كانت الأجيال السابقة علينا تكتب مقالات تجمعها فى كتب تحت عنوان: مقعد أمام الستار, والمقصود بالستار فى المقالات هو ستارة المسرح التى ترفع قبل بدء العرض, وتنزل معلنة انتهاءه. الآن لم يعد لدينا مسرح نذهب إليه، أو نشاهد نتاجه المسرحى معروضاً فى التليفزيونات. والسكتة المسرحية لم تصب مسرح الدولة المصرية فقط. بل أخذت فى طريقها ما كنا نسميه مسرح القطاع الخاص الذى ارتبط ازدهاره بالسياحة العربية. فكان يقدم عروضاً فيها قليل من الفن وكثير من التشويق الموجه للسائح العربى، يذهب للمسرح كجزء من رحلته السياحية لمصر ليشاهد العرض الذى يبدأ بعد العاشرة مساءً. ويمتد حتى فجر اليوم التالى ليغادر المسرح إلى سيدنا الحسين. فيبقى هناك حتى يتناول إفطاره بعد أن يصبح النهار مؤكداً. نجلس أمام التليفزيون الآن ليشاهد كل منا ما يحب أن يشاهده. لكن هناك فارقا بين التليفزيون على مدى العام وتليفزيون رمضان. لأن أوقات إرساله – مهما اختلفت القنوات فى شخصيتها ورسالتها والهدف من إنشائها – هذه الأوقات تتنوع بين المسلسلات الدرامية والإعلانات وبرامج المقالب والبحث عن الضحكات مهما جفت القدرة على الضحك عند مشاهدة ما يقدمونه. كنا نقول رمضان شهر الصيام والعبادات. ولكنهم جعلوه شهر المسلسلات. وكأن الناس لا تشاهد الدراما التليفزيونية إلا فى رمضان. مع أنها بند ثابت فى المشاهدة على مدى أيام العام وشهوره. بل إننا نجد عدداً لا بأس به من القنوات لا يعرض سوى مسلسلات الدراما التليفزيونية. ويدخل فى منافسة غير متكافئة – على مدى العام – مع القنوات التى تعرض الأفلام السينمائية القديمة والوسيطة والحديثة. هذا إن صح القول أن لدينا أفلاماً حديثة يمكن أن يقال إنها أفلام سينمائية إلا فيما ندر. قدرك أن تشاهد بعض المسلسلات، شئت أم أبيت، كنت مستعداً للمشاهدة. أو حاولت الهروب منها، ما دمت فى البيت وأمامك الجهاز السحرى الذى سيسمى عصرنا باسمه، أعتقد أن من سيؤرخون لزماننا سيقولون إنه زمان التليفزيون. ففى السنوات الأولى من القرن العشرين قال شوقى قولته الشهيرة: - لكل زمان مضى آية. وآية هذا الزمان الصحف. وأنا لست شاعراً. ولذلك لن أقول أن التليفزيون هو آية زماننا. يستهلك أوقات من يفيض الوقت عن حاجاتهم. ولا يعرفون ماذا يمكن أن يفعلوا فيه. يقوم بدور جوهرى فى تربية أطفالنا الذين سيئول إليهم الوطن فى الزمان القادم، يحمل إلينا الأخبار، لا نسمعها ككلمات، ولكن نراها كصور متحركة. وهكذا يسافر الإنسان منا أثناء جلوسه فى منزله إلى آخر مكان فى العالم، يشاهد ما يجرى فيه من أفراح وكوارث وأحداث سياسية مهمة. أكتب عن الدراما التليفزيونية فى رمضاننا. ثمة 38 مسلسلاً كانت جاهزة للعرض قبل رمضان. لكى أكون دقيقاً أقول إن الحلقات الأولى منها كانت الجاهزة للعرض، وأنه تم استكمال تصوير باقى الحلقات حتى الأيام الأخيرة من رمضان. وهى عادة مصرية. فرغم أننا نعرف موعد مجئ رمضان قبل سنة. ويجب أن نستعد بمستلزمات الشهر الفضيل بما فى ذلك المسلسلات. فإننا وحتى ليلة الرؤية لا يكون أصحاب المسلسل قد صوروا سوى حلقتين أو ثلاث. وفى أحسن الأحوال أربع. لا أعرف من هو العبقرى الذى وضع العرف. أصبح قانوناً من قوانين المسلسلات. أن يكون المسلسل من ثلاثين حلقة. هل لأن الشهر فيه ثلاثون ليلة؟ ولذلك يجب أن تكون لكل ليلة الحلقة الخاصة بها. عموماً هذا التقليد انتقل من التليفزيون إلى الراديو. وما زلنا نذكر رمضان الزمن الجميل. لم يكن فى حياتنا تليفزيونات، كان الراديو سيد الأذن، وكان رمضان يرتبط فى الذهن بمسلسل وحيد. يأتى بعد مدفع الإفطار. مسلسل ألف ليلة وليلة. يستمر من عام إلى عام. لأن أحداثه لا يمكن أن تستوعبها ثلاثون حلقة. حتى الآن ما زالت موسيقى ريمسكى كورساكوف فى سيمفونيته الخالدة عن شهرزاد وصوت زوزو نبيل تحكى باعتبارها شهرزاد. وربما تطن فى الأذن كلما جاء رمضان عبارتها الشهيرة: بلغنى أيها الملك السعيد ذو الرأى الرشيد، ونسرح مع الخيال النادر ونطير فوق أجنحته إلى أن نسمع أذان الديك الذى يعنى أن متعة وسحر السرد قد توقفت. ثم تقول عبارتها الشهيرة: وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. ورثنا من تلك الأيام فكرة المسلسل الذى لابد أن يتكون من ثلاثين حلقة. وتلك العادة أحد أسباب المط والتطويل فى الحلقات. واللهاث وراء الحكايات الفرعية التى ربما لا تشكل إضافة للخيط الجوهرى للمسلسل، لأن الهدف النهائى ليس الخلق والإبداع وفق قوانينه التى ربما لا ندريها، لكن العقل الباطن للإنسان يستجيب لمتطلباتها. ألا وهى أن يكون لدينا فى النهاية ثلاثون حلقة. أما إن فتح الله علينا بما هو أكثر وأصبحنا أمام مسلسلات الأجزاء. وهذه لم يعد لها وجود منذ الزمن الأخضر الجميل للدراما التليفزيونية. ففى هذه الحالة لا بد أن يكون كل جزء من ثلاثين حلقة. مع أننى أذكر أن المرحوم مخرج الدراما التليفزيونية الذى يعد عمودا من أعمدتها الرئيسية: إسماعيل عبد الحافظ. عندما أخرج روايتى: وجع البعاد فى مسلسل. كتب له السيناريو والحوار: مصطفى إبراهيم. أن إسماعيل عبد الحافظ كان ضد أن يكون المسلسل فى ثلاثين حلقة. وقد اختصر الحلقات عند المونتاج إلى ما يزيد على النصف بقليل. وقال لى يومها إن حكاية الثلاثين حلقة تتم لأسباب تجارية بحتة. بحثاً عن أكبر عائد ممكن من وراء المسلسل عند عرضه. لاحظت أن المسلسلات لا يوجد بها مسلسل مأخوذ عن نص روائى مصرى أو عربى أو عالمى مترجم. وإذا ما اتفقنا أننا نعيش فى مصر والوطن العربى وربما العالم حالة من الانفجار الروائى التى لم تحدث منذ أن عرفنا فن الرواية فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. فأين المسلسل المأخوذ عن رواية؟ لا يوجد. وليس لهذا سوى معنى وحيد. أن المنتج والمخرج وكاتب السيناريو والحوار والممثلين ليس لديهم وقت للقراءة. أو أن يكون عندهم من يقرأ لهم. لمزيد من مقالات يوسف القعيد