أعلن, وباستقامة, تأييدي لترشيح السيسي رئيسا لمصر بعد أن قدم أهم أوراق إعتماد ترشحه, باستجابته الوطنية والجسورة والتاريخية لإرادة الأمة المصرية; حين هتفت في ثورة30 يونيو: إنزل يا سيسي.. مرسي مش رئيسي, معلنة بغير لبس أنها تضع ثقتها في قواتها المسلحة وقائدها لإنقاذها من حكم الفاشية التكفيرية. ثم حين هتفت يوم26 يوليو: يا أبو دبورة ونسر وكاب.. إحنا معاك ضد الإرهاب; مفوضة قواتها المسلحة وقائدها في خوض حرب مصيرية ضد إرهاب وتخريب وترويع وفوضي وخيانة تنظيمات الفاشية التكفيرية. وأسجل أولا, أنني أدرك تباين المواقف من ترشح السيسي رئيسا. في جانب التأييد, هناك أغلبية ساحقة من الشعب, الذي كسب رهانه علي وطنية قواته المسلحة, ويحدوه الأمل في قائدها كزعيم وطني; يقود الأمة في سعيها لتحقيق تطلعاتها المشروعة, كما أوجزتها بشعارات ثورتيها في25 يناير و30 يونيو. ولكن هناك أيضا قلة مؤيدة من جماعات المصالح, التي يدفعها سعي أناني وواهم لإعادة انتاج نظام الفساد المنظم والجشع المنفلت, الذي حكم مصر قبل ثورة25 يناير. وفي جانب المعارضة, هناك الخوارج علي إرادة الأمة من جماعة الإخوان وحلفائها, الذين لم يستوعبوا أن خديعتهم بالدين قد إنفضحت, وأن حكمهم ومشروع تمكينهم قد سقط دون رجعة, ووراءهم قوي دولية واقليمية تستهدف تركيع مصر. ولكن هناك أيضا قلة مصابة بأمراض الطفولة اليسارية والبلاهة الليبرالية والفوضوية العقيمة ومعهم أسري إرضاء السادة المانحين في الغرب, الذين يروجون فرية الفاشية العسكرية ويغذون خشية الدولة القمعية. ولكن لنتذكر, في المحصلة, أن الشعب في غالبيته الجارفة يؤيد ترشح السيسي; ويتحمل صابرأ الآلام المبرحة لما بعد الثورة يحدوه الأمل في التغيير, ويدفع واعيا التكاليف الباهظة لإستئصال الإرهاب ومن وراءه في معركة المصير. وأزعم ثانيا, أن مصر لم تكن بحاجة قدر حاجتها الآن الي إنتخاب رئيس وطني قوي بمقدوره إتخاذ قرارات مصيرية وإجراء تغييرات جذرية; تمليها المهام الملحة لتصفية عصابات الإرهاب وحماية الأمن القومي; وتفرضها ضرورات بناء أساسات نظام جديد يحقق تطلعات الأمة المصرية الي العيش والحرية والعدالة والكرامة والسيادة. ومن يشعر بنبض ويسمع صوت الأمة المصرية, يدرك أنها, شعبا وجيشا, وبمسلميها ومسيحييها, ومن شتي الطبقات, تري في السيسي هذا الرئيس, الذي إختبرت وطنيته وجسارته وقدرته في أخطر معاركها المصيرية. وفي سياق جدال المفاضلة بين مرشح مدني أم عسكري, أزعم أن رئيسا قادما من صفوف القوات المسلحة لا يعني قيام دولة عسكرية; أو ما يسمي جهلا أو ذما بحكم العسكر!! فلم تكن نظم ما بعد ثورة23 يوليو تجسيدا لدولة عسكرية; تولت فيها المؤسسة العسكرية مقاليد الحكم, إذا استثنينا الفترة التالية مباشرة للإنقلاب. ويقينا لم يكن حكم جمال عبد الناصر تجسيدا للفاشية العسكرية, أو هتلر علي ضفاف النيل, كما روجت الدعاية الاستعمارية السوداء, وإنما كان زعيما وطنيا, قاد الأمة في معارك تاريخية مشهودة من أجل التحرر الوطني والعدالة الإجتماعية والتصنيع المستقل, فنال شعبية نادرة في التاريخ, منتصرا ومهزوما. وأسلم, ثالثا, بأن كلا من عبد الناصر والسادات ومبارك قد عبر عن مصالح وقوي إجتماعية متغيرة, وتباينت التوجهات السياسية والإجتماعية والاقتصادية لكل منهم.. إلخ; لكن نظم حكمهم جميعا كانت سلطوية, تنكرت للديموقراطية السياسية. ولكن لنتذكر ما أعلنه بيان القوات المسلحة- حين استجابت لنداء الشعب بانقاذه من حكم الفاشية التكفيرية- بأنها قد إستشعرت أن الشعب لا يدعوها لسلطة أو حكم, وإنما لحماية مطالب ثورته, وإستوعبت هذه الدعوة, وفهمت مقصدها, وقدرت ضرورتها. ورغم ثقتي في صدق الوعد, أزعم أن أي رئيس لن يتمكن من إعادة بناء دولة الطغيان بعد ثورتي الشعب في25 يناير و30 يونيو, وإطاحته ظافرا برئيسين ونظامي حكم مستبدين, مبرهنا للعالم بأسره أنه قد تعلم درس التاريخ, وهو أنه لا ينبغي للشعب أن يثق إلا في نفسه. ودون ريب, فان مأثرة إنتصاره لإرادة الأمة بإنقاذها من كوارث حكم وجرائم إرهاب جماعة الإخوان وحلفائها, قد سجلت السيسي في قائمة أعظم القادة العسكريين الوطنيين في تاريخ مصر. لكنه يبقي عليه أن يطرح علي الأمة عند الترشح, رؤيته لتحقيق غايات الثورة المصرية, وبرنامجه لتحقيق مقولته الثاقبة: إن مصر( أم) الدنيا ستكون( قد) الدنيا; كما طالبت في مقال سابق. وأري رابعا, أن ثمة هواجس يثيرها نقاد ترشح السيسي, وتستحق الرد علي الرغم مما تحفل به من تناقضات. وفي هذا السياق أقول: إن وصف ثورة30 يونيو بالانقلاب فرية ستواصل جماعة الإخوان وحلفاؤها ترديدها, وإن حجم المشكلات والتحديات التي تواجه مصر لا يجعل السلطة غنما بل غرما لأي مرشح وطني للرئاسة. وأزعم أن السيسي بشعبيته الطاغية سوف يكسب أي إنتخابات نزيهة بالمعايير العالمية, ولا يعني هذا هدر حق غيره في الترشح والمنافسة الواجبة لترسيخ قيم الديموقراطية. وإنتخاب السيسي لا يعني خطر أن تتحول القوات المسلحة من الإنتصار لإرادة الشعب الي الإنقلاب عليها, لأن هذا لم يكن موقف قائدها بمفرده. وانتخاب رئيس قام من صفوف الجيش لا يعني حكم العسكريين, لكنه المرشح المناسب في لحظة حرب يتعرض فيها لتهديد الأمن القومي, بل ومصير الوطن والدولة والأمة. والمساءلة والمحاسبة للرئيس القادم لا تعني الإنتقاص من قدره, وإنما نهاية عصر عبادة الفرد, لأن الشعب- وخاصة شبابه- لن يفرط في حريات وحقوق دفع ثمنا باهظا لإنتزاعها. وحاكم من أصول عسكرية لا يعني هدر الديموقراطية, فقد كان غالبية طغاة العالم من المدنيين, ومنهم الرئيس الإخواني المعزول!! وإعتماد الرئيس القادم علي من بشأن ترشيح السيسي رئيسا يعرفهم ويثق بهم- بغض النظر عن معيار الكفاءة والنزاهة- إحتمال قائم, ويتوقف وأده علي إنتزاع الأمة لحقوقها الدستورية. وتبقي مهام الرئيس القادم موضوعا لمقال لاحق. لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم