قنا    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    وفد النادي الدولي للإعلام الرياضي يزور معهد الصحافة والعلوم الإخبارية في تونس    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    البرلمان العربي: الهجوم الإسرائيلي على رفح الفلسطينية يقوض جهود التوصل لهدنة    وضع حجر الأساس لنادي النيابة الإدارية في بيانكي غرب الإسكندرية (صور)    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    الرئاسة الفلسطينية تحمل واشنطن تبعات الاجتياح الإسرائيلي لرفح    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    ضبط نصف طن أسماك مملحة ولحوم ودواجن فاسدة بالمنيا    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    هجوم ناري من الزمالك ضد التحكيم بسبب مباراة سموحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفتح ملف تجديد الخطاب الدينى.. ودراسة أزهرية تكشف:أولويات العمل الدعوى كالهرم المقلوب .. والتجديد واجب شرعى لمواجهة الإرهاب
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 08 - 2015

تمر الأمة بمرحلة عصيبة وحرجة وقد أصابها الجهل بحقائق هذا الدين وأصبح عرضة للتفسير طبقا للأهواء واتخذ وسيلة لتحقيق أهداف لأجندات داخلية وخارجية .
واقع مؤلم يستلزم الإسراع بجدية فى تجديد الخطاب والخطيب معًا يتفق على أولوية العمل بما تقتضيه ظروف المرحلة، من رأب للصدع وتوحيد للصف لمواجهة الإرهاب والفكر المنحرف، وتحصين المجتمع من آثاره المدمرة، تجديدا لا ينكر الأصول والثوابت، بل يقدمها بلغة عصرية يفهمها الجميع .
هذا ما تؤكده دراسة جاءت تحت عنوان " تجديد الخطاب الدينى " أعدها الشيخ محمد زكى الأمين العام للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر قدمها ل"الأهرام " كرؤية تحليلية وسطية من "الأزهر" حول قضايا الدعوة وتجديد الخطاب الدينى والتكفير .
وأكد من خلالها أن تجديد الدين لا يعنى تغييره أو تبديله إنما المحافظة عليه ليكون غضًّا طريًّا كما أنزله الله تعالى على رسوله. وبتصحيح المفاهيم الفاسدة وترك التقليد الأعمى والسعى لبناء وعى إسلامى حضارى يصلح الدنيا ولا يفسدها ويؤمن الناس ولا يخيفهم. فالتجديد محل إجماع عند علماء المسلمين والقول بغير ذلك اتهام لهذا الدين بالجمود والرجعية والتخلف والقصور.
واستنكر الشيخ محمد زكى تجرؤ أنصاف المتعلمين ومن لا علاقة لهم من قريب ولا من بعيد بعلوم الإسلام وفنونه على التجديد وكيفية إدارته, موضحا أن أحكام الإسلام ليست بأقل حرمة من قضايا الهندسة والطب، وان التجديد مهمة الراسخين فى العلم، عبر المجامع والمؤتمرات العلمية الجامعة التى تتمتع بالاستقلال وحرية الرأي.وهى مهمة أفاضل المؤمنين.
كما طالبت الدراسة بإتاحة الفرصة للدعاة للتعبير عن الفكر الدينى الصحيح بالنقد البناء والمجادلة بالحسنى، واعتماد الأدلة والبراهين العقلية والنقلية فى خطابهم الدينى وتجنب مخاطبة الناس بالخرافات التى تملأ كتب الوعظ والإرشاد. وتجنب الانتصارات المذهبية، والجمود على الفتاوى الموروثة.
وأكدت الدراسة أن المؤسسات التعليمية المعنية بتخريج القادة والمفكرين والدعاة المصلحين، أخفقت إلى حد كبير فى إخراج المسلم المفكر، وخرجت أجيالا ضعيفة فى انتمائها، مضطربة فى تفكيرها، عاجزة عن تسخير معارفها لخدمة الأمة، وعجزت فى هذا التوقيت العصيب أن تقدّم للأمة علماء مسلمين قادة ومفكرين ومجددين يستطيعون أن يقدموا الإسلام للأمة من خلال كلياته وغاياته ومقاصده، فانحسر الفكر الإسلامي، ولم يعد هو المهيمن على حياة المسلمين وتفكيرهم.
مظاهر الضعف
إنّ شأن الخطاب الدينى كشأن أيّ أمر فى الحياة قد تعرض له بعض الآفات التى تعوقه عن أداء الدور الأمثل فيحتاج إلى علاج. وقد تعرض الخطاب الإسلامى لعدد من مظاهر الضعف، متأثرًا فى ذلك بما يجرى على الساحة من حراك سياسى وفكرى واجتماعى منها ضعف عرض شمولية الإسلام فيُعرض مبتوراً مضخماً بعض جوانبه دون بعض , فهى تخاطب الروح وتهمل جوانب الفكر والثقافة، أو توغل فى الخطاب الفكرى والسياسى وتهمل الخطاب الإيماني، وهناك من يكثر من الخطاب العاطفى ويغفل الخطاب العقلي، وهكذا يكون الخطاب الدينى قاصرا وغير متوازن يؤدى إلى بتر الشخصية الإسلامية وتضررها .
ورغم أهمية التخصص فى علوم الإسلام كالحديث والتفسير والفقه.. إلا أن الذين تخصصوا لم ينسّقوا مع غيرهم، وربما تعدى ذلك إلى الخصام والعداء وتسفيه كل فريق الفريق الآخر وما هو عليه وعُرض الخطاب الإسلامى فى أحوال كثيرة مبتسرًا مبتورًا، حتى إن حديثى الإسلام ممن ليس لهم دراية بشمول الإسلام اعتنقوه على طريقة من اقتنعوا بخطابه، فمنهم من صار جهاديا محضا ولا يريد أن يرى أو يسمع شيئا آخر.
الشيخ محمد زكى الأمين العام للجنة العليا للدعوة بالأزهر

وحذر فضيلته من الخلط فى الولاء فبعض الدعاة ينتمون لتيار ما أو لجماعة ما وهم بذلك يضيقون على أنفسهم فى مجال الدعوة، فما رأته الجماعة والحزب هو الصحيح ، وما خالفه فهو باطل بقطع النظر عن موافقته أو مخالفته للأدلة، فيسوى هؤلاء الدعاة بين الولاء الشرعى لله رب العالمين، وبين الولاء لجهة أو هيئة أو جماعة، بل قد يفضل ولاءه لجهته على ولائه لله وهنا يحدث الفساد العريض. فالخطاب الدينى منفتح لا ينغلق على اتجاه فقهى واحد لذا يجب على الداعية ألا يتعصب لمذهب على مذهب آخر.
ضعف التأثير
ومن العيوب الخطيرة التى تستدعى التجديد ما يبرز فى خطاب بعض الدعاة حين ينظرون إلى الناس على أنهم عصاة مذنبون وربما فساق أو مبتدعون، وما كان النبى صلى الله عليه وسلم هكذا بل كان يحترم المخاطبين، ويحلم عليهم، ويعاود دعوتهم المرة بعد الأخرى. فكيف تؤثر دعوة يقدح صاحبها فيمن يخاطبهم ويجرحهم.ومن أخطر ما يقع فيه الدعاة أيضا أن بعضهم لا يعرف واقع من يخاطب، ومن لم يعرف واقع القوم وبيئاتهم فكيف سيخاطبهم ويقنعهم؟ فعدم ارتباط الخطاب بواقع الناس وما يتعرضون له من مشكلات تنظير باهت بارد .
والدعاة الصادقون مكلَّفون أن يعيدوا إلى غيرهم الثقة بالإسلام، وتبرئة ساحته من البدع والخرافات التى تشوه تعاليمه والتى دسها خصومه فيه. وأن يعرضوا دينهم عرضًا يفهمه الجيل الجديد فينشروا تعاليمه السمحة الداعية إلى تحقيق الأمن والسلام العالميين، بعد أن حصر كثير من الناس الدين فى العبادة ورأوا أن إقامة الصلاة وتلاوة الأذكار يقيم الأمم، دون نظر لمهام إصلاح واعمار الكون، وهذا واجب يعد النكوص عنه خيانة للإسلام.
يقول الشيخ محمد أن الخطاب الدينى الإسلامى موجه للبشرية فالإسلام دين عالمى جاء للناس كافة قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107) . وآيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية توضح بشدة أن الله تعالى لا يريد من العباد الإيمان عن طريق القهر والضغط، بل عن طريق النظر والفكر قال تعالى: "ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعًا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" (يونس:99) لذا يجب على الخطباء أن يقربوا أفكار الإسلام ومفاهيمه للناس كما فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن جعل الأفكار الإسلامية محركة لسلوك الناس وتعالج الواقع، وليس مجرد معلومات تحويها بطون الكتب وتتناقلها ألسنة الدعاة.
اتهامات مشبوهة
ويؤكد الشيخ محمد زكى أن تطاول بعض المناوئين للإسلام الذين يتهمونه بأنه دين حرب وقتال، وأنه انتشر بقوة السيف إنما يعتمدون على بعض النصوص المطلقة، ويفسرونها منفصلة عن بقية الآيات المقيدة، ومن المعلوم لدى العلماء أن المطلق يحمل على المقيد، ومن المعلوم من جملة النصوص أن المسلمين لم يؤمروا بالبدء بالقتال، بل ولو تم الاعتداء على المسلمين فإنهم مخاطبون بعدم التجاوز فى رد العدوان، قال تعالى: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم.. (البقرة:194) والأعجب والأصعب على النفس أن يستخدم المسلم آية من هنا وحديثًا من هناك يستحلّ بها القتل وإراقة الدم الذى صانه الشرع الحنيف، ويستحب بها الترويع والتخريب.
حتمية التجديد
إن تجديد الدين لا يعنى تغييره أو تبديله، وإنما يعنى المحافظة عليه والخطورة أن يستعمل التجديد بمعنى تغيير الدين وإخضاعه لعقل الإنسان وتفكيره مما يجعله عرضة للتبديل المستمر، ومع مرور الزمن يؤدى إلى ضياع الدين كليةً وتعود البشرية إلى الجاهلية مرة أخرى، فالتجديد بهذا المعنى دعوة تحريفية تسعى لإفقاد الأمة الإسلامية مصدر عزها وقوتها، فتصير أمة بلا هوية أو ثقافة وأخيرًا بلا دين لتصير أمة تابعة ذليلة ضالة.
ويكاد يكون تجديد الخطاب الدينى محل إجماع عند علماء المسلمين، فالقول بغير ذلك اتهام للدين بالجمود والرجعية والتخلف والقصور، ومن الأدلة على أنّ التجديد مشروع ما بيّنه النبى صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ " إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا" , إذ يعترى الأمة فترات ضعف ، تتسلل فيها عادات وأفكار معوجة تلحق بدين الأمة ، ومن ذلك سيطرة كثير من الأوهام والخرافات على العقل الإنساني، والعزوف عن الأخذ بالأسباب، والتشبث بالتقليد والتبعية العمياء ...
ومما يؤكد الحاجة للتجديد ظهور بعض الفلسفات والتقاليد والعادات التى غيرت فهم بعض الناس لكثير من حقائق الدين الإسلامى بسبب كثرة العوامل التى تحول بين الناس وبين تطبيق مبادئ الإسلام من انتشار الفساد، وتفشى البدع والضلالات وأيضا الغزو الثقافى لبلاد الإسلام التى تسعى غالبا لاختراق منظومة التعليم، والإعلام، لتربية أبناء المسلمين على قيم وعادات وأخلاق النظام الدولى الجديد وكذلك إخضاع الأنظمة السياسية والاقتصادية للنظام الأمريكى الذى يفرز سمومه على البلدان الإسلامية ليشوه معالم وحقائق هذا الدين، بإيجاد تيارات فكرية منحرفة وجماعات متطرفة عنيفة تخدم أهدافه التى تسعى للقضاء على هذا الدين عقيدة وشريعة وسلوكًا، فكيف يقبل من الداعية فى ظل هذه الأوضاع أن يركز على الأمور الفرعية والهامشية، ويعظم الأمور الهينة؟ ويتهرب عن قصد أو عن غير قصد من علاج المشاكل التى تشغل بال الناس وتستغرق همومهم؟
ضوابط التجديد
وكلّ بناء يؤسس على أصول غير صحيحة أو دون ضوابط واضحة بناء منهار فى نهاية أمره، وإن تطاول إلى عنان السماء، و الخطاب الدينى لا يصحّ أن يطالب الكثير بتجديده دون ضوابط صحيحة وواضحة، وإلا كان تخريبًا لا تجديدًا. وإذا كنّا فى كثير من التخصصات العلميّة كالطّب والهندسة .. لا نرضى أن يتكلّم فيها إلا المتخصصون، فكيف نقبل أن يتكلّم فى الدين من لا يفقه شيئًا من علومه؟ ويتجرأ على تجديد الخطاب الدينى أنصاف المتعلمين، وأرباعهم، أومن لا علاقة لهم من قريب ولا من بعيد بعلوم الإسلام وفنونه؟. لذلك فمبدأ التخصص أول ما يجب مراعاته، وقد أقر الإسلام هذا المبدأ، يقول الله تعالى: (...فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 43) .
الضابط الثانى للتجديد الالتزام بالموضوعية والتجرد من الأهواء بأن يبحث الدعاة عن الحق، سواء اتفق مع ميولهم وانتماءاتهم أم لا. والضابط الثالث ضرورة الاعتصام بالأصول والثوابت الإسلامية فثوابته لا تقبل التجديد، وأى تجديد يتناول شيئًا منها لا اعتبار له، كالتجديد الذى يسعى لإنكار ما أثبته الكتاب والسنة، أو التجديد الذى يتناول نقلة الدين وحملته من صحابة النبى صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن علماء الأمة بالسبّ والغمز واللمز.
ومن ثوابت الدين التى لا تقبل التجديد ولا التغيير: العقيدة الإسلامية، وأركان الإسلام الخمسة، وكل ما ثبت بدليل قطعى من المحرمات كالزنا والربا وشرب الخمر... وكذا ما ثبت بنصوص قطعية فى أمور الشريعة والحدود والقصاص والمعاملات، وأمور الأسرة من زواج وطلاق وإرث.وذلك عبر المجامع والمؤتمرات العلمية الجامعة التى تتمتع بالاستقلال وحرية الرأى.
أما الضابط الرابع فيتمثل فى الاعتراف بمحدودية العقل البشرى وعدم إحلاله محل الوحى وأى خوض فى أمور فوق طاقة العقل البشري، وخارج حدوده تخبط لا يجنى العقل من ورائه إلا الشقاء والضلال، لأن العقل الإنسانى مقيد بإطار الزمان والمكان الحسيين، والنشاط العقلى لا يتجاوز بمفرده دائرة الكون المحسوس، وأى محاولة للزيادة على ما أخبر به الوحى هو تنطع فى الدين، وشرود بالعقل فى غير مجاله ولن يعود بفائدة على الإنسان. كما أن أى تأويل غير مستقيم لهذه الأمور الغيبية إنما هو خروج بها عن حقيقتها وتجاوز واضح للعقل يفضى إلى تحريف الدين وتبديله لا تجديده .
المصالح والمفاسد
وتؤكد دراسة الشيخ محمد زكى على ضرورة التمسك بفقه الموازنات فى الخطاب الإسلامى بين المصالح بعضها مع بعض من جهة، أو المفاسد بعضها مع بعض من جهة ثانية، أو الموازنة بين المصالح والمفاسد من جهة ثالثة وتقديم الراجح منها وفق ضوابط مستمدة من الشريعة الإسلامية. وأيضا فقه الأولويات فهو وضع الأحكام والقضايا فى مراتبها الشرعية بدون تقديم أو تأخير. والناظر إلى ساحة العمل الدعوى يجد هرم الأولويات مقلوبا، فبعضها يسيطر عليه المنهج الحرفى المتميز بالسطحية والجزئية فى الاهتمام، والخشونة فى الدعوة وبعضها يميل إلى الخرافة والابتداع، والتقليد، والمراهنة السياسية فتنعدم لديهم المنهجية الصحيحة فى فهم المصلحة. كما أن بعض المتحدثين باسم الإسلام لا يعرفون عن حقائقه وأهدافه، وأولوياته شيئًا.
آفة التعصب
وعلى الداعية ألا يتعصب لمذهب على مذهب آخر، ولا بأس أن يعدل عن مذهبه فى بعض المسائل التى يرى أن الدليل فى مذهب آخر أقوى وأبين, فحين يتعصب مقلدو المذاهب الفقهية لأراء معينة، ويضفون عليها قداسة كأن كلام أحد هؤلاء الأئمة المتبوعين مشابه لكلام الله ورسوله، فقد نسوا أن اجتهاد أى إمام ليس إلا طريقة فى فهم النصوص، ولا قداسة لطريقة أى فقيه فى الفهم، إنما العصمة والقداسة لكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ويؤسفنا أننا تورطنا فى أخطاء علمية كبلت حاضرنا الفقهى بقيود شنعاء، فقد طويت آراء لا ينقصها التفكير الجيد ولا الإخلاص البين لفقهاء لا يقلون مكانة عن الأئمة الأربعة المشهورين ، ثم نظر إليها بإزدراء أو خصومة، ومن ثم حرم العالم الإسلامى دهرا من النظر فى فقه ابن حزم وابن القيم، و الليث، والأوزاعي، والطبري، وغيرهم .
إن من أعظم ما عنى به الإسلام فى مجال الدعوة هو تكوين الخطاب العقلى العلمي، ورفض الخطاب الظنى الخرافى المقلد، الذى ينقل كل ما يقرأ أو يسمع كقضية مسلمة، دون أن يعرضه على العقل، أو يضعه موضع اختبار . والإسلام يحتفل بالإدراك العقلي، ويقوّم منهجه فى النظر، فعلى الرغم من دور الوحى فى تحديد معالم هذا الدين، وموقفه من القضايا العقائدية والتشريعية والأخلاقية المتصلة بالإنسان والحياة، فإن دور العقل فى فهم هذه الأمور، وإدراكها يظل دورًا بارزًا لا يتصور إغفاله أو إنكاره, وأيضا إعماله شرح وتأويل النصوص بما يتناسب مع معطيات العصر حتى لا تطغى الموروثات الشعبية على النصوص، فتوجهها إلى مساندة الخرافات فى السلوك الاجتماعى وهناك مجال أوسع لإبراز دور العقل، فيما لم يرد فيه نص دينى من الكتاب أو السنة فدور العقل هنا الاجتهاد فى إطار الروح العامة للتشريع، مع مراعاته لواقع المجتمع المعاصر.
وأيضًا مراعاته للتوازن بين متطلبات الحياة المادية والروحية التى جاء بها الوحي، حتى لا تطغى مطالب الروح على الجسد والعكس , فتكون العزلة عن الحياة العامة، والتفريط فى حقوق الوطن فى العمل والإنتاج، أو إهمال مطالب الروح والانغماس فى الحياة المادية فيكون الجفاء الروحى يؤدى للشقاء فى الدنيا قبل الآخرة.
انفصام الخطاب والواقع
ومن أساليب التجديد والإحياء للخطاب الإسلامى مراعاته واقع الحياة التى يعيشها الناس. فبدون معرفة الداعية بواقع الناس ومشكلاتهم فلا تأثير لبيانه ، فلا يكفى الداعية أن يكون قد حصل العلوم الإسلامية والإنسانية، وجال فى مراجع الأدب واللغة والتاريخ..ومما يؤسف له حقًّا وجود هذا الانفصام بين الخطاب الإسلامى وواقع الحياة المعاصرة، وإغفالهم لواقع العالم الإسلامي، وما يكال ويدبر له من مكائد، وما وقع على بعض بلدانه من احتلال وغزو، وإساءة للمصحف تارة و لنبى الإسلام تارة أخرى.
