الوطن، كل الوطن، من سوريا إلى العراق، من ليبيا إلى اليمن، من لبنان إلى فلسطين، من المنضم حديثا، إلى المرشح للانضمام، إلى كل هؤلاء، لم تكن الفتاة السورية الصغيرة، فايا يونان، بنت ال 22 ربيعا، تنظر إلى نشرات الأخبار بصمت، تشاهد موقف المرأة التى قرر تنظيم داعش رجمها أمام العامة وتتأسى على حالها، قررت هى وأختها « ريحان» أن تفعل شيئا، هى ناشطة ومدافعة عن حقوق الإنسان، و»ريحان» إعلامية، لكنها تملك أكثر من ذلك، تملك الصوت القوى، الملائكى، الصوت الحلم، إذن فليكن هو الأداة. فايا بنت سورية، حلبية، بنت أقدم مدن التاريخ، عاشت فيها حتى سن الثانية عشرة، رحلت إلى السويد منذ نحو عشر سنوات، لكن الحنين ولوعة الحرب وآلام السوريين جعلها تقرر أن تنقل صورة مغايرة للغرب، أن تقدم أغنية عن مآسى الحروب فى بلادنا، وعن الأمل فى أن يعود الوطن، قدمت هى وأختها أغنية مختلفة، أشبه بفيلم تسجيلى، أو نشرة تجمع بين السرد والغناء. الكليب أشبه بفيلم يروى وجع العرب، أربعة بلدان تناولها الفيلم، سورياوالعراقوفلسطين ثم لبنان، ويصل بنا الفيلم إلى ما يحدث فى الوطن، وما نتمناه له، « بلادى، بلاد الحرب والآلام، بلاد الحب والأحلام، بلادى» وأخيرا موطنى، للشاعر الفلسطينى إبراهيم طوقان. بعد هذا الكليب، قررت فايا، أن يكون صوتها للأوطان العربية، خاصة سوريا، فغنت « أحبُ يديّك» لتمزج فيه بين الحبيب والوطن، وتشترط على حبيبها، حب الوطن حتى تكون له. ستكون لى لو تعشق الأوطان مثلي سأكون لك لو عاد للأوطان أهلي عرسى هنالك حيث يحملنى فؤادي وأنا أحبّك كى ندوس على المدافع وتضيق بالأطفال ساحات الشوارع ومتى يعود الصبح من بين الرماد سأموت فيك.. أموت فيك وقد أخونك مع بلادى . وأخيرا، هذا الأسبوع، فى يومى 9 و10 أغسطس الماضيين،أحيت فايا حفلين بدار أوبرا دمشق، لتقول إن سوريا ما زالت تغنى وتحلم وتتحدى، وهذا يعد أول حفل رسمى لها، منذ قررت احتراف الغناء قبل عام واحد. التقيت «فايا يونان» مرتين، الأولى منذ ثلاثة أشهر، وكانت عائدة لتوها من السويد لتقيم فى بيروت، ثم كان لقائى الثانى معها منذ أيام، قبل إحيائها أولى حفلاتها بدار أوبرا دمشق، ملامحها تحمل براءة الأطفال، ووجها يشع أملا ونورا، وصوتها يحمل نضج الكبار، فيروز وماجدة الرومى وأم كلثوم، قالت أن مشوارها طويل، تفكر فيه بأناة، ترسمه على مهل، تخطط له بدقة، وفى هذا اللقاء قررت سؤالها عن « فايا يونان» من تكون، فكان الحوار بهذا الشكل.
لنبدأ بسؤال تقليدى وهو البدايات كيف كانت؟ بداياتى هى منذ صغرى، عندما كانت ماما تقولى أن أول كلامى كان غناء، ودائما ما صاحب الغناء طوال دراستى، وكنت أشارك فى كل الحفلات المدرسية، وكانوا دائما ما يختاروننى كأول بنت للغناء، وكان معلمو الموسيقى يحثوننى على الاهتمام بموهبتى، وبرغم أنى درست بالجامعة تخصصا مختلفا عن الغناء وهو الاقتصاد وإدارة الأعمال، لكن حين قررت الغناء أنشأت قناة لى على اليوتيوب، ومنذ سنتين قدمت فى أحد برامج الموهوبين، وكانت النتيجة رفضى، ولكن لم أيأس، استمررت فى الغناء على قناتى الخاصة. هل تخافين من أن يطلق عليك أنك تقلدين فيروز؟ لا، ففيروز كانت بعصر مختلف، وكانت تعمل فى خط مختلف، نعم هناك خامة صوتية متشابهة، وكم أتمنى أن أكون مثلها، لكن من يقلد يفشل. بالإضافة إلى فيروز ممن تأثرتى فى صباك غيرها؟ بالتأكيد القدود الحلبية وصباح فخرى، أيضا التراث الحلبى تأثرت به كثيرا، بالإضافة الى التراث السورى وصباح ووديع الصافى، ولا أنسى مصر، فأنا فوجئت أنى بسن العاشرة أحفظ العديد من أغانى أم كلثوم، ولم أعلم السبب، فكنت أردد العديد من أغنياتها، وكذلك سيد درويش وعبدالحليم، كل هؤلاء أثروا فىّ جدا. وكيف كانت انطلاقتك؟ هو كليب لبلادى، عرفنى العالم من هنا، من هذا الكليب الذى يتحدث عن مأساة العرب من الشام إلى العراقولبنانوفلسطين، فوجئت أن عدد المشاهدة وصل إلى مليونى مشاهد. إلى أى مدرسة موسيقية تنتمين أو تتمنين؟ لاشك، هناك فنانون عظام وأيقونات فنية بالعالم العربى، تتمنى أن تصير مثلهم، وأن تقدم فنا يشبه فنهم، لكنى إلى الآن لم أحدد، أو قل لم أسع إلى تحديد اسم أرغب فى أن أكون مثله، قد تكون هناك طبقة من صوتى قريبة إلى طبقة فيروز، فهى شىء مقدس بعائلتنا، فمدرسة الرحبانية استطاعت أن تصل إلى كل الشرائح والطبقات. هل تفكرين فى إعادة هذه المدرسة؟ ما زلت صغيرة على أن افكر فى ذلك، لكن أحلامى أن أقدم فنا ذا قيمة مضافة، أن أقدم شيئا مختلفا، يسمعه كل الناس وتتفاعل معه، وأنا أرفض أن أقدم فنا نخبويا، قد يكون رائعا ومتميزا، ولكن أرفض أن يكون مقصورا على النخبة فقط. وهل ما يحدث فى سوريا له تأثير ما فى غنائك؟ سبب من أسباب غنائى، هو أن يكون لى دور فى التعبير عن قضايا معينة، كالوطن وقضايا الانسان ولهذا جاء كليب لبلادى ومن بعده أحب يديك. حين فكرتى فى إطلاق «لبلادى» ما الهدف منه، وكيف كان رد الفعل عليه؟ الهدف كان تعبيرا عن الأحداث الجارية بسوريا، وإعطاء أمل للناس، ورد الفعل كان كبيرا، فتفاعلت معنا وسائل الإعلام الغربية بشكل كبير جدا، لم نكن نتخيله، فكليب «لبلادى» انتشر وقت أن كان هناك فيديو لامرأة يتم رجمها من قِبَل داعش، فأشار الإعلام الغربى إلى أن الشرق الأوسط يخرج منه أشياء توحى بالأمل، فليس ما يصدر منه هو الرجم والذبح والقتل، هناك فى الشرق من يعطى الأمل، وكان كليب «لبلادى» هو الدليل، وها هن نساء من سوريا قويات، استطعن أن يواجهن التوحش والهمجية بالغناء، ونقل صورة مغايرة إلى الميديا عن داعش المتوحشة . هل كان لبلادى دور فى تحديد وجهتك وتجديد أهدافك، ورسم مشروعك؟ بعد هذا الكليب، لم أعد باستطاعتى الهروب، أدركت أن من استمع إليه ينتظر منى شيئا جديدا، والغناء هو حياتى، إذن فلماذا لا أكمل. كيف كان شعورك اثناء أدائك أنت وريحان كليب لبلادى؟ حين قررنا تقديم الكليب أنا وأختى ريحان، لم نكن نتخيل أننا سنؤديه بهذا الشكل، فحين جاءت أغنية موطنى نزلت دموعى أكثر، وكان شعورا حقيقيا، وقد اتفقت معنا مخرجة الكليب ألا نتوقف إلا إذا كانت هناك إشارة منه، وتركتنا نكمل، لأن الأداء كان صادقا. بعد الكليب هل تلقيت عروضا لإنتاج ألبومات؟ لبلادى، كان كالمولود الصغير، فكان نقلة نوعية فى حياتى، بعده تفتحت أبواب عديدة، وجاءنى عروض عديدة، إنتاج ألبومات، ومشاركة فى مهرجانات، أهمها مهرجان قرطاج السينمائى، فقد اختارونى أن افتتح المهرجان وكذلك مهرجان فى السويد، أما شركات الإنتاج، فأنا أخاف كثيرا من عقود الاحتكار ففضلت أن أكون حرة. هل أطلقت عليكِ ألقاب بعد غنائك خلال الفترة الماضية؟ نعم، كثيرة، مثل ياسمينة الغناء الشامى، وخليفة فيروز، بلبل الجيل الجديد، ولكن صراحة مع حبى لهذه الألقاب، واحترامى لمن أطلقها، فأنا أحب أن يكون لقبى هو اسمى « فايا» . عشتى فترة فى السويد، وكثير من اللاجئين السوريين هناك، ما هو شعورك وقتها؟ عشت هناك 12 سنة، لكنها ليست متصلة فهناك ثلاث سنوات ببريطانيا، وخلال هذه السنوات كنت أزور سوريا، وأكثر ما يؤلم أن ترى بلدك يهجرها أهلها بسبب الحرب، أما اللاجئون السوريون فى السويد، فهى هجرة عقول أكثر منها لاجئين، فكثير منهم أطباء ومهندسون، لكن ما يسعد الإنسان أن هؤلاء اللاجئين ينتظرون تحسن الوضع فى سوريا كى يعودوا. كيف تصفين أغنيتك الجديدة، وكيف تصنفينها، أهى وطنية أو رومانسية؟ « أحب يديك» هى أغنيتى البكر، وهى حقيقة تمزج بين الوطن والحبيب، وتشترط على الحبيب أن حبه مشروط بحب بلادى، ففى ظل أزمتنا ببلادنا العربية، هناك أغان وطنية تطرح القضية بشكل متشابه، أما أنا فقررت أن أكون مختلفة عن « مود» الشعارات، فمشاعر الحب سواء للوطن أو للحبيب هى مشاعر وجدانية، ولكن يظل الوطن فوق الجميع، فحين أقول، « عرسى هناك حيث يحملنى فؤادى» هى تعطى أملا بالعودة للوطن.