أكثر من أربعة عقود مرت علي احراق المسجد الأقصي المبارك، أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ففي الحادي والعشرين من شهر أغسطس عام 1969، قام الإرهابي اليهودي الاسترالي "مايكل دينس روهان" وبدعم وغطاء من العصابات الصهيونية المغتصبة لفلسطين وقدسها ومقدساتها، بإحراق المسجد الأقصي المبارك، في جريمة تعتبر من أكثر الجرائم ايلاما بحق الأمتين العربية والاسلامية وبحق مقدساتهما. تمر علينا هذه الذكري، ولا يزال شعبنا العربي الفلسطيني يعيش حالة من التشرذم والانقسام، لم يشهد لها مثيلا منذ قيام الكيان الصهيوني، ناهيك عن حالة من الانقسامات واللامبالاة التي تعصف بالعالمين العربي والاسلامي. وقد بدأت قصة الحريق، عندما اقتحم المتطرف روهان ساحات الحرم القدسي الشريف، وتمكن من الوصول إلي المحراب وإضرام النار فيه محاولة لتدمير المسجد، وقد أتت النيران علي مساحة واسعة منه فقد طالت معظم أثاث المسجد المبارك وجدرانه، ومنبر صلاح الدين الأيوبي، ذلك المنبر التاريخي الذي استغرق بناؤه 20 عاماً، كما أتت النيران الملتهبة في ذلك الوقت علي مسجد عمر بن الخطاب ومحراب زكريا ومقام الأربعين، وثلاثة أروقة ممتدة من الجنوب شمالاً داخل المسجد الأقصي، وكان الأمر سيكون أعظم من ذلك، إلا أن المواطنين العرب حالوا دون امتدادها إلي مختلف أنحاء المسجد. وبلغت المساحة المحترقة من المسجد، أكثر من ثلث مساحته الإجمالية، حيث احترق ما يزيد على 1500م2، واليوم، وبعد مضي 46عاماً، لايزال الحريق مستمراً بصور متعددة، من خلال التهويد والحفر أسفل المسجد المبارك ومحاولة حرقه وهدمه، والاقتحامات اليومية ليل نهار، وإغلاق أماكن العبادة، والحرق المتعمد للمساجد والكنائس وحرمان الفلسطينيين من الصلاة فيهِ، والتضييق علي المقدسيين وهدم بيوتهم ورفض منحهم تراخيص لترميم بيوتهم، ومحاولة افراغ المدينة من سكانها العرب، ناهيك عن اعتداءات المستوطنين ليل نهار علي السكان وقتلهم وحرق عائلات بأكملها، كما حصل مع عائلة الطفل الرضيع الشهيد علي دوابشة. وقد وجدت تلك الإعتداءات والإنتهاكات الصهيونية ضد الأماكن والمقدسات الإسلامية، دعماً رسميًا كاملاً واحتضاناً من الحكومة اليمينية المتطرفة، التي أصدرت عشرات القرارات والمشاريع التهويدية بحق المقدسات، ولبناء الوحدات الإستيطانية، كما أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، أقر مبلغ 25 مليون دولار أمريكي، لمخططات تهويدية في منطقة البراق (الجهة الغربية من المسجد الأقصي)، فالمدينة المقدسة تتعرض وفقا لكم هائل من المعطيات والوقائع الموثقة، إلي التهويد الشامل في كافة مجالات ومناحي الحياة المقدسية، في الوقت الذي باتت فيه الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية علي حد سواء عرضة للإنتهاكات والاعتداءات المختلفة بلا توقف، والعدوان علي المسجد الأقصي، ليس محصورًا علي هذا الحريق فحسب، فمجازر عام 1990 وعام 1996 وعام 2000 ، ليست بعيدة، وبحسب تقرير أصدرته مؤسسة القدس الدولية، حول أوضاع القدس والمسجد الأقصي، نفذ الاحتلال 28 حفرية في الجهة الغربية من المسجد، و17 في الجهة الجنوبية، و5 في الجهة الشمالية. في هذه الذكري نتساءل, هل كانت جريمة إحراق المسجد الأقصي عملية عدوانية عادية ككل العمليات العدوانية اليومية علي الشعب العربي الفلسطيني؟ أم أنها تشكل ركناً أساسياً من بنية العقلية الصهيونية؟, والجواب ليس صعباً بالتأكيد، فمؤسس الحركة الصهيونية " ثيودورهرتزل"، يقول في مؤتمر بازل بسويسرا " إذا حصلنا يوماً علي القدس وكنت ما أزال حياً وقادراً علي القيام بأي شيء، فسوف أزيل كل شيء فيها، ليس مقدساً لدي اليهود، وسوف أدمر الآثار التي مرت عليها قرون ", وأخيرا، فإن جريمة حرق الأقصى كانت بداية انطلاق قافلة الإرهاب التي تشتد وتزداد هستيرية وسعارا، في ظل خريطة المفاوضات والتسوية العقيمة وصمت وعجز العالمين العربي والإسلامي.