فى كلمته للمصريين لإعلان ترشحه لرئاسة مصر، انتصر السيسى للحق وأجهض الباطل فى نظرية مصر المستهدفة؛ بقوله إن: الاستهتارَ فى حقِ مصرَ مغامرةٌ لها عواقِبُها، ولها حسابُها، مصرُ ليست ملعباً لطرفٍ داخلى أو إقليمىٍ أو دُوَلىٍ... ولن تكون.. وتأكيده أنه: رغمَ كلِ الصعابِ التى يمرُّ بها الوطنُ، أقفُ أمامَكُم وليس بى ذرةُ يأسٍ أو شك، بلْ كلّى أملٌ، فى.. الدفعِ بمصر إلى مكانِها الذى تستحقُه بين الأممٍ المتقدمةِ. والأمر أن مروجى فرية أن مصر لا تستطيع مواجهة تحديات التحرر والحرية والتصنيع والتقدم، نصطدم بهم على مدى تاريخ مصر الحديث والمعاصر. إنهم المتخاذلون أمام الاحتلال عقب الخيانة التى هزمت الثورة العرابية 1882، ودعاة الخنوع ومحبذو التبعية للاستعمار قبل ثورة 1952، والمرتعدون من استرداد قناة السويس ودعاة الاستسلام للإنذار بالعدوان فى 1956، وناشرو روح اليأس فى الأمة المصرية عقب هزيمة 1967. وهم من رأيناهم، حتى بعد نصر أكتوبر، يروجون فرية أن أمريكا تملك 99 % من أوراق الحرب والسلام، ويتنازلون عن حقوق السيادة الوطنية المصرية فى تنمية سيناء أو يتركونها قاعدة للإرهاب، ثم نراهم مجددا، بعد ثورة 25 يناير مذعورين منها فيذعنون للضغوط الأمريكية بتمكين جماعة الإخوان من حكم مصر، وبعد ثورة 30 يونيو خائفين من الحرية ويدعون الى المصالحة مع الجماعة وغيرها من تنظيمات الفاشية التكفيرية والإرهابية. وهم الذين لا يرون فى ثورة 25 يناير إلا مؤامرة، ولا يريدون من ثورة 30 يونيو سوى الردة، والذين ينبذون طرح المرشح للرئاسة برنامجا للمستقبل يحمل الوعد ويبعث الأمل!! ثم هم من أعماهم جشع الريع الفاحش من الأرض، بالقنانة، فروجوا لنظرية عجز مصر عن مواجهة تحديات التصنيع. إنهم الاقطاعيون الذين تخلوا عن مشروع محمد على الطموح لتصنيع مصر، ووجهوا بما سمى قانون دعم بنك مصر ضربة قاصمة لمشروع بنك مصر وأطاحوا بقائده طلعت حرب. وهم من أسسوا نظام الفساد النظم والجشع المنفلت، الذين وأدوا مشروع التصنيع الناصرى بزعم أن مصر زراعية، فكان الحصاد تخريب القطاع العام الصناعى وتجريف الأرض الزراعية وتعظيم فجوة الغذاء، ثم روجوا مع بوقة إجماع واشنطن العازفة لحن السوق الحرة الشاذ أن انحياز السياسات الاقتصادية للتصنيع خطيئة. وهم من روجوا لمشروعات توشكى من قبل، وممر التنمية من بعد، بما استنزف ويعمق استنزاف ثروة الأمة المتاحة للاستثمار فى مشروعات باهظة التكلفة وبعيدة العائد، وإن أشبعت نهم الساعين للإثراء الفردى عبر المضاربة بالأراضى، وبعيدا عن التصنيع، الذى لا غنى عنه ولا بديل له، لتعظيم فرص العمل وتصفية الفقر وتعزيز الأمن وتوفير الموارد اللازمة للانفاق على التعليم والصحة والسكن وغيرها من الحاجات الأساسية والاجتماعية. ومصر الآن مستهدفة، دون ريب، من قوى خارجية تريد تركيعها وتكريس تبعيتها بتخلفها، وقوى داخلية تبتغى تمكينها