إذا كان لك ابن في إحدي مراحل التعليم فقد تحتاج شهادة من المنطقة التعليمية بأن نجلك مسجل في مدرسة تابعة لها. لا مشكلة, ستحصل علي الشهادة التي تريدها, وبدون عناء يذكر اللهم إلا الزحام الذي تشهده المناطق التعليمية في موسم دخول المدارس وموسم الامتحانات والذي منه. أكثر من هذا فإن رسوم الحصول علي الشهادة المطلوبة متواضعة جدا, فهي لا تزيد علي الخمسة جنيهات, وهذا رائع. أما الأمر الذي سيثير غيظك ويفقع مرارتك هو أنك لا تستطيع أن تدفع الجنيهات الخمسة في المنطقة التعليمية, وإنما سيكون عليك أن تذهب إلي مكتب البريد لإرسال حوالة بريدية بالمبلغ المطلوب. تكلفة الحوالة ليست هي المشكلة, لكن المشكلة هي أنه سيكون عليك أن تقود سيارتك أو تبحث عن وسيلة مواصلات تحملك إلي أقرب مكتب بريد, وأنه سيكون عليك أن تجد مكانا مناسبا لتركن فيه سيارتك قرب مكتب البريد, كما أنه سيكون عليك أن تزاحم العشرات من أصحاب المعاشات الذين يقبضون معاشهم من مكتب البريد, وأنك ستجاهد حتي تتعرف علي طابور الحوالات من بين الطوابير العديدة التي تملأ مكتب البريد, وعندما تجد الطابور فإنك ستجد فيه مواطنين مثلك قادمين من جهات حكومية عدة لدفع حوالات من فئة الخمسة جنيهات أو أكثر قليلا, وكلهم يلعنون الحكومة والطوابير والزحام والحر والذكاء الإداري المعدوم الذي حملهم كل هذه المشقة بلا سبب مفهوم. لا أفهم السبب الذي يمنع المناطق التعليمية من تخصيص موظف في عهدته دفتر إيصالات لتسلم الرسوم المطلوبة من المواطنين بدلا من كل هذه البهدلة. لا أظن أن هناك نقصا في موظفي الإدارات التعليمية, أو أن هناك نقصا في الشباب الباحثين عن عمل, والذين لديهم ما يكفي من المهارات والأمانة لتسلم الجنيهات الخمسة. لا يوجد تفسير منطقي واحد قادر علي شرح هذا العبث الإداري, لكن يوجد كثير من التفسيرات الشيطانية الملتوية. الخبثاء يرون أن البعض في الحكومة يحرص علي إرباك حياة المواطنين حتي ينشغلون بمشكلاتهم عن قضايا السياسة والشأن العام. البعض الآخر يري أن هناك في داخل الحكومة من يعمل ضدها وضد النظام السياسي كله, أما خطته البسيطة فتقوم علي أن المواطنين سيصبحون أكثر استعدادا للتمرد علي النظام والثورة ضده كلما تعرضوا للإهانة والبهدلة من جانب جهات حكومية. أنا شخصيا لا أصدق هذا أو ذاك, لكنني عاجز عن تقديم تفسير منطقي لما يحدث.