لا جدال أنه علي الرئيس القادم لإنقاذ مصر أن يطرح رؤيته الشاملة وبرنامجه المحدد للمستقبل; مع إعلان التزامه الصريح بإنجاز المهمة الملحة لثورة30 يونيو; أقصد مهمة إنقاذ مصر, وطنا ودولة وأمة وهوية, بتحريرها من تنظيمات الفاشية التكفيرية والتمييزية والإرهابية; والتصدي لضغوط القوي الدولية والاقليمية, التي تستهدف تفكيك وتركيع مصر. منطقيا, لن تتسارع خطي الأمة المصرية نحو مهام المستقبل بغير أن تنجز مهمة الحاضر. لكنه علي الرئيس القادم, فور ترشحه, أن يعلن برنامجه, الذي لا ينبغي أن يقل عن وضع أساسات نظام جديد, يحقق غايات الثورة والتقدم الشامل, بما في ذلك لاكتساب المناعة ضد المؤامرات الداخلية والخارجية. وينبغي أن يحدد هذا البرنامج غاية وأهداف وركائز النظام الجديد, انطلاقا من استيعاب شعارات الثورة المصرية, الديمقراطية الوطنية, في 25 يناير و30 يونيو, وأن يعلن رؤيته, التي لا ينبغي أن تستهدف أقل من إقامة دولة المواطنة. أقصد أن تكون مصر للمصريين, دولة ذات سيادة ومتقدمة ومستقلة ومتحررة من الانكشاف والتخلف والتبعية, وأن تكون مصر لكل المصريين, وأن يفعل دستور 2014 الذي أقرته الأمة المصرية, بما يبني مؤسسات دولة القانون الديمقراطية المدنية الحديثة, ويحمي جميع حقوق المواطنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية وغيرها, دون تمييز أو تهميش أو إقصاء أو إنتقاص. وقد أعلنت وباستقامة تأييدي لترشيح السيسي رئيسا لمصر بعد أن قدم أهم أوراق إعتماد ترشحه, باستجابته الوطنية والجسورة والتاريخية لإرادة الأمة المصرية, حين دعته لاسقاط حكم جماعة الإخوان, ثم حين فوضته لقيادة حربها المصيرية ضد تنظيمات الإرهاب والتخريب والترويع والفوضي والخيانة. ودحضت فرية الانقلاب, التي ستواصل ترديدها الفاشية التكفيرية ضد أي رئيس يمثل الثورة المصرية, كما دحضت فرية أن رئيسا عسكريا يعني حكم المؤسسة العسكرية, وأكدت أن الإستجابة المحتومة لمطالب الثورة تجعل الرئاسة غرما لا غنما. كما رجوت السيسي حال ترشحه ألا ينزلق الي شرك الإنحياز لجماعات مصالح, تسانده بوهم إعادة انتاج نظام الفساد المنظم والجشع المنفلت الذي فجر ثورة25 يناير, ودعوته لإدراك أن الأمة المصرية, التي تتحمل صابرة الآلام المبرحة لتداعي النظام بعد إسقاط رئيسين بجانب أعباء محاربة الإرهاب, تري فيه زعيما وطنيا; تأمل أن يقودها نحو تحقيق شعارات ثورتها. علي الرئيس القادم لإنقاذ مصر أن يمتلك قدرات دليل القافلة في الصحراء, أن يري البعيد, أو الغايات الإستراتيجية, بوضوح تام, ليصل ومعه من يقودهم بأقل تكلفة الي الواحة البعيدة, التي لا تغيب عن عينيه, حتي لا يهلك ومعه من يقودهم عطشا في تيه الصحراء قبل الوصول! وأن يري القريب, أو الخطوات التكتيكية, بذات الوضوح; فلا يهلك ومن يقودهم بالعدو وراء السراب, أو يسقط بهم في خور لا قرار له, أو يدخلهم في حقل ألغام خلفته الصراعات!! وأما عن القريب, فأزعم أن السيسي يراه بجلاء, كما بينت بتصريحاته: أن انتماء وولاء الإخوان للجماعة وأفكار الخلافة وليس للدولة والوطن بحدوده, وإن مصلحة الجماعة مقدمة علي مصلحة البلاد, وإن البناء الفكري والعقائدي لجماعة الإخوان وما يماثلها يدفعها للعنف, وإن حكمها قد هدد وسطية ومستقبل الشعب المصري, وأنذر بحرب أهلية; وهدد الأمن القومي, فكانت ثورة 30 يونيو. ومنطقيا وتاريخيا, فانه قبل حسم خيارات النظام المنشود, يأتي إطفاء الحريق, الذي يهدد وجود الوطن والدولة والأمة. وقد انتصرت إرادة الأمة المصرية بنزولها, كما لم تنزل في استفتاء من قبل, لتقول نعم لدستور 2014, فبدأت مسيرة الشرعية الدستورية تعزيزا للشرعية الثورية. وبعد إقرار الدستور وبأغلبية ساحقة, فان علي الرئيس القادم استيعاب حقيقة أن انضمام قوي مضادة لثورة25 يناير الي صفوف ثورة30 يونيو, وإن وسع صفوف قوي الثورة الأخيرة, فقد نشر هواجس مشروعة بين شباب الثورة بشأن حلمهم ببناء نظام جديد يحقق غاياتها. فقد كان دافع منكوبي ثورة25 يناير عداء حقيقيا لمشروع دولة الفاشية التكفيرية, وخوفا مبررا علي مصير الدولة والوطن والأمة, ولكن أيضا وهم بإعادة انتاج نظام ما قبل ثورة25 يناير, التي يراها بعضهم نكسة ونكبة ومؤامرة! وقد أعلن السيسي استيعابه لمهام المستقبل بتأكيده حتمية إنفاذ إرادة الشعب بتحقيق أهداف ثورتيه في يناير2011 ويونيو2013, وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير والعقيدة وغيرها من الحريات. وأسجل هنا أن رد الدولة بالعنف علي العنف هو تعزيز لدولة القانون في مواجهة عنف القوي المعادية لثورة30 يونيو, والتي فرضت نهج العنف, انطلاقا من الصيحة الفاشية النكراء لجماعة الإخوان الإرهابية وحلفائها: يا نحكمكم يا نقتلكم, ثم إقدامها علي تنفيذ وعيدها الدنيء, في خصومتها الفاجرة مع الأمة والوطن والدولة بعد إسقاط حكمها. لكنه رغم حتمية الإجراءات الاستثنائية لا ينبغي نسيان أن الحرية غاية من أهم غايات الثورة, ولن يترتب علي وأد حرية التعبير السلمي عن الرأي سوي وأد الثورة ذاتها. وأما القول المأثور بأنه: عندما يتهدد الأمن القومي للوطن فلا مجال للحديث عن حقوق الإنسان, والذي يسوقه خصوم الحرية, فأفهمه فقط في إطار الاستثناءات التي تسمح بها المواثيق والإعلانات والعهود والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان, والتي تلتزم بها مصر بموجب دستورها المعدل. وأخيرا, ليتذكر الرئيس القادم أن الشعب, رغم مآثر طلائعه الشابة وقواته المسلحة, هو صانع الثورة, ولن يتخلي عن حلمه ببناء نظام جديد يحقق تطلعاته المشروعة. ومن هذا المنظور يبقي الحديث متصلا عن مهام بناء نظام جديد يجسد اكتمال الثورة وعنوان انتصارها بتأسيس بناء دولة المواطنة, وإعادة بناء النظام الاقتصادي الاجتماعي بما يعظم الثروة ويحقق العدالة, و د. طه عبد العليم حتمية تصنيع مصر لتصفية جذور الفقر والتبعية. لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم