قد يتساءل الوالدان بماذا نزوّد أبناءنا في رمضان؟ وما هي الأعمال الصالحة التي يمكن أن نعودهم عليها وننقلها لهم من تعاليم الشهر الكريم وهي بطبيعة الحال أكثر من أن تُعد وتحصي؟ وما هي السن المناسبة لهذه التعاليم؟ فضيلة الدكتور طه أبو كريشة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف يؤكد علي أن تزويد الأبناء بالطاعة والوقود اللازم لشحذ الهمم في شهر رمضان الكريم يختلف بحسب أعمار أبنائهم، فطفل الست سنوات يختلف عن طفل العشر سنوات أو عن طفل الخمسة عشر عامًا، فمثلا طفل الروضة أو الصف الأول أبدأ بتشجيعه على الصيام في رمضان قدر المستطاع، بمعنى أنه لو استطاع الصوم لمنتصف النهار في كل يوم فهذا كافٍ، حيث من المهم أن يتعلم الطفل فكرة الصوم لأنه مفهوم جديد عليه، وقدرة الطفل في هذا العمر على تحمل الجوع والعطش مازالت ضعيفة بطبيعة الحال وهو بحاجة إلى الطعام من أجل نموه الجسدي والعقلي، فليس من المناسب إجبار الطفل على إتمام الصوم للنهار كاملا في هذا العمر، ولكن عندما يكبر قليلًا ويصبح في الصف الثالث أو الرابع ويبدأ يطلب بنفسه صيام النهار كاملا فإنه يكون قد كبُر بدرجة كافية لتحمل الصوم طيلة النهار وطيلةَ الشهر، وإذا ازداد وعيُه بدرجةٍ مناسبة وبدأ يُدرك معنى الصيام كعبادة لله، فبإمكانه إتمام الصوم، ولا يجب منعه في هذه الحالة، بل تشجيعه من خلال الجوائز والهدايا على إكمال صيام شهر رمضان قدر استطاعته، مع تعليم الأبناء ضرورة صوم رمضان بنية خالصة لله، فإنه لا أجر لمن صامه بلا نية، وتعليمهم ثواب الله العظيم لهم لصوم شهر رمضان، حيث يفرح الله بعباده الصائمين ويباهي بهم الملائكة. ويقول أيضا انظروا يا ملائكتي إلى عبدي ترك طعامه وشرابه وشهوته لأجلي أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لعبدي، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسيّ: «كل حسنة يعملها ابن آدم بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به» (رواه البخاري). ومن الأمور المهمة التي على الوالدين الإهتمام بها في رمضان هي تشجيع الأبناء على الصلاة وإعتبار محطة رمضان نقطة إنطلاق للإبن لتعليمه الصلاة والمداومة عليها، فالطفل الذي لا يصلي أُعلّمه (كأم وأب) كيفية الصلاة وأشجعه عليها بشتى الطرق المحبّبة والمُحفّزة له، ومن الناجعِ في رمضان أن أصطحب أبنائي بمختلف أعمارهم إلى المسجد من أجل صلاة قيام الليل (صلاة التراويح) مع الإمام، وتعويدهم على هذه الصلاة بقدر المستطاع لما تترك من أثرٍ عميق في نفس الكبير والصغير على حدٍّ سواء، ولما لها من حلاوةٍ خاصة في القلب، وكثيرا ما يكون تعوّد الإبن والبنت الذهاب مع والديهما إلى صلاة التراويح في المسجد وعند مقرئ يتمتع بصوت شجيّ يحبّ الأبناء سماعَه سببًا في بَدْئِهم التفكير بأداء الصلوات الخمس والمحافظة عليها حتى بعد رمضان، فهذه نقطة بداية وتوقيت مناسب لا يجب أن يُستهان به لتدريب الأطفال الإلتزام بالصلاة..وقال «صلى الله عليه وسلم»:«من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» (رواه البخاري ومسلم). وممّا يمكن تزويد الأبناء به من محطة رمضان من الخير والحسنات هو الشعور تجاه الفقراء والمحتاجين من خلال تشجيع الأبناء على الصدقة، وتكثر أبواب الصدقة في رمضان حيث التبرع للفقراء لكسوتهم أو إطعامهم وتفطير الصائمين، والتبرع بكسوة العيد للفقراء، والتبرع لبناء المساجد وصيانتها، والتبرع لأهل المجاعات والمنكوبين في كل البلاد الإسلامية الممتدة.. ومن الجميل أن يشاهد الإبن أباه وهو يتصدق، بل ويعطي إبنه أو إبنته المال من أجل أن يتصدقوا هم بأنفسهم لتلك المصارف الشرعية بإشرافه، ومن المناسب أن يضع الوالدان في البيت حصّالة جماعية وعلى الأبناء التبرع بمقدار ما يستطيعون يوميًا وما تجود به نفوسهم من مصروفهم ويمكن تجهيزها من قبل رمضان، وتقديم هذا المال في نهاية شهر رمضان للجهة التي يجدون أنها محتاجة، وقد كان رسول الله «صلى الله عليه وسلم» أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة» (متفق عليه)، وقال «صلى الله عليه وسلم»:«أفضل الصدقة في رمضان»، وقال»صلى الله عليه وسلم»:«من فطّر صائمًا فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئًا» (حسن صحيح رواه الترمذي). وقد يقترب من هذا الجانب زيارة الأقرباء ودعوتهم إلى مائدة الإفطار في رمضان بنية تفطير الصائمين وزيادة صلة الرحم والمحبة بين أبناء العائلة الواحدة، فالأفضل للوالدين تعويد الأبناء على ذلك الخير وتعليمهم الهدف من دعوة بيت عمهم أو خالهم أو خالتهم.. إلى وجبة الإفطار في بيتهم في شهر رمضان، ومن المهم تعويد الأبناء إخراج الزكاة إن كان الوالدُ يملك المال الذي دار عليه الحوْل وبلغ نصاب الزكاة، فلا بأس أن يُخبر أبناءه بأنه سوف يذهب لإخراج الزكاة عن ماله وإيصالها لمصارفها الشرعية، وتكون نيته تعليم أبنائه أن عليهم زكاة المال الذي بلغ النّصاب...وهكذا وخطوة بخطوة يتعلم أبناءنا تعاليم دينهم السمحة ببساطة ويسر ودون تعقيد.