هناك بيروقراطية بشعة داخل الجهاز الإدارى للدولة، وتعششت هذه البيروقراطية وهذا الروتين داخل الهيئات والمؤسسات بشكل مأساوى،. ورغم أن ثورة «25 يناير» فى أساسها قامت من أجل التخلص من هذه الظواهر السلبية، إلا أن الأمور مازالت كما هى، ورغم التأسيس للدولة الحديثة، إلا أن ظواهر البيروقراطية والروتين وتعطيل مصالح الناس، مازالت تطل برؤوسها، وتهدد قيام هذه الدولة العصرية. مازال فى مصر رجال لم يتغيروا رغم الثورتين، ولديهم إصرار شديد على إصابة خلق الله بالمعاناة والقرف، ويتسببون فى خلق أزمات مع الدولة. والذى سأرويه واقعة خطيرة تدل على أننا مازلنا فى مصر، نتجرع الويلات والقهر من تفشى الروتين.. مؤخراً قام أحد الأساتذة الأجلاء بمحاولة إرسال حوالة بريدية من مكتب نادي الصيد بالدقى، لأحد المرضى بالصعيد يعتزم إجراء جراحة.. كانت المفاجأة الغريبة أن طلب الموظف المختص الرقم القومى للأستاذ الجليل، وقدمه إليه كإجراء طبيعى لمعرفة مقدم هذه الحوالة البريدية، لكن غير الطبيعى وغير المفهوم على الإطلاق أن يطلب الموظف الرقم القومى للمرسل إليه الحوالة!! المألوف والمعروف أن يطلب المكتب المرسل إليه الحوالة الرقم القومى من المستلم، لكن أن يحدث خلاف ذلك فهذا غير طبيعى،ويمثل قمة البيروقراطية والروتين، وتعطيلاً متعمداً لمصالح خلق الله.. الذي ينتظر هذه الحوالة مريض وكان يستعد لإجرا جراحة، وبسبب الغباء المتعنت والمتمثل فى البيروقراطية، وجدنا هذا التصرف. السؤال الآن ما الحكمة فى طلب الرقم القومى لمتلقى الحوالة، فى حين أنه لن يتسلم المبلغ المرسل قبل تقديمه الرقم عند وصوله؟!.وما الفلسفة الجهنمية فى هذا القرار؟!..وما هو الدافع وراء هذا القرار؟!..بالبحث عن إجابات لهذه الأسئلة لن نجد شيئاً سوى أن هناك روتيناً عقيماً وبيروقراطية بلهاء، تصيب الناس بالأذى النفسى والضيق وتعطل المصالح أو المراكب السايرة؟!!!!.. لا غاية من وراء هذا القرار العقيم سوى التلذد بتعذيب الناس..و«الحوالة البريدية» ليست وحدها التى تحيطها البيروقراطية، فهناك فى كل المصالح والهيئات بيروقراطيات متأصلة، لدرجة أن الناس من كثرة التعامل معها، اعتقدوا أنها باتت قانوناً!!! الجهات التى تتفنن فى إصدار قرارات لا تحقق نفعاً للناس، وإنما تخلق بيروقراطية وروتيناً، إنما يتصرفون بعشوائية، لا هدف منها سوى العكننة على خلق الله.. فهل يعقل بعد قيام المصريين بثورتين عظيمتين فى 25يناير و30 يونيو، أن تظل البيروقراطية هى المسيطرة على حياتهم وعلاقتهم بالدولة؟!.. هل من المعقول فى مصر الحديثة التى يحلم بها الشعب، أن تكون السطوة للبيروقراطية التى تصيب الناس بالأذى والعكننة، والسؤال الذى لا أجد إجابة له ما الهدف من وراء هذه القرارات العشوائية الآن، ألا يكفيهم ما مضى من زمن طويل كانت العشوائية والبيروقراطية هى المتحكمة فى علاقة المواطن بأجهزة الدولة مما دفع المواطنين للثورة مرتين؟! ومازلت فى انتظار إجابة صاحب قرار الحوالة البريدية الذى يصر على الرقم القومى للمستلم أثناء تحرير الحوالة، فى حين أن هذا المستلم لن يصرف أموال الحوالة قبل تقديمه الرقم القومى!!.. وعجبى.