كشف المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء منذ أيام عن أن المصانع أصبحت لا تجد عمالة فنية مناسبة أو مدربة ،وأن هناك عجزا كبيرا فيها ، برغم ارتفاع نسبة البطالة ، وأن الشباب يطمح للحصول على أعمال كبيرة ومكسب أعلى ،دون تعب أو عمل ، ويفضل الجلوس على المقاهى على العمل بأجر متوسط. فى حين يتجه البعص للعمل النوعى مثل قيادة التوك توك أو الدليفرى ، لأنها تحقق عائدا ومبالغ كبيرة فى اليوم الواحد ، فيما أكد الخبراء أن الخريجين من ملايين الشباب لا يصلحون للعمل الإنتاجى ، لأنهم لا يتوافقون مع سوق العمل من حيث التخصصات والتعليم ، وأن الدراسات العملية الحالية تتم بطريقة نظرية بعيدا عن احتياجات المصانع وسوق العمل .. أمثلة حية كثيرة لهذه النوعية من الشباب يعرضها فى صورة مطابقة للواقع الشاب وحيد عبد الحميد من منطقة اسباتس بالهرم ، الحاصل على شهادة مبارك كول وعمل كفنى فى واحد من أكبر مصانع مدينة أكتوبر ، يقول : حصلت على هذه الشهادة منذ 7 سنوات والتحقت بالعمل بالمصنع لمدة 3 أعوام ، ولكن الراتب لا يكفى لإقامة أسرة والزواج إضافة للمواصلات اليومية والسهر فى الورشة ، يضاف إلى ذلك أننا لا نحصل على مكافآت أو تمييز بحجة أن السوق راكدة والمصنع يخسر ، وعرفت من أصحابى أن مكسب التوك توك يصل إلى 300 جنيه فى اليوم ، وبجانب منزلى ، وهو أفضل كثيرا لأن الإنسان حر مع نفسه ولا أحد يحاسبه ، فإذا تعطلت ( الماكينة) أنتظر يومين أو ثلاثة فى الراحة بدون مشاكل . ويضيف أحمد شعبان حاصل على دبلوم فنى صناعى بالبحيرة إننى بحثت عن عمل مثل الآلاف غيرى وتقدمت للعمل فى مصانع بالاسكندرية على مدى عامين وعملت فى مصنع ورق ، ولكنى وجدت أن هناك استغلالا ، ولا يوجد تعيين أو تأمين فتركته ، وعرض على العمل فى شركة أمن بمبلغ 1200 جنيه فى الشهر ، وبرغم احتياجى لهذا المبلغ إلا أننى وجدته عملا مهينا ، لايناسب طموحاتى ولا يؤمن مستقبلى ، ويسئ لبعض أقاربى الذين يشغلون مواقع فى الدولة ، وأنا أنتظر مثل غيرى الفرصة للخروج من مصر للعمل خارج البلاد ولو بالهرب ، وعرفت الآن أن الشباب يفضلون الموت فى الهروب على الحياة فى هذا الحال ، فالمصانع تريد "فنى تفصيل" فى عملها فليس لديها وقت لتعليمه ، وهناك الكثيرون من المعارف والأصدقاء حاصلون على شهادات فنية صناعية آيضا ولا يجدون عملا . ويعرض الدكتور صلاح جودة أستاذ الاقتصاد أهم أسباب الفجوة بين الشباب من الخريجين والمصانع بأنواعها ، بأن المدرسة الفنية وحتى كليات الهندسة لا تخرج إنسانا مناسبا للعمل أو نطلب تخصصه ، فالتعليم الفنى والهندسى فى واد وسوق العمل فى واد آخر ، فالمدرس بالمدرسة الفنية غير مؤهل فنيا لتعليم التخصص ،ويمضى السنة الدراسية فى تدريس المادة بطريقة نظرية ، فى الوقت الذى لا تتوافر فيه أجهزة حديثة لتعليم الطالب عليها ، وأن الماكينات المتوافرة له يرجع تاريخ صنعها إلى نحو خمسين عاما ، وثبت أنها انقرضت ولا توجد إلا فى المدارس الفنية فقط ، وليس هناك تحديث فيها إطلاقا ، فالطالب لا يتعلم شيئا مفيدا لعشرات السنين ، ونصنع جيلا متخلفا معزولا عن واقع العمل ، وغير قادر على تشغيل الآلات الحديثة ، فإذا كان تأهيل الطالب بالمدارس الفنية والمعاهد الهندسية يهدف للعمل بالمصانع ، فإن أولى المبادئ تتطلب أن نلحقه - كما يحدث عالميا - بالتدرب عمليا بالمصانع فى أثناء الدراسة ، أن يلحقوا بطريقة آلية بالمصانع ، وأنه نتيجة هبوط مستوى الخريج على كل المستويات ، تقوم بعض الشركات بالتدريب الداخلى لديها مثل المقاولون العرب ، ونقوم بعقد تدريبات فى مختلف التخصصات ، كما أن أنجح أسلوب تعليمى يتجسد فى فى مشروع مبارك - كول ، لأنه يركز على التعليم النظرى والعملى الميدانى بالمصانع . المدارس والمصانع ويتساءل أستاذ الاقتصاد : هل يصدق أحد أن احتياجات المدارس والمصانع من أدوات واستخدامات نستوردها من الخارج ، ويمكن بالصناعات الفنية المحلية توفيرها، فإننا نحتاج منظومة جديدة فى إدارة القوى الفنية من الطلبة والخريجين من حيث توفير أحدث الماكينات فى العالم ، ليتدرب عليها الطالب بالتوازى مع التدريب بالمصانع الجادة ، وفتح المجال لاستقدام خبراء فى أحدث التخصصات الفنية العالمية من الدول المتخصصة ، ذلك حسب المستوى الفنى والتخصص كما فى إيطاليا وألمانيا بالماكينات تحديدا ، وكذلك من اليونان فى مجالات صناعات مرتبطة بالسفن والبحر ، وأن ندرك أن البطالة فى صورتها الحالية هى سبب بلاء مصر وشعبها ، فهى مصدر للجريمة بأنواعها بما فيها جرائم القتل والاغتصاب وحتى الانتحار ، لأن الشباب أصبح يائسا مظلوما ، فليست هناك فرصة للعمل والزواج وبدء حياة مستقرة أمامه ، فسوق العمل ترفضه بعد أن أسأنا تدريبه وتربيته ، فإذا توافر له عمل يجده أقل من طموحاته ، وليس فى تخصصة فيعزف عنه أملا فى الآخر الذى لن يأتى ، فيفضل الجلوس على المقاهى على هذا العمل . ويكفى مثلا عندما أعلنت إحدى الجهات عن توافر فرص عمل تقدم لها 57 شابا استجاب لها 35 منهم بالاتصال ، بينما لم يحضر سوى عشرة منهم ،وقبل بالعمل أربعة شباب فقط ، بل إن المصانع فى مختلف المحافظات تحتاج عشرات الآلاف من العمالة الشابة ولا تجد من يتقدم لها بحجة أنها لا تعطى أجرا عاليا ، أو بسبب بعدها وعدم الرغبة فى الإقامة بجانبها ، وكما حدث فى مشاريع القناة التى تعرض مليون فرصة عمل ولا تكاد تجد رغبة حقيقية من الشباب ، فالخريج فى هذه الأيام يفضل العمل السهل والمربح استغلال الشباب وترى الدكتورة آية ماهر أستاذ الموارد البشرية بالجامعة الألمانية أن مشكلة رفض بعض الشباب للأعمال ترجع إلى أنها غير مجزية لهم ، أو تتطلب جهدا عاليا لا يوازى العمل ، فهم لا يقبلون على مهنة حارس أمن كثيرا برغم أن راتبها فوق الألف جنيه ، ذلك لأن وقت الحراسة يمتد إلى 12 ساعة فى اليوم ، إضافة للغذاء وفترات راحة ، وبرغم التحفيز الشكلى لا يستجيب معظم الشباب مع احتياجهم الشديد لأى مبلغ ، فالحافز الأساسى للشاب ليس فيه التعيين بالشركة والتأمين عليه فلا معاشات ولا علاج تأمين صحى ، فى الوقت الذى يكون فيه متخصصا فى مجال عمل ، يأمل أن يجد الفرصة للإلتحاق به ، فالشاب يبحث عن لقمة العيش ،ولكنه يتعرض لأنواع من الابتزاز من بعض شركات التشغيل وربما الإحباط ، ثم جاء إعلان الحكومة على لسان وزير التخطيط بعدم الالتزام بتشغيل المتفوقين أوالحاصلين على درجتى الدكتوراه والماجستير ، وذلك اعتبارا من هذا العام ، فى الوقت الذى اقتصر فيه جهاز تشغيل الشباب وفروعه بالمحافظات على التدريب ثم توريد الشباب لأعمال هم عازفون عتها بالفعل . المشروعات الصغيرة مليون خريج ويرى الدكتور رشاد عبده أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أن مشكلة البطالة فى مصر ترجع لعدم وجود خطة مستقبلية لدى الدولة لربط التعليم بسوق العمل فنجد آكثر من مليون خريج جدد سنويا غير صالحين للعمل ، من حيث المستوى أو التخصص ، ونصف هذه الأعداد متخصصة فى التعليم التجارى وغير مدربة أيضا ، فما هى الجهة التى تحتاج أكثر من واحد منهم فى العام أو العامين أى أن هذه طاقة مهدرة ، تنتظر منها أن تعمل فى أعمال دنيا لاتناسب المؤهل أو المجهود الذى أهدرته الدولة فى التعليم ، ثم نبحث لهم عن عمل أى البحث عن عمل ويكشف الدكتور طارق فاروق الباحث بجامعة عين شمس فى دراسة حول كيفية البحث عن عمل ، عن أن البطالة حاليا نتيجة عدم التوافق بين المؤهل والوظائف الخالية والمواصفات الشخصية حتى أصبح العاطلون يمثلون 13 ٪ وهى أعلى نسبة شهدتها مصر خاصة بعد ثورة 25 يناير ، ومع توقف السيولة وتوقف حركة السوق ،ومعظمهم من الخريجين بما يتجاوز 60 ٪ من قوة العمل الشابة ، ويمثل خريجو التعليم الفنى الذى يضخ نحو 700 ألف شاب لسوق العمل سنويا إضافة لنحو 300 ألف من المؤهلات العليا ، يضاف إليهم 400 ألف من المتسربين من التعليم مبكرا أو توقفوا عنه .