والفتوى كجزء أساسى من الخطاب الإسلامي، لا بد قبل إصدارها من دراسة وتحليل الواقع، والأحوال التى تطرأ عليه والآثار المترتبة على الإفتاء برأى معين، وقد أصبح الواقع معقدًا مما يتطلب دراسته دراسة متأنية تقدر فيها المصالح والمفاسد، بل لا بد من الاستعانة قبل صدور الفتوى بأهل الخبرة فى علوم الاجتماع والإحصاء والسياسة والاقتصاد، وبذلك تصبح الفتوى صائبة لأنها حققت التلاؤم بين التشريع والواقع.
حرية التعبير
ويؤكد أمين عام اللجنة العليا للدعوة أن الاهتمام بإتاحة الفرصة للدعاة للتعبير عن الفكر الدينى الصحيح، والمبادئ الإسلامية الأصيلة، حتى لو صادمت ما عليه الحكام، من أهم أساليب التجديد، شريطة أن يكون النقد بنّاءً، ومتناولا فئات المجتمع كله، والمجادلة بالتى هى أحسن. فلا يقبل من الدعاة الذين هم مشاعل هداية أن يبصروا الخطأ دون دعوة لتصحيحه، وأن هذه الحرية التى ينشدها الدعاة والمصلحون، تقوم فى الإسلام على أساس مهم نابع من اليقين بالله وأنه رب كل شيء ومليكه، وخالق كل شيء ورازقه، وأنه المحيى والمميت.
إلا أن حرية الرأى والتعبير عن الآراء قد تكون مظلة للتيارات المنحرفة فكريًا، فتجد فى ذلك المبرر لها لتكتب وتتحدث عن ثرثرة فارغة أو أفكارٍ هدامة . فالمحزن أن مفهوم حرية التعبير شاع مقلوبًا فى أذهان عدد كبير من حملة الأقلام، فظنوه إرسال الكلام على عواهنه، وتسويد الصفحات بضروب من الهذر تضر ولا تنفع وكل ما حظره الإيمان من الوقيعة والنميمة، والغيبة والتجسس والشماتة، وإشاعة الفحش والرذيلة وصرف الناس عن الجادة وصدهم عن الحق والفضيلة والشرف، ولا يمكن عد هذه المسالك من حرية الكلام، بل هو من حرية الفسوق والتدمير، ومن المؤسف حقًّا: أن جل المتحدثين باسم الثقافة من أهل الاجتماع أو القانون، يتحدثون عن الحرية كشعار فقط، دون أن يبينوا دور الحرية فى حياة الناس، والأثر الإيجابى الذى يعود عليهم من تطبيق هذا المبدأ.
وتجديد الخطاب واجب دينى لا يعنى تجديد الأصول والثوابت، وإنما تجديد الوسائل والآليات ومفاهيم القائمين عليه وتدريبهم. ولا يقبل الكلام حول التجديد إلا من أهله المأمونين المعروفين باعتدالهم وصدق انتمائهم لهذا الدين . وللمسلم الحق فى أن يسأل عن دليل كل قول، وعن مدى صحته، وعمّن استدل بهذا الدليل على تلك المسألة من أهل العلم المتقدمين، وفى أى مرجع أو مصدر يمكن الاطلاع على ذلك. إن هذا المنهج فى التلقى والنقد يمثل دعامة قوية من دعامات إهدار أقوال أصحاب الأجندات الممولة المشبوهة.
تأهيل الداعية
وفى الإطار ذاته، كشفت الدراسة عن ضرورة قيام الجهات المسئولة العمل بشكل سريع وفعال بتأهيل الداعية الإسلامى بما يناسب المرحلة التى تمر بها البلاد، تتيح له القيام بمهامه الدعوية وتنقية الموروثات الثقافية للأمة الإسلامية وتوجيه الجماهير فى الداخل والخارج لما يحقق وحدتها،و كبح جماح الحركات المضادة للإسلام، كالحركات التكفيرية والجماعات التى تحمل فكرا عنيفًا. وضرورة الارتقاء بذوق الناس أدبيًّا وفكريًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا وأخلاقيًّا لإيجاد مجتمع مبدع ومثمر ومتميز.
وعلى المسلمين المخلصين الذين يعملون فى حقل الدعوة الإسلامية، ويعيشون واقع مأساة الأمة وحقيقتها تبنى مشروع قائم لاختيار مجموعة من أذكى وأنبه شبابها الامة، ويهيئوا لهم أفضل السبل لدراسة علوم الشريعة على أيدى علماء الشريعة.
وضرورة تعديل مسار الفكر لدى المسلمين، بحيث تعالج الأزمة الفكرية التى يعيشها المسلمون اليوم، ولا يدرك إلاّ القلائل أبعادها، هذه الأزمة التى تبرز بوضوح من خلال ضعف مؤسسات الأمة، وتدنى مستوى الوعى والمعرفة والتربية لدى أبنائها، وتفكك علاقاتها وانحراف الكثرة الغالبة من قياداتها، وإحباط المحاولات الخيرة للنخبة الصالحة من أبنائها، كل ذلك لأن الإسلام أقصى عن حياة الأمة.
وأشارت الدراسة إلى أن المؤسسات التعليمية المعنية بتخريج القادة والمفكرين والدعاة المصلحين، أخفقت إلى حد كبير فى إخراج المسلم المفكر، فالجامعات التى أقيمت على النمط الغربي، لم تر أن من مهمتها إعداد العالم المسلم فى سائر فروع المعرفة والذى يقوى على أسلمة جميع المعارف والعلوم على يديه، بل رأت أن مهمتها: إعداد المتعلم المفتون بعلوم الغرب، والذى سرعان ما يدير ظهره لعقيدة الأمة وأهدافها فخرجت تلك الجامعات أجيالا ضعيفة فى انتمائها، مضطربة فى تفكيرها، عاجزة عن تسخير معارفها لخدمة الأمة، فهذه المؤسسات وإن نجحت بشكل محدود فى أن تقدم للأمة بعض المتخصصين الجيدين فى العلوم والمعارف الإنسانية، إلا أنها عجزت فى هذا التوقيت العصيب أن تقدّم للأمة علماء مسلمين قادة ومفكرين ومجددين يستطيعون أن يقدموا الإسلام للأمة من خلال كلياته وغاياته ومقاصده، ويواجهوا التحديات المعاصرة، وينتصروا عليها، ولذلك انحسر الفكر الإسلامي، ولم يعد هو المهيمن على حياة المسلمين وتفكيرهم، وانفتحت عقول المسلمين وقلوبهم لكل ألوان الفكر المغاير للإسلام، ووقف المسلمون عاجزين عن معالجة قضاياهم السياسية والاقتصادية و الاجتماعية وغيرها.
شبهات المكفرين
وكشفت الدراسة أن آفة التكفير التى شاعت عند بعض التيارات والجماعات ولم ينج منها إلا قليلون, ومسألة التكفير ليست جديدة، فإطلاق الكفر على الناس لمجرد التأخر عن أداء بعض الأعمال لا يصح، إذ أن الحكم بالكفر على إنسان ليس مجرد كلمة تقال، وإنما يترتب عليها أحكام شرعية، فمن ذلك مثلًا: أنه يفرّق بينه وبين زوجته، ولا يبقى له ولاية على أولاده ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين إن مات، وغير ذلك من الأحكام. لذلك ينبغى التحرز من إطلاق الكفر على الناس، لمجرد شبهة، فإن كثيرا من النصوص حفظت على المسلمين إسلامهم بالرغم مما وقعوا فيه من مخالفات .
وأخيرا يرى الشيخ محمد زكى أن نشر العلم الصحيح الموروث عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم فى الكتاب والسنة وفهمها على هدى وفهم العلماء الربانيين، ثم رد ما اختلف فيه إلى أصحاب العلم كما أخبر القرآن الكريم، (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) "النساء83"، وكما قال تعالى: (..فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) "الأنبياء 7". هو بداية العلاج لظاهرة التكفير، بالإضافة إلى البحث عن أسبابها، وعوامل نشرها للوصول إلى علاجها واستئصالها من جذورها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.