سلبيات خطيرة وأوجه قصور فى منظومة تعامل الدولة المصرية مع الجماعات الإرهابية، كشفتها جريمة اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، أثبتت تطور العلاقة بين الدولة وجماعة الإخوان، إلى «معادلة صفرية»، بما ينذر بتحولات جارفة، تستدعى اليقظة والحذر وتوجب تغيير طرق المواجهة عما قبل..! لن يفوت القتلة فرصة للعق الدماء، لكن لو كرروا جريمتهم 100 مرة، فإن النهاية الوحيدة الممكنة هى النصر لمصر. ليس هذا وهما أو حلما، إنما حقيقة يقينية راسخة، لها شواهد وأدلة، المصريون شعب يعشق لذة الخلق فى حضرة الموت، يدرك أن الليل آخره نهار، أن النجاح يقاس بقدر الصعاب التى تجاوزها، يعى أن المشوار طويل، وأن تجار الأديان والأوطان سادرون فى غيهم وجرائمهم، حلقات مسلسل العنف فواصلها متعددة، مشاهدها مؤلمة، فى مناخ داخلى متوتر وخارجى يفيض بالأخطار والتحديات. إذن ما العمل؟ وهل نكتفى بالفرجة؟ وما المشهد الختامى لهذا المسلسل العبثى ؟ الدم لعنة وفتنة على القاتل الباغى، وللأوطان قربان ومنحة.. اغتال أبناء الشر «محامى الشعب»، لا لشىء، إلا لأنه أعمل ميزان العدالة فى جرائم الإخوان، فمارسوا هوايتهم القديمة: القتل، إزاحة من تعتبرهم خصوما وتصفيتهم من المشهد.. سجلها عامر بالاغتيالات: قضاة وزراء رؤساء وزراء، رؤساء جمهورية، شخصيات عامة كتاب ومفكرون، وأخيرا «نائب عام»، الأمر قد لا ينتهى عند هذا الحد، السم الزعاف يسرى من رءوس الأفاعى، فى جعبتهم الكثير من الحقد وشهوة الحكم وتمزيق البلاد، إنه جذر الطبع الداعشى المتغلغل بأعماق نفوسهم..! لكن المصريين شعب خلاق، فهم «فولتهم»، ورد كيدهم فى نحورهم، علمهم أن اللعب بالنار يحرق الأصابع.. بعد ثورة 25 يناير تولدت قوة (مبهمة) جعلت الشمس والقمر على يمين جماعة الإخوان - آخر الواصلين إلى ميدان التحرير، وأول المغادرين - تتحكم فى مصائر البلد، فى علاقات البشر، تخفى تاريخها المشبوه، وتختلق آخر مفبركا، تجبروا وحكموا، جمعوا كل السلطات، بنوا «عرشا» من جثث ضحاياهم.. صارت أم الدنيا فى أيديهم كعصفور فى يدى صبى نزق، علقوها كالذبيحة وغاصوا بأيديهم فى أحشائها الممزقة المتدلية وكذلك يفعلون - عنف منفلت من كل قيد..! لم يشأ ربك لهذه «الغاشية» أن تدوم، استفاق الشعب سريعا، قبض عليهم فى حالة تلبس باختطاف وطن، بدءا من حصار المحاكم والعبث بالقضاء، وخلال 200 يوم من الاحتجاجات التى وصلت ذروتها فى 30 يونيو 2013، أخذت الغمة تنزاح.. مصر هذا البلد الغلبان، المتألم، الفقير. هذا البلد ذو الصولجان، صاحب الجلالة، هذه البقعة المباركة، طوت صفحة الإخوان ومن يقف خلفهم من الدول والدويلات والجماعات، لتنشر صفحة جديدة، كسر الشعب الصابر حاجز الصمت فى 30 يونيو، ومنع الكارثة فى 3 يوليو..! مفتاح السر أن مصر وطن عجيب، مفارقاته وتناقضاته لا تنتهى، عبقرية آسرة ممزوجة بالألم، يخوض تجارب لاتليق بعمره الممتد آلاف السنين، يسقط فى بعض الفخاخ، لكن ليعاود النهوض. ينهزم فى معارك، ليحرز نصرا أروع، مثلما ننام كى نصحو أكثر قوة ونشاطا..!!، بمعنى أن الإخوان ومن يقف وراءهم، مهما ارتكبوا من جرائم واغتيالات بحق أبناء مصر ورموزها ولو قتلوا 100 نائب عام، فإن دماء الشهداء الطاهرة ستحررنا بكل قوة وتحد وجسارة، وسيهزمون إن عاجلا أو آجلا، هذا حكم التاريخ. لكن هذا الهدف لن يتحقق إلا بشروط، أولها «الإيمان الراسخ» بقدرتنا على الانتصار فى الحرب على الإرهاب، قد يسقط ضحايا أبرياء، أو نخسر جولة، لكن نتيجة المعركة نصر مؤزر لنا، هل تريد دليلا، إلإجابة: الجزائر وألمانيا واليابان..!! كيف؟! بسيطة جدا. الأولى مرت بعشر سنوات إرهاب دموى، من الجماعات المتطرفة فى التسعينيات، قتل أكثر من 200 ألف شخص، فما لانت ولا استكانت، ولم تصدر قوانين السلم والمصالحة إلا بعد أن رفعت جماعات الإرهاب الراية البيضاء.. مصر اليوم أفضل مئات المرات من جزائر التسعينيات.. تريد أن يطمئن قلبك، انظر إلى اليابان وألمانيا، وقف العالم أمامهما وهزمتا شر هزيمة فى الحرب العالمية الثانية، عرفت الأولى الدمار الذرى، وعانت الثانية الخراب الشامل، ومع ذلك نفض الشعبان الشعور بمرارة الهزيمة، ولم يستغرقا فى الحزن، وترجما هذا الشعور فى العمل الجاد الدءوب، بوحى الثقة فى الغد، لبناء المستقبل.. «أم الدنيا» تبنى اليوم للغد، تسعى للمستقبل، ترنو إليه وتستحقه، من هنا يحاول المأجورون من جماعات العنف وقف المسيرة أو تعطيلها، وعليه فإن تحقيق الاستقرار الأمنى أولوية على ما عداها، الأفكار كثيرة، إليكم واحدة بسيطة وزهيدة التكلفة، «مليار جنيه» من صندوق «تحيا مصر» لزراعة شوارع مصر كلها بكاميرات المراقبة، أو بناء مصنع كاميرات، انظر كيف استطاعت الإمارات الشقيقة فك لغز قضية «شبح الريم» عن طريق التقنية الحديثة. بدون الاستقرار لا استثمار وسياحة ولا بناء ولاعمل أو مستقبل، أما الأهم فأن تطرح الدولة رؤية سياسية اقتصادية تنحاز فيها لأشواق غالبية الشعب فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ولاتدلل رجال الأعمال والطبقات الطفيلية، ليقف المجتمع صفا واحدا فى وجه الإرهابيين، لأن أعمالنا تحددنا بقدر ما نحدد نحن أعمالنا..! [email protected] لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبوالحسن