عندما لا تلتفت الحكومات الى معاناة مواطنيها ولا تهتم بمشكلاتهم تكون بذلك قد غرزت فى الأرض بذور التطرف وزرعت فى النفوس الحقد والغل وهيأتهم ليقعوا فريسة سهلة فى براثن الإرهاب والتطرف..فعندما تغض الحكومة النظر عن معاناة الآلاف بل الملايين من العاملين بالقطاع السياحى الذين فقدوا وظائفهم نتيجة لعدم قدرة ادارات هذه الفنادق على تحمل مرتباتهم..تكون قد ارتكبت خطيئة لا تغتفر فى حق هؤلاء الأبرياء. آلاف من العاملين فى فنادق طابا ومرسى علم والأقصر وأسوان تم تسريحهم والاستغناء عنهم بعد غلق الفنادق ابوابها «بالضبة والمفتاح» ورفع اصحابها الراية البيضاء معلنين الاستسلام نتيجة لاستمرار تراجع الحركة السياحية لأكثر من 4 سنوات فى هذه المدن التى طواها النسيان. العجيب فى الأمر ان الحكومة تقوم بسداد مرتبات العاملين فى جميع مؤسساتها الخاسرة مثل الغزل والنسيج وجميع فنادقها التابعة للشركة القابضة للسياحة مثل ونتر بالاس والمينا هاوس وشبرد وكتراكت أسوان ودهب.. ولم تقم يوما بمساعدة العاملين بالشركات الخاصة فى قطاع السياحة على الرغم من حملهم نفس الجنسية ويعيشون نفس المعاناة ويواجهون نفس المصير ولهم أطفال وأسر يسعون الى إعالتها والانفاق عليها. هذا التناقض فى المعاملة يساعد على ترسيخ شعار «إن جاءك الميرى تمرغ فى ترابه» وجعل جميع العاملين فى الفنادق التى مازالت تعمل فى مدينتى الغردقة وشرم الشيخ يسعون للتعيين فى وظائف حكومية..وقد تلقيت مناشدات كثيرة من بعض هؤلاء العاملين لمساعدتهم للتعيين فى الحكومة..بعد ان أدركوا ان رواتبهم على كف عفريت وان مستقبلهم ومستقبل اولادهم مرهون بعدم غلق الفندق وتعافى حركة السياحة. إنها قمة المأساة ان نترك هؤلاء يواجهون المجهول دون ان نمد لهم يد العون والمساعدة اسوة بدول العالم التى تسارع بصرف إعانات بطالة لأمثال هؤلاء..ولماذا نذهب بعيدا الى اوروبا وهناك دولة عربية جارة لنا مثل تونس التى قامت بصرف 200 ألف يورو لكل فندق حتى يستطيع سداد المرتبات مع الاستمرار فى التشغيل حفاظا على استمرار صناعة السياحة التى تقدر دورها فى صناعة مستقبلها..بل إنها قامت بمنح اصحاب الفنادق قروض طويلة الأجل بفوائد لا تذكر تعينهم على التسويق وحضور المعارض الدولية للسياحة حتى تظل تونس موجودة على خريطة منظمى الرحلات. والأسبوع الماضى علمت ان فنادق ومنتجعات «طابا هايتس» ستغلق آخر فنادقها.. بسبب عدم وجود اشغالات وتراجع الحركة السياحية الى «زيرو».. مما دفعنى لمهاتفة رجل الأعمال سميح ساويرس مستفسرا عن سبب الغلق وعن مصير العاملين..وطلبت منه تأجيل قرار الغلق حفاظا على «لقمة عيش العاملين». فقال «ساويرس» إن هذا القرار جاء عقب نزيف من الخسائر امتد لما يزيد عن 5 سنوات..رفض خلالها فصل اى عامل او غلق الفنادق.. وأصر على ان تكون فنادقه آخر من يغلق ..فقد سبقته جميع الفنادق المقامة بمدينة طابا..ولكنه لن يستطيع الاستمرار أكثر من ذلك بعد ان وصلت خسائره الى ما يزيد على 50 مليون جنيه. مؤكدا انه ليس من «الشطارة» رفع شعار ان كل رجل اعمال يتحمل مشكلاته..لان ما مرت به مصر منذ ثورة يناير 2011 وحتى الآن خارج عن ارادتنا جميعا .. ولذلك يجب ان نتكاتف جميعا لحل ما نواجهه من مشكلات للحفاظ على مصر وعلى صناعة السياحة التى من الممكن ان تكون عصى موسى لانقاذ الاقتصاد المصري. واضاف ان الحكومه «للأسف» لم تبذل اى مجهود لمساندة المنشآت السياحية فى طابا وتركت اصحابها يغلقونها «بالضبة والمفتاح» دون ان تتدخل وتركت العاملين فريسة لكل من يرغب فى المتاجرة بمعاناتهم، وهناك المئات من البدو يعملون فى هذه الفنادق..مؤكدا انه على مدى 5 سنوات تقوم الفنادق بسداد مستحقات الدولة من ضرائب وتأمينات على العاملين وصرف مرتباتهم كاملة.. دون أدنى مساعدة من الدولة على الرغم من عدم وجود نسب إشغال ورفضنا ان نغلق مجموعة فنادق طابا كما فعل الباقون حفاظا على الأيدى العمالة.. ولكننا وصلنا الى مرحلة لا نستطيع معها تحمل المزيد.. وعلى الدولة ان تتحمل مسئولياتها وتسدد مرتبات العاملين بالقطاع من بند «إعانة البطالة» كما فعلت وتفعل مع زملائهم فى فنادق القطاع العام. ويؤكد «سميح» انه لا ينادى بان يحصل المستثمر على إعانة أو دعم من الدولة فهو يرفض هذا الطرح من الأساس..ولكنه يطالب بأن تقوم الدولة بصرف مرتبات إعانة للعاملين بقطاع السياحة حتى تعود الحركة السياحية الى طبيعيتها مرة إخرى لمدينة طابا التى احتضرت وتحتاج الى سنوات عديدة ومعجزة حتى تعود الى الحياة مرة اخري. واوضح ان قيام الحكومة بسداد مرتبات العاملين سيكون له نتائج إيجابية عديدة.. أهمها ضمان استمرار الفنادق فى التشغيل..والحفاظ على صورة مصر فى الخارج بان القطاع صامد وان فنادقنا جاهزة لاستقبال السائحين فى اى وقت..مشيرا فى الوقت نفسه الى ان غلق الفنادق وتسريح العمالة سيؤدى الى نتائج سلبية خطيرة من اهمها صعوبة عودة المقصد السياحى على خريطة البرامج لمنظمى الرحلات مرة اخرى وسيحتاج إعادتها الى صرف الملايين من الدولارات على التسويق والاعلان عن عودتها..كذلك العمالة التى يتم تسريحها ستبحث عن مصدر رزق آخر او سيتم استخدامها من قبل العناصر الاجرامية الى تريد الشر لمصر. وأشار «ساويرس» الى ان فنادق طابا لديها مئات العاملين من «البدو» بالاضافة الى شرائنا لمنتجاتهم من اللحوم والأغنام وغيرها من المواد الغذائية والتراثية.. وان المئات منهم يعملون معنا فى تنظيم رحلات الصحراء والسفارى وتشغيل «البازارات» التى يبيعون فيها منتجاتهم للسائحين..مؤكدا ان ضياع كل ذلك سيؤدى الى زيادة البطالة والتأثير فى سلوكياتهم خلال الفترة المقبلة.. ومن السهل جدا استخدامهم أو اسرهم بطريقة او باخرى من قبل العناصر الخارجة على القانون والشرعية. وطالب الحكومة بأن تتحمل مؤقتا اعباء مرتبات العاملين فى الفنادق التى رفعت الراية البيضاء واعلن اصحابها عن عدم قدرتهم على الاستمرار فى تحمل نزيف الخسائر.. وان تشترط فى الوقت نفسه على اصحاب هذه الفنادق الاستمرار فى التشغيل. وأكد ساويرس ان هناك العديد من الأمثلة التى توضح ان الدولة غير مهتمة بالأساس بقطاع السياحة.. ومنها على سبيل المثال ان الحكومة تسارع بافتتاح مصنع لا يزيد رأس ماله على عشرين مليون جنيه وسيعمل به 50 عاملا ..فى حين لم نجد مسئولا واحدا «متلبسا» بزيارة وافتتاح قرية سياحية لا تقل تكاليفها الاستثمارية عن 200 مليون جنيه وتوفر فرص عمل تصل الى أربعة اضعاف ما سيوفره المصنع ..اضف الى ذلك ان افتتاح قرية سياحية واحدة سيسهم فى فتح ابواب رزق لأكثر من 72 صناعة ومهنة..وطالب بأن تسعى الدولة لرفع الحظر المفروض من المانيا على مدينة طابا حتى تعود الحركة السياحية من دول اوروبا الى سابق عهدها. ..انتهت تصريحات سميح ساويرس بتأكيد »غلق» آخر فنادق طابا..ونحن بدورنا نناشد المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء ان ينظر الى قطاع السياحة على انه أحد أعمدة الاقتصاد الرئيسية.. وأن يقوم بإصدار قرار فورى ببحث حالات الفنادق المتعثرة فى طابا ومرسى علم والأقصر واسوان وتوفير مخصصات مالية من أحد بنود الموازنة العامة للوفاء بمستحقات العالمين..حماية لهم ولأسرهم من ذل السؤال وشظف العيش.. وحفاظا عليهم كأيدى عاملة مدربة من الصعب تعويضها..ومنعهم من الانجراف وراء جماعات الظلام الذين يحاولون النيل من أمن مصر..وأقول لرئيس مجلس الوزراء إن هناك أكثر من 100 ألف عامل ويزيد تم تسريحهم من مختلف الفنادق..يصرخون ولا مغيث لهم..فأغيثهم وساعدهم وعاملهم كما عاملت زملاءهم فى فنادق القطاع العام الخاسرة..هذه ليست مبالغة او تهويلا ولكنها للأسف حقيقة يعرفها الآن كل بيت فى مصر بعد أن لزم عائل الاسرة بيته..إن كان «شيف» طباخا او مديرا أو عاملا فى الفندق ..لا يجد ما يعينه على سداد متطلبات اولاده ..فيتوارى خجلا منهم حابسا دموع «ذل الحاجة وقلة الحيلة». [email protected]