لم تكن حادثة الوراق ضد المسيحيين مفاجأة.. فقد كانت متوقعة! حقيقة، لم يكن أحد يدرى المكان أو الميعاد لكننا كنا ننتظرها، جميعا.. نعرف أن هناك حوادث ستتم ضد المصريين عموما -والأقباط خصوصا- مع كل رفض للمصالحة مع الإخوان، أو التقدم نحو إنجاز التعديلات الدستورية. وستزيد مثل هذه الأحداث مع اقتراب الاستفتاء على الدستور، استهداف المسيحيين خطة تقليدية لجماعات العنف.. كما أن وضع عبوات ناسفة وسيارات مفخخة فى أماكن عامة، أسلوب معروف لدى الإرهابيين.. وإطلاق النار بشكل عشوائى على التجمعات -خصوصا المسيحية والشرطية- طريقة مجرَّبة عند المتطرفين. عانينا من حوادث مماثلة طوال التسعينيات من القرن الماضى، حتى استطاع نظام مبارك -ويُحسب له أنه لم يهادن فى هذه المعركة- أن ينتصر على الإرهاب، واضطر قادة هذه الجماعات إلى الاستسلام ثم القيام بمراجعات فكرية تنبذ العنف. بعض هذه المراجعات كانت حقيقية، مثل ما حدث مع الإنسان الرائع والقيادى السابق بالجماعة الإسلامية د.ناجح إبراهيم، وأيضا القيادى السابق بتنظيم الجهاد نبيل نعيم.. وبعضها كان كاذبا، ووسيلة فقط للخروج من السجون والمعتقلات، مثل حالة عاصم عبد الماجد وصفوت عبد الغنى.. والأول هدد الأقباط بشكل مباشر خلال اعتصام رابعة العدوية، وهو ما يؤكد أن أى إدانة لحادثة الوراق من قبل الإخوان ومن والاهم من الفصائل المتحالفة معهم غير حقيقية. لم يكن تهديد عاصم عبد الماجد للمسيحيين إذا سقط مرسى مجرد كلام، مثلما لم تكن تصريحات محمد البلتاجى عن وقف العنف فى سيناء بعد ثانية واحدة من عودة مرسى إلى الحكم «طقّ حنك».. فقد كانت خطة محكمة، كُلِّفت بتنفيذها عناصر مدرَّبة. لقد عادت الجماعات الإرهابية لنهجها فى التسعينيات مرة أخرى دون تغيير يذكر، فما يوجع نظام الحكم ويظهر ضعفه وعدم سيطرته على البلد هو قتل الأقباط وحرق الكنائس، واستهداف أفراد الشرطة، وخلق حالة هلع فى المجتمع من خلال عمليات عشوائية تستهدف المدنيين الأبرياء، مثل وضع قنبلة فى أماكن التجمعات.. كما حدث فى جريمة «مقهى وادى النيل» فى التسعينيات. وهو ما يتكرر الآن، حيث نقرأ كل يوم خبرًا عن العثور على قنبلة فى محطة مترو أو أمام مدرسة أو داخل جراج عمومى أو بالقرب من محطة بنزين أو فى شارع مزدحم. أيضا من ضمن الأسلوب التقليدى محاولة اغتيال المسؤولين، حتى لو راح ضحيتها مواطنون لا ذنب لهم سوى وجودهم بالصدفة فى مكان التفجير!، وقد حدث ذلك فى محاولات اغتيال بعض مسؤولى التسعينيات مثل حسن الألفى وزير الداخلية، وصفوت الشريف وزير الإعلام وعاطف صدقى رئيس الوزراء، وكلهم نجوا من الموت وقتها، بينما راح ضحيته جنود وضباط فى مقتبل العمر ومواطنون بسطاء، أبرزهم الطفلة شيماء التى مزقت التفجيرات جسدها الصغير والنبيل، وهو نفس ما تكرر الآن مع الطفلة البريئة الطاهرة مريم أمام كنيسة الوراق التى اخترقت جسدها رصاصات الغدر، وحدث أيضا خلال محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية الحالى منذ عدة أسابيع، والتى بترت بسببها قدم طفل صغير ساقته الصدفة إلى مكان الحادثة وقت التفجير. نفس مشاهد إرهاب التسعينيات تتكرر، ولكن الفارق بين ما حدث فى هذه الحقبة الكئيبة وما يحدث الآن هو أن الرئيس المعزول محمد مرسى خلال العام الذى تولى فيه الحكم منح الجماعات الإرهابية إمكانيات كبيرة، فقد حصلت على أسلحة كثيرة ومتطورة، وتم تدريب عناصرها، كما عاد بعض الهاربين إلى مصر محملين بخبرات حرب العصابات التى اكتسبوها فى أفغانستان، كما أن عددا من أعضائها، خصوصا بعض من تم الإفراج عنهم، استعدوا لهذه المعركة واتخذوا لأنفسهم مخابئ وأوكارا. الفرق الثانى أنه فى عصر مبارك كان الغرب وأمريكا يقفون مع النظام المصرى ضد الإرهابيين، على عكس ما يحدث حاليا، حيث الدعم الأمريكى والغربى يوجه لصالح الإخوان وضد إرادة الشعب المصرى، ولهذا فإن الحرب مع الإرهاب ستستغرق وقتا، وتحتاج إلى جهود كبيرة. لقد استمرت المعركة الأولى مع الإرهابيين فى أواخر القرن الماضى أكثر من عشر سنوات حتى تم إنهاكهم، وشل قواهم.. ومعركتنا الآن معهم تحتاج إلى نفس طويل وإرادة شعبية، وعدم ترك النظام بمفرده فى هذه المواجهة المصيرية. وإذا كان الأقباط مهددين عند ذهابهم إلى كنائسهم، فكلنا أيضا مهددون بأن تصيبنا الطلقات العشوائية، أو القنابل الموضوعة فى الشوارع أو الشظايا المتطايرة عند استهداف سيارات المسؤولين. نعم.. جميع المصريين «مشروع شهيد».. لكن ذلك لن يثنينا عن المواجهة. ومثلما صمد الأقباط فى التسعينيات ولم يغادروا وطنهم، وكما واجه المسلمون عشوائية الإرهاب الذى قتل أطفالا ونساء ورجالا لا ذنب لهم، فمن المؤكد أننا سننتصر مرة أخرى على الإرهاب. وإذا كان الإخوان يهدفون من وراء إرهابهم، إلى الجلوس على طاولة المفاوضات وتحسين شروط التفاوض.. فإن الجميع يرفض كل مبادرات المصالحة المزعومة.. ف«الشهيد» لا يتصالح مع قاتله، لو كنتم تدركون!