معاناة وإهدار لطاقات وأوقات المصريين ليظلوا (كعب داير) على المكاتب والهيئات.. والسبب.. إما قرارات وتعليمات للموظف يحاسب ويعاقب إن تجاوزها.. وإما موظف يهمل التسهيلات إن وجدت ويضع العقبات والعراقيل و(العقدة فى المنشار) كما يقولون فيحول حياة المواطنين إلى عذاب.. ذهبنا لأصحاب الشأن والمعاناة ليسردوا نماذج من معاناتهم وأفسحنا لهم المجال ليقترحوا حلولا لها فهم أدرى بها - نضعها بين يدى المسئولين ليروا مدى قابليتها للتطبيق أو يبحثوا عن مواطن الخلل وأسباب المعاناة فيزيلوها . بمجرد انتهاء السنة الدراسية يبدأ موسم (التحويل) بين المدارس خلال فترة الإجازة الصيفية القصيرة سواء بسبب القرب السكنى أو الكثافات أو نقل محل إقامة الأسرة ليفاجأ أولياء الأمور بأنهم مطالبون بالدوران كعب داير من المدرسة إلى الإدارة التعليمية إلى مكاتب البريد وذلك بسبب ضرورة دفع الرسوم لاستخراج أى مستخرجات رسمية من الإدارات التعليمية عن طريق (حوالة بريدية) بقيمة الرسوم.. وهو ما يستلزم من ولى الأمر الذهاب إلى الإدارة التعليمية لإعطائه ما يفيد قيمة الرسوم المطلوب دفعها لاستخراج بيان النجاح أو شهادة القيد أو نحوه ثم يتوجه إلى أقرب مكتب بريد لسداد القيمة عن طريق حوالة بريدية باسم الإدارة التعليمية ثم يتوجه بإيصال الحوالة إلى الإدارة مرة أخرى لاستخراج المستند المطلوب . من جهتنا بحثنا عن سر هذه (الدوخة الروتينية) فأخبرنا مدير شئون الطلبة بإحدى الإدارات التعليمية أنه محظور على الإدارات التعليمية عكس المدارس تلقى أى أموال بصفة مباشرة وأن هذه التعليمات تأتى تنفيذا لقرار وزير التربية والتعليم رقم 381 لسنة 2010 منطلقا من فلسفة منع تلاعب موظفى الإدارات التعليمية فى قيمة ما يتم تسلمه وتوريده من أموال يوميا.. وعندما أخبرناه بأن من يدفع ثمن هذا التخوف هم الآلاف من أولياء الأمور على مستوى الجمهورية من مالهم وجهدهم وأنه لابد من البحث عن حل يرحمهم من هذه الدوخة أخبرنا بأن هناك حلين وليس حلا واحدا أحدهما هو السماح بتحصيل الرسوم بالإدارات التعليمية مع تفعيل الرقابة المالية ، والآخر هو السماح بسداد الرسوم المطلوبة فى المدرسة التابع لها الطالب بإيصالات مثلها مثل المصروفات المدرسية وفى كلتا الحالتين يتطلب الأمر تعديل القرار الوزارى. أحد أولياء الأمور أكد أنه اضطر للانتظار يومين وللتنقل بين أكثر من مكتب بريد حتى وجد ضالته وتمكن من سداد الرسوم بحوالة بريدية وأنه لمس تراخيا من موظفى مكتب البريد برغم أنهم يتقاضون رسوم خدمة إضافية تتجاوز الجنيهات الخمسة فوق الرسوم المقررة مما يمثل عبئا ماليا إضافيا بلا داع فوق كاهل أولياء الأمور. مدير إحدى الإدارات التعليمية أكد أن الالتزام بقصة الحوالة يرهق أولياء الأمور ماديا فلو أن الرسم المقرر جنيهان فإنه يزيد إلى 7 جنيهات بسبب إضافة رسوم خدمة الحوالة البريدية. أملاك تسكنها غربان وعندما نأتى للسكن الذى هو أحد الحقوق الأساسية للإنسان نجد الروتين الحكومى وقد عشش فيه.. تقول كريمة إسماعيل : أعلنت وزارة الإسكان أخيرا عن وحدات سكنية لمحدودى الدخل واشترطت ألا تزيد السن على 50 عاما وبالفعل تقدمت بأوراق ابنى لحجز شقة إلا أننى فوجئت باشتراطهم إحضار مفردات مرتب له وهو غير متوافر حيث إنه يعمل مدرسا بالأجر ففكرت بأن أكون أنا الضامنة له نظرا لوفاة والده إلا أنهم رفضوا بحجة أننى قاربت على الخروج للمعاش وبهذا أصبحنا مضطرين للجوء لأشخاص من خارج الأسرة وهو أمر نادر أن تجد من يضمنك فى أقساط شقة فى ظل الخوف من تقلبات المستقبل والأوضاع المعيشية الصعبة على الجميع حاليا.. وتقترح أن يشحذ مستشارو ومسئولو وزارة الإسكان أذهانهم للوصول لكيفية يتم بها تسهيل الإجراءات حتى يتمكن محدودو الدخل من الحصول على مسكن يؤويهم بدلا من هذه الاشتراطات الروتينية التعجيزية. نموذج آخر.. محمد من الشرقية يقول : أسعى جاهدا لشراء منزل - مجاور لمنزلى - مقام على قطعة أرض (أملاك دولة) يزيد عمره على 60 عاما تسكنه الغربان والبوم وتقدمت بطلبى منذ أكثر من خمس سنوات إلى ( إدارة الأملاك ) بالزقازيق إلا أنه ومنذ ذلك الحين لم تتم الاستجابة ولم أتلق ردا وكلما سألت أجابونى بأن الطلب قيد البحث بإدارة المتابعة والشئون القانونية بديوان عام محافظة الشرقية ، ويؤكد محمد أنه برغم ما يبدو من مصلحة شخصية فى مشكلته إلا أن هناك مصلحة عامة ستعود على الدولة تقدر بمليارات الجنيهات ممثلة فيما سيدفعه هو ومئات الآلاف من الحالات المماثلة له على مستوى الجمهورية فى أملاك مهملة ومهدرة أصبحت ملاجئ للبوم ومقالب للقمامة! الشكوى.. لمن ؟ وجه آخر للروتين والمعاناة يتمثل فى دائرة مفرغة يدور ويدوخ فيها كل من تقدم بشكوى إلى أى جهة رسمية أعلى سواء فى مؤسسته الحكومية أو لإحدى الجهات الرقابية.. ولعل فى تجربة بدوى شعبان الموجه المالى والإدارى بالتربية والتعليم بالمنوفية نموذجا صارخا حيث يقول : قادتنى طبيعة عملى كموجه مالى وإدارى إلى الكشف عن العديد من المخالفات المالية والإدارية بمديرية التربية والتعليم بالمنوفية فتقدمت بالعديد من الشكاوى والمذكرات إلى السيد وكيل الوزارة والسيد المحافظ فلم أجد أذنا صاغية بل ارتد الأمر بصورة سلبية ضدى حيث تم اضطهادى وإلغاء انتدابى تعسفيا بالمخالفة للقانون وأسهمت طبيعة الروتين والدولاب الحكومى فى التعامل مع الشكاوى فى عدم عودة حقى لى حتى الآن حيث كلما تقدمت بشكواى إلى جهة أعلى تدور الشكوى دائرتها لتحط رحالها فى آخر المطاف فى أدراج المشكو فى حقهم !!.. وعلى سبيل المثال فقد رفعت شكواى إلى محافظ المنوفية السابق أحمد شيرين فوزى تضررا من إلغاء وكيلة الوزارة لانتدابى تعسفيا فأرسلت المحافظة الشكوى مرة أخرى إلى المديرية أى إلى وكيلة الوزارة المشكو فى حقها فكان طبيعيا أن يأتى رد المديرية مناصرا ومؤيدا لموقف أعلى رأس بها ألا وهى وكيلة الوزارة المشكو فى حقها لتقوم المحافظة بحفظ الشكوى ! «لم أستسلم» - هكذا يقول بدوى وتقدمت بمظلمتى وشكواى إلى الدكتور محمود أبو النصر وزير التربية والتعليم السابق إلا أننى فوجئت بإعادتها للمديرية مرة أخرى والتى أفادت نفس إفادتها وردها على المحافظة وتم حفظ الشكوى!.. وحلا لهذه الإشكالية يقترح بدوى شعبان ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة نحو تغيير خط سير أى شكوى لتصب فى النهاية لدى جهة محايدة وسريعة تتخذ بشأنها إجراء عادلا وناجزا لا أن تعيدها مرة أخرى روتينيا - إلى أدراج المشكو فى حقهم ، كما يقترح من واقع تجربته أن يتم توسيع دائرة ونطاق عمل الرقابة الإدارية ليكون لها ممثل فى كل جهة إدارية يجفف منابع الفساد حتى قبل أن يتقدم الشاكى بشكواه. ما زال حيا! وإذا انتقلنا إلى مكاتب البريد نجد معاناة من نوع آخر وبصفة دورية شهرية لأصحاب المعاشات فعلى الرغم من إصدار الفيزا كارد لصرف المعاش إلا أن قلة عدد ماكينات الصرف نتيجة اقتصار التعامل بها على ماكينات بنوك محددة - دون خصم رسوم خدمة - يدفع هؤلاء إلى التزاحم على مكاتب البريد تلافيا لخصم رسوم ترهق معاشاتهم المرهقة أصلا ، ولذا فإنهم يقترحون التعاقد مع بنوك تمتلك ماكينات صرف كثيرة ومنتشرة أو أن تتولى وزارة التأمينات سداد رسوم الخدمة نيابة عنهم.. أما الأغرب فهو ما سردوه لنا عن اشتراط موظف البريد المسئول عن ماكينة الصرف حضور صاحب المعاش بنفسه كل فترة للتأكد من أنه ما زال على قيد الحياة!!