ظلت الثانوية العامة، هى حقل التجارب الأعظم لكل من يجلس على كرسى وزارة التربية والتعليم، وكأنه لا يهدأ لهم بالاٌ إلا بتجربة جديدة فاشلة فى هذه الشهادة المصيرية، يكون ضحيتها الطلاب وأسرهم ولتزيد أزمات الثانوية عاما بعد عام. ولعل إعلان محب الرافعى وزير التربية والتعليم بتخصيص 10 درجات على حضور الطلاب وسلوكهم، لافتا إلى أن فكرة السلوك والحضور تطبق فى نظم التعليم فى العالم كله، هى إحدى هذه التجارب الفاشلة التى سيعانى منها طلاب الثانوية العامة وأهاليهم.
فالجهود الكبيرة من الوزارة لتحقيق الانضباط داخل المدرسة، لا تأتى بوضع 10 درجات للحضور الطالب وسلوكه، ليس لعدم أهمية الحضور والسلوك، ولكن لإنعدام ثقة الطلبة وأسرهم فيمن سيضع هذه الدرجات، فسوف يستغل المدرسون هذه الدرجات لصالحهم بالضغط علي الطلاب من خلال الدروس الخصوصية لتصبح هى نفسها بابا جديدا للدروس الخصوصية، كما سيستغلها البعض فى عمليات ابتزاز للطلبة لإثبات حضورهم على الورق فى المدارس الحكومية، أما المدارس الخاصة فستعطى أولادها كامل الدرجة سواء حضر أو غاب مما يضمن لها التفوق الوهمى على المدارس الحكومية، ولينظر الوزير الى الكليات التى تحتاج الى إختيارات قبل الالتحاق بها، ومدى شفافية هذه الإختبارات، ولينظر أيضا الى فشل تجربة وضع درجات أعمال السنة فى سنوات النقل بسبب إجبار المدرسين للطلاب على الدروس والمجموعات ليحصلوا على هذه الدرجات، ليدرك أنه من الصعب، وربما من المستحيل أن يكون هناك عدالة فى توزيع درجات الحضور والأنشطة فى الثانوية العامة. كما أن غياب طلاب الثانوية العامة عن الحضور، لأن مدرسى هذه المرحلة لا يحضرون لإنشغالهم بدروسهم الخصوصية، وإن حضروا لا يشرحون شيئا فى الفصول، فالطالب لو وجد مدرسا جادا يشرح الدرس بإخلاص لا يمكن أن يغيب عن مدرسته، وياليت الوزير يستطلع آراء جيرانه وأقاربه ممن لديهم طلبة فى الثانوية العامة عن مدى إستفادتهم من الحضور للمدرسة. فاذا أضفنا الى ذلك ما أعلنه وزير التعليم العالى من تغيير طرق الألتحاق بالجامعات، ولأنه لن يكون المجموع وحده هو الفيصل فى الإلتحاق بالكليات، لندرك الأزمة التى سيكون عليها طلاب الثانوية العامة وأسرهم. نحن لسنا ضد تطوير التعليم وإصلاح أوضاعه المتدهورة، ولكن العملية التعليمية فى مصر تحتاج الى الإصلاح الشامل، والى منظومة جديدة كاملة، تبدأ بتغيير المناهج من الصف الأول الابتدائى حتى الثانوية العامة كما تفعل الدول المتقدمة، مرورا بفصول منخفضة الكثافة، بتوفير المدرس الكفء، بمحاربة الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية فى المدارس، وبالطبع حضور الطلبة الى المدارس، وبما يحقق الانضباط الكامل للمنظومة التعليمية. فالعملية التعليمية فى مصر تحتاج الى ثوب جديد عصرى، ولم يعد يجدى مزيد من الرتق فى ثوبها القديم، فقد إتسع الرتق على الراتق. لمزيد من مقالات جمال نافع