أخيرا ، وبعد 19 شهرا من صدور دستور 2014 ظهر مشروع القانون الموحد للصحافة والإعلام إلى النور بعد خلافات عديدة فى الوسط الصحفى حول ما جاء فى المسودة الأولية له، وغضب من تجاهل ماتسمى باللجنة الوطنية لإعداد التشريعات الصحفية والإعلامية لمقترحات الصحفيين فى لجان الاستماع، بل ومن طريقة تشكيل اللجنة نفسها وماتم فيه. وقد تم فى الأيام الأخيرة تعديل كثير من المواد الخلافية فى المشروع فى سبيل المحافظة على وحدة الجماعة الصحفية لدعم هذا القانون المهم، لكن مازالت هناك ملاحظات مهمة على المسودة النهائية للقانون. وقبل التطرق إلى تفاصيل هذه الملاحظات، لابد من الإشارة إلى التناقض الذى ظهر فى المؤتمر الصحفى الذى عقد أمس الأول لإطلاق مشروع القانون بين بعض تصريحات كل من الأستاذ يحيى قلاش نقيب الصحفيين والأستاذ جلال عارف رئيس اللجنة والمجلس الأعلى للصحافة. فالأستاذ قلاش قال إن النقابة ستبدأ من الغد فى عقد جلسات استماع بالمؤسسات الصحفية والصحف حول مواد مسودة مشروع القانون الموحد للصحافة والإعلام وقانون إلغاء العقوبات السالبة للحريات فى جرائم النشر لمعرفة رأى الجماعة الصحفية فى مشروعى القانونين. بينما قال الأستاذ عارف فى نفس المؤتمر إن اللجنة الوطنية لصياغة التشريعات الصحفية والإعلامية سوف تقدم مشروعى القانونين فورا للحكومة للبدء فى حوار مجتمعى حولهما تمهيدًا لإقرارهما فى أقرب وقت. وهنا لابد من التساؤل : من بالضبط الذى سيدير الحوار، النقابة (وهو الطبيعى) أم الحكومة ؟ .. وما فائدة الحوار أصلا بعد تسليم مشروع القانون للحكومة ؟ .. والبديهى أن يكون الحوار قبل ذلك وليس بعده وإلا يصبح غير ذى جدوى، علما بأن تصريحات كثيرة صدرت من مسئولى اللجنة من قبل تؤكد إجراء حوار داخل الجماعة الصحفية حول مشروع القانون عقب الانتهاء من مسودته النهائية وقبل تسليمه للحكومة ! وفى عجالة سريعة فإن هناك عدة ملاحظات على مواد المشروع منها: أولا: بالنسبة للمادة 84 التى تنص على أن سن الإحالة للمعاش للصحفيين والإداريين والعمال بالمؤسسات الصحفية القومية ستون عامًا، ويُمَدّ للصحفيين حتى سن الخامسة والستين، وفقا لعدة شروط، فقد كان من الأوفق النص على أن سن التقاعد للصحفيين هو 65 عاما بدلا من استخدام تعبير المد، لأن ذلك الاقتراح يعنى أن يحصل الصحفى على مستحقاته المالية كاملة باعتباره مازال فى الخدمة، أما بالنسبة لمن يتم له المد وفقا لصياغة هذه المادة فإنه سيحصل على مكافأة شهرية تعادل الفارق بين (إجمالى آخر مرتب) حصل عليه قبل إحالته للمعاش وقيمة هذا المعاش. وحتى فى صياغة هذه المادة كان من الأوفق استخدام تعبير إجمالى الدخل وليس إجمالى المرتب، لأن هناك عناصر أساسية فى دخل الصحفى تدخل تحت بند الأجور المتغيرة، سيفقدها الصحفى عند احتساب مكافأته الشهرية، وستحدث مشكلات كثيرة داخل المؤسسات حول مفهوم إجمالى المرتب. كما النص فى هذه المادة على حظر تولى (أى منصب قيادى فى إدارة التحرير) لمن يتم المد له دون وجود نص مماثل للعمال والإداريين ايضا ممن يتم المد لهم، سيشكل تمييزا غريبا ضد الصحفيين، فلا يوجد نص يمنع أى عامل أو إدارى من تولى منصب قيادى بعد سن الستين بينما يقتصر المنع على إدارة التحرير فقط. ثانيا: ينبغى أن يكون العنصر الصحفى هو الغالب فى تشكيل مجالس الإدارات والجمعيات العمومية للمؤسسات باعتبارها مؤسسات صحفية مثلما هو الوضع فى المستشفيات بالنسبة للأطباء والجامعات بالنسبة للأساتذة .. الخ. ثالثا: بالنسبة للمادة 100 والمتعلقة برئيس التحرير فإن آلية الإختيار غامضة إذ تنص على أن تشكل الهيئة الوطنية للصحافة لجنة استشارية فى كل مؤسسة تضم خبرات صحفية، وأعضاء من الهيئة الوطنية للصحافة لترشيح ثلاثة لرئاسة تحرير كل إصدار. وتختار الهيئة الوطنية للصحافة رئيس تحرير كل إصدار من بين المرشحين. ولا ينص القانون على أى قواعد محددة لتشكيل هذه اللجنة ليبقى الأمر فى كل الأحوال رهنا بالهيئة الوطنية بغض النظر عن إرادة الصحفيين. رابعا: المادة 159 الخاصة بتشكيل الهيئة الوطنية للصحافة تحمل غبنا كبيرا للصحفيين، إذ من بين 13 عضوا هم أعضاء الهيئة ذات الصلاحيات الضخمة لا يوجد سوى 4 صحفيين فقط، وحتى هؤلاء يختارهم مجلس نقابة الصحفيين الذى قد يراعى توازنات خاصة به مثلما حدث عند تشكيل ماتسمى باللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية، فلايجد الصحفيون بالمؤسسات القومية تمثيلا حقيقيا لهم. خامسا: الإصرار فى المادة 199 على استمرار المجلس الأعلى للصحافة القائم قبل صدور القانون فى ممارسة اختصاصاته وذلك لحين الانتهاء من تشكيل الهيئة الوطنية للصحافة،أمر يثير الدهشة مع تزايد حدة الاحتقان بين الصحفيين فى المؤسسات القومية وهذا المجلس، وكان الأصوب خلال الفترة الإنتقالية إتاحة الفرصة أمام رئيس الجمهورية لاستخدام حقه القانونى فى إعادة تشكيل هذا المجلس بشكل مؤقت وباختصاصات مؤقتة، لتلافى الاحتقان بين المجلس الحالى والصحفيين. وأخيرا فإن مجلس نقابة الصحفيين مطالب بأن يتعهد بتعديل قانون النقابة قبل نهاية العام الحالى، على أن يتضمن التعديل نص صريح يوضح أن سن التقاعد للأعضاء هو 65 عاما، حتى تكون هناك مساواة بين جميع الصحفيين. كلمات: أحبوا هوناً .. وأبغضوا هوناً الحسن البصرى لمزيد من مقالات فتحي محمود