بتفكيكها، وتواجه مصر تحديات تهدد وجود الدولة والوطن والأمة والهوية. ولكن الحقيقة، كما نتبين من أهم دروس إعادتى زيارة تاريخ مصر والمصريين: أن مصر كلما بدا للبعض أنه لن تقوم لها قائمة تنهض جبارة عفية ورائدة، تبهر الصديق قبل العدو؛ فى كل عصور تاريخها الألفى العريق؛ وهو ما أوجزت أدلته فى مقالاتى بالأهرام، (ومنها: إعادة زيارة تاريخ مصر والمصريين، جريدة الأهرام 16 ديسمبر 2007). ولنتذكر، أن مصر القديمة كانت مستهدفة، بالتفكيك فى الداخل والتهديد من الخارج. وهكذا، بعد قوضت قوى التفكيك الداخلية اتحاد مصر الأول أسس المصريون دولتهم الموحدة، التى ولدت مصر؛ دولةً وأمةً، مولودا بالغا، وحافظوا على وحدتها، ولم تعرف القسمة، لا طولا ولا عرضا، منذ النشأة!! وبقيت نسيجا متلاحما، قدم نموذجا للإنسانية فى كيفية التعايش رغم تعدد المعتقدات. واستمر ملوك مصر القديمة يتصدون لغارات الأقوام والقبائل، التى هددت مصر من أطرافها، وقاتل شعب وجند مصر الهكسوس حتى قيض لهم تحرير الوطن، وأقاموا أول امبراطورية فى التاريخ بناءً لخطوط دفاعٍ أمامية، ودحروا غزو شعوب البحر. وكانت حماية حدود مصر المهمة المقدسة لحكامها؛ وهو ما سجله سنوسرت الثالث فى لوحة سمنة الثانية عند حلفا, يقول: لست بالرجل الذى يرضى لبه بالتقاعس عندما يعتدى عليه.. ومن يرتد وهو على الحدود جبان حقا.. ومن يتخلى عنها ولا يحارب دفاعا عن سلامتها فليس ابنى ولم يولد من ظهرى. وبفضل هذا، بقيت حدود مصر ثابتة آلاف السنين، وحظيت بالاستقلال نحو 70 % من تاريخها، وهو ما لم تحققه أمة على وجه الأرض!! وعود على بدء الى الحاضر، أزعم أن مصر، رغم استهدافها من الداخل ومن الخارج، قادرة على دحر الفاشية التكفيرية والإرهاب ومن وراءها، وقادرة على تحقيق طموحها المشروع للتصنيع واللحاق بالبلدان الصناعية المتقدمة، وقادرة على بناء مثال دولة المواطنة، المستقلة والمتقدمة، دولة كل مواطنيها، التى تحترم كل حقوقهم. وأكرر باستقامة، وهو ما نشرته على صفحتى بالفيس بوك، أننى فى تأييدى لانتخاب السيسى أنطلق من اقتناعى، أولا، بأنه اذا لم تكن 30 يونيو ثورة، فان 25 يناير ليست ثورة. وأنه اذا كانت ثورة 25 يناير قد انفجرت ضد حكم فاسد وظالم وفاشل وتابع، فان ثورة 30 يونيو انفجرت ضد حكم تكفيرى وتمييزى وفاشى وإرهابى؛ بجانب أنه فاشل وظالم وفاسد وعميل. وأنه اذا كانت اعادة بناء الدولة وعد ثورة 25 يناير، فان ثورة 30 يونيو قد أنقذت وجود الدولة، وفى انتصارها كان دور السيسى فريدا وحاسما. وأن السيسى قد أثبت جدارته بقيادة معارك انقاذ مصر: الدولة والوطن والأمة والهوية، لكن حقوق المواطنة لن تكون منحة من الرئيس أيا كان؛ وإنما سينتزعها الشعب، الذى يعرف مصالحه، ولا يثق الا فى نفسه، وينبذ عبادة الزعيم، ويستوعب أن بناء مصر المتقدمة مهمته. لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم