مررت بتجربة مرهقة وقاسية ظاهرها «شخصي» لكن باطنها «عام» وقد يتعرض لها كل ولى أمر. ترجع البداية لسنوات عندما ألحقت بناتى بإحدى المدارس الخاصة التى كان مستوى التعليم فيها عاديًا، وكنت ووالدتهن نساعدهن. ومع التقدم فى الدراسة زاد الاعتماد على المدرسين الخصوصيين، لتظهر أزمات ضعف المدرسين وهجرة ذوى الكفاءة، مع لامبالاة المسئولين بتلك المدرسة، وبات من المحتم نقلهن طلبا لمستوى تعليمى أعلي، مع تفضيل المدارس الأقرب من البيت، وللعلم فهذا القرار اضطررت إليه رغم علمى بأن تنفيذه مشكلة، لكن ليس لهذا الحد، لأكون شاهد عيان على المعاناة فى دهاليز الإدارات الحكومية وإجراءاتها، بل تعنتها أحيانا، وبالمناسبة، فقد توهمت أن البحث عن المدرسة المناسبة وتقصى ذلك من الأقارب والأصدقاء هو المرحلة الأصعب، لأكتشف بعدها مدى سذاجتى وحسن ظنى الذى كان فى غير محله، حتى لو كان تحت ما يسمى التطوير التكنولوجى الذى بات نقمة لأن أحدًا لا يستطيع التأكد من شيء وتطلب منك موافقات عديدة ومن أماكن بعيدة، مع أن هذا يمكن تلافيه بوجود تواصل حقيقى بين الجهات الحكومية والخدمية منها على وجه الخصوص بما يوفر الوقت والمال والجهد. المواطنون يقترحون الخطوة الأولى إحضار «إفادة» بدفع الرسوم من المدرسة ثم الإدارة التعليمية (بولاق الدكرور)، ثم مكتب البريد لعمل «حوالة»، وهذا الأخير مشكلة فى حد ذاته لأننى فوجئت بعدة طوابير أمامه يقف فى كل منها عشرات المواطنين معظمهم من كبار السن الذين يصرفون معاشاتهم، وإنهاء هذا الإجراء وحده استغرق نحو ثلاث ساعات، وقد اقترح أحد الواقفين فى الطابور، ويدعى محمد حسين، لماذا لا تُحصل الإدارة هذه المبالغ مباشرة وتوفر علينا التعب، وقال آخر يدعى أحمد: هل الحكومة تستمتع بتعطيلنا؟ فأجبته: بالتأكيد لا، فقال: إذن فما الفائدة من ضياع اليوم فى «البوستة» لنعود بعده الى الإدارة فى يوم آخر؟! تركت الناس يشكون لبعضهم، لعدم وجود من يستمع لهم، وعدت الى إدارة بولاق بالجائزة وهى «إيصالات الحوالات»، فطلبوا ملء استمارة للمرحلة الثانوية والعودة فى اليوم التالى لتسلمها، أما المرحلة الابتدائية فأعطونى نموذجا فارغا لملئه من المدرسة، ثم من قطاع التعليم الابتدائي. تفتت مكاتب الإدارة ظهرت مشكلة أخرى هى أن القطاع ليس داخل مبنى الإدارة، وإنما بكفر طهرمس بما يعنى الذهاب الى المدرسة الأولي، ثم الى كفر طهرمس لاعتماده وبعدها الى القطاع الذى يرأسه، الموجود فى زنين، أى أن الإدارة موزعة على هذه الأماكن الثلاثة، بعدها أذهب الى المدرسة التى كان بناتى فيها لاستخراج نموذج من 4 ورقات عليه موافقات كل من المدرسة القديمة وقطاع التعليم الابتدائى بكفر طهرمس وكذلك قطاع زنين وختم المدرسة التى أرغب فى التحويل اليها مع إفادة منها بذلك ، ثم إدارة العمرانية التعليمية، التى تفننت هى الأخرى فى زيادة الفائدة، صحيح أن مكاتبها مجمعة داخل سور واحد، لكن خدمات المواطنين خاصة شئون الطلبة فى غرفتين منفصلتين بالدور الرابع فى أحد المبانى وختم وكيل الإدارة فى الدور الثانى من مبنى ثان، ثم العودة الى الدور الثانى بالمبنى الأول لختم الطلب بختم النسر، وأخيرًا العودة الى المدرسة القديمة لإعطائها ورقتين من الأربع السابق الحصول عليها لسحب الملف منها، مع طلب استمارة تحويل إلكترونى من المدرسة القديمة والذهاب بكل هذه الأوراق الى المدرسة الجديدة، والممتع أن كلًا من هذه الخطوات بطابور منفصل أى نصف يوم على الأقل، ولا يفوتنى تأكيد أمرين الأول أن كل خطوة تعرفها بالتقسيط، والثانى أن هذه الإجراءات استغرقت أسبوعا كاملًا من التاسعة صباحًا إلى الثالثة عصرًا أى التفرغ الكامل مع تسخير كل ما تملك من سيارة ونقود ووقت من أجل إنهاء هذا الكابوس. المواطن يصرخ وقد شاهدت بعينى أمهات لتلاميذ فى إدارة بولاق الدكرور يصرخن مما لاقينه من مشقة مالية وجسدية، بل عجزهن عن مواصلة مشوار الإجراءات، فقد قالت إحداهن « أنفقت عشرين جنيها على التوك توك وضيعت «اليوم» ولم أنه غير مشوار زنين ..منهم لله!!». أما فى إدارة العمرانية فقد حكت لى مواطنة أنها رأت بعينها مسنا يدعو على الموظفين لأنهم أرهقوه فى الصعود والنزول والطوابير حتى جلس على السلم الإدارة يلعنهم. السجل المدنى ولا يظن واهم أن الأمر انتهي، فهناك فصل آخر من المعاناة فى السجل المدنى إذ عليك الذهاب اليه لاستخراج شهادة ميلاد الرقم القومى وإضاعة يوم آخر فى طابوره، ولايفوتك فى هذه الأيام التوسل لله سبحانه ألا ينقطع التيار الكهربى ويتوقف الكمبيوتر وبالتالى العمل ويضيع منك اليوم فى انتظار عودته التى يراها بعض الموظفين فرصة لصرف المواطنين والخلاص من يوم العمل مبكرا. يضاف الى كل ما سبق 8 صور شخصية للطالب. والسؤال: لماذا لايتم جمع هذه الجهات داخل سور واحد؟! مع جعل الإدارات الجماهيرية فى الدور الأول وليس الرابع، كما أن الحوالات البريدية يمكن تحصيلها فى المكان ذاته دون إرهاق المواطن ماليا بعمولات تزيد ما يدفعه وطوابير تستنفد وقته وجهده اللذين لا يهتم بهما أحد، وكذلك مستخرجات شهادات الميلاد بتجميعها واستخراجها من ذات الجهة الطالبة لها دون إجبار المواطن على الذهاب للسجل المدنى والعودة اليهم. المحافظ يرد حملنا المشكلة الى الدكتور على عبد الرحمن محافظ الجيزة وسألناه: لماذا هذا التفتت لبعض الإدرات التعليمية بالمحافظة؟ فقال: السبب هو ابتلاع الكتل السكنية جزءًا كبيرًا من الأراضى الزراعية مما أدى الى ندرة المتاح منها لبناء مدارس والإدارات تعليمية عليه، وإن كان هذا أقل فى المناطق التى لها ظهير صحراوي، وبالتالى ارتفاع سعرها بدرجة مبالغ فيها فعجزت ميزانيات هيئة الأبنية التعليمية عن شرائها، لكن رغم ذلك لم نستسلم ونسعى منذ فترة الى البحث عن أراض مناسبة، ووجدنا أن بعض الأراضى تخضع لولاية جهات حكومية مثل الهيئة العامة للإصلاح الزراعى أو الأوقاف، وقد تمكنا بذلك من بناء مجمع مدارس ببولاق الدكرور يضم 100 فصل موزعة على 3 مدارس للتعليم الأساسى إحداها تجريبية، كما تم شراء أرض بمنطقة الصفا والمروة بالهرم لبناء مدرستين إحداهما تجريبية وثلاث قطع أرض فى منطقة مطار إمبابة، وأكد أننا لانتوانى لكن الأولوية للمدرسة ثم الإدارة. أزمة أراض ما رأيته من عذاب فى رحلة الروتين هذه فرض على محاولة البحث عن حلول تجنب الناس هذا العذاب فذهبت الى مدير مديرية التعليم بالجيزة الأستاذ هشام السنجرى بعد عدة محاولات تواصلنا تليفونيًا وكان السؤال: لماذا التفتت فى بعض الإدارات التعليمية؟ فقال: إن الجيزة تواجه أزمة فى أراضى التعليم فى إدارات (بولاق الدكرور، وأوسيم، والبدرشين، والوراق، والعياط)، وإذا توافرت أرض، فالأولوية للمدارس وليس للإدارات، كما أن الأرض التى لاتصلح للمدرسة نخصصها للإدارات، فقلت له : هذا لايمنع من حسن استغلال ما لدينا، فأزمة الأرض والتمويل هذه يمكن الحد منها بتجميع الخدمات الجماهيرية على الأقل فى مكان واحد وليس توزيعها على عدة أماكن، فأجاب: أعدك بذلك لكنه سيستغرق عدة أسابيع، وبخصوص ما رأيته فى إدارة العمرانية من توزيع المكاتب فى أدوار ومبان متعددة، قال: أعدك بتلافى ذلك خلال أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر. وفى النهاية نرجو سرعة وضع حلول لهذه المشكلات التى لن تكلف الدولة شيئًا، لكنها ستوفر الكثير على المواطن الذى يكفيه ما يعانيه من أزمات ومشكلات فى كل شيء.