انحاز الجيش الى الشعب فى يوم 3 يوليو 2013، فانتصرت ثورة الأمة المصرية فى 30 يونيو، التى أطاحت بحكم الفاشية التكفيرية والإرهابية، فأسقطت مؤامرة تمكين الإخوان وحلفائهم، وأفشلت مخطط قوى الهيمنة وأدواتها لتفكيك مصر. ودون ريب، سوف تقضى الأمة المصرية- شعبا وجيشا وشرطة- على إرهاب جماعة الإخوان، وتبدد وهم حلفائهم باقامة إمارة إسلامية على أى شبر من سيناء. وأسجل أولا، أنه لا يمكن فهم مغزى 3 يوليو فى التاريخ، إذا لم نستوعب حقيقة أن الأمة المصرية هى عنوان هوية وانتماء وولاء المصريين، وأن الجيش المصرى هو جيش الأمة المصرية، وأن الوطنية المصرية- قبل أى شىء- هى ما يفسر دور الجيش وموقف الشعب إبان معارك وإزاء قضايا المصير. ويجهل الإرهابيون ويتناسى المتآمرون ويُغفل المغرِضون وينسى التائهون ولا يعلم الجاهلون أنه منذ تكونت الدولة والأمة فى مصر- قبل أكثر من خمسة آلاف وأربعمائة عام- لم تعرف القسمة لا طولا ولا عرضا، فبقيت مصر دولة موحدة ضمن حدودها الثابتة من رفح الى حلفا؛ واستمر المصريون أمةً موحدة فى نسيج مجتمعى متماسك رغم تغير الدين واللغة. وباستثناء فترتى الاحتلال الرومانى ثم العثمانى، فان جند مصر كانوا درع الأمة المصرية ضد كل أعدائها؛ سواء حاربوا تحت قيادة مصرية فى العصرين الفرعونى والحديث، أو قاتلوا تحت قيادة متمصرين حين استقلت أو صارت مركزا لامبراطوريات فى العصر الوسيط. وبفضل جندها حظيت مصر بالاستقلال نحو 70 % من تاريخها، وهو ما لم تحققه أمة على وجه الأرض. وحين تمكن غزاتها منها، قاتلهم شعب وجند مصر، وأقاموا سلطتهم الوطنية على أجزاء من تراب الوطن حتى قيض لهم تحريره كاملا، بل وأقاموا امبراطوريات كانت بالأساس خطوطا دفاعية أمامية. وثانيا، أن القوات المسلحة فى بيانها يوم 3 يوليو قد سجلت وبحق أنه: (لم يكن فى مقدورها أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب التى استدعت دورها الوطنى، واستشعرت أن الشعب يدعوها للحماية الضرورية لمطالب ثورته.. وقد استوعبت هذه الدعوة وفهمت مقصدها وقدرت ضرورتها وإقتربت من المشهد السياسى، وأكدت رفضها لترويع وتهديد جموع الشعب المصرى). والواقع أن المتاجرين بالدين والدم لم يتركوا سبيلا غير استخدام القوة لفض اعتصام رابعة المسلح والتخريبى، ولأن السلاح والعنف لا يواجهان بغيرهما لم يكن ثمة سبيل غير القوة منذ نفذت جماعة الإخوان- وغيرها من تنظيمات الفاشية التكفيرية والإرهابية- ما توعدت به فى رابعة: يا نحكم مصر يا نحرقها!! ومع ذكرى ثورة 30 يونيو، كانت جريمة اغتيال النائب العام، ثم غزوة الشيخ زويد الخائبة، مؤكدة حتمية وجسامة المسئولية التى أخذها جيش الأمة المصرية على عاتقه فى صراع المصير لإنقاذ مصر: دولة ووطنا وأمة وهوية. وكما كتبت وأكرر فان الرئيس السيسى قد سجل اسمه بين أعظم القادة العسكريين الوطنيين على مدى تاريخ مصر العريق، وقدم أهم أوراق اعتماد انتخابه رئيسا؛ باستجابته الوطنية والجسورة والتاريخية لإرادة الأمة المصرية فى ثورة 30 يونيو، وقيادته للحرب ضد الفاشية التكفيرية والارهابية ومن وراءها. وثالثا، أن 30 يونيو و3 يوليو كانا انتصارا مؤزرا لهتاف المصريين المدوى فى ثورة 25 يناير: ارفع رأسك فوق.. أنت مصرى، الذى كان إعلانا واعيا بأنهم قد استردوا مجددا - ودون التباس - وعيهم بهويتهم الوطنية وفخرهم بانتمائهم وولائهم للأمة المصرية. وقد برزت اشكالية الهوية حين أتت فكرة اختطاف ثورة 25 يناير بواسطة جماعة الإخوان وغيرها من قوى الفاشية التكفيرية، فارتفع هتافها المنافق: ارفع رأسك فوق.. أنت مسلم، الذى استهدف تفكيك الأمة المصرية بنشر التباس يرتكز الى خلط زائف بين الهوية الوطنية والعقيدة الدينية. والواقع أن مسألة الهوية فى مصر - كما فى كل مكان - مسألة تتعلق بأمة محددة تعيش فى وطن محدد، وإذا كانت ثمة أمة فى العالم محددة الهوية دون التباس فانها الأمة المصرية؛ أول أمة ظهرت على وجه الأرض. فقبل آلاف السنين من دخول غالبية المصريين المسيحية ثم الإسلام تكونت الأمة المصرية، واستمر بعدهما نسيجها المجتمعى يضم مسلمين (ليسوا وافدين متمصرين) ومسيحيين (ليسوا ضيوفا ذميين) إلا فى عقول الجاهلين بتاريخ مصر والمصريين. وبعد أن عاد الى المصريين وعيهم الغائب أو المغَيب بهويتهم الوطنية؛ بعد طول إدماج أو اندماج فى امبراطوريات وخلافات بدأت بفتح الاسكندر لمصر، عادت الأمة المصرية عنوانا للهوية فى مجرى تطور بدأ مع ميلاد الدولة الحديثة قبل نحو قرنين. ورابعا، القوات المسلحة بانتصارها المحتوم فى حربها على الإرهاب- منطلقة من وعدها للأمة المصرية فى 3 يوليو وتفويضها فى 26 يوليو- سوف تدحض مجددا فرية أن المصريين شعب غير محارب. ومن يعرف التاريخ يدرك أنه كما جعل النيل المصريين صناع الحضارة فإن موقع مصر قد جعلهم شعبا محاربا مقاتلا. والأمر أن للمصريين أول سجل وأطول تاريخ معروف فى الحرب والقتال، ولآلاف السنين تحلى المصرى بالشجاعة الوطنية الفائقة والصلابة العسكرية النادرة فى الحرب. وقد شهدت مصر حروبا داخلية طاحنة انتهت ببناء دولة الوحدة بين الصعيد والدلتا بقيادة الملك مينا، وكانت للأخير وخلفائه معارك حربية مهمة لصد غارات الرعاة الذين وصفتهم النقوش الفرعونية بالخاسئين! وخاضت أجيال من المصريين أول حركة تحرر وطنى فى التاريخ حتى دحرت وطردت الهكسوس، بل وأخذ على الإمبراطورية المصرية الفرعونية الإسراف فى الحروب. وأوصى نبى الإسلام العرب إن أتيح لهم فتح مصر بأن يتخذوا فيها جندا كثيفا لأنهم خير جند الأرض ووظيفتهم الدفاع فى رباط الى يوم القيامة. واعتبر نابليون أن المصرى خامة مثلى للجيش المقاتل، وقال إنه لو كانت كل جيوشه كالمصريين لملك العالم! واستبدل محمد على المصريين بالجند الأتراك والألبانيين، وبهم حقق ابنه إبراهيم كل انتصاراته! وكانت حرب أكتوبر 1973 تكذيبا دامغا لنظرية الشعب غير المحارب. لